يستمر القتال في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 5 أيام وحتى الآن، بعد أن فشل الأخير في حسم الأمر منذ اليوم الأول للمعارك التي نشبت، ما يثير تساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء عجزه عن إنجاح هجومه الخاطف والمفاجئ الذي قام به يوم السبت، 15 أبريل/نيسان 2023.
لم يَحسم أي طرف المعارك لصالحه حتى الآن، وسط ضبابية في المشهد العسكري، وتضارب في التصريحات، وحرب معلومات بين الجانبين، وفق ما أكده خبير عسكري تحدث لـ"عربي بوست".
رغم تبادل الطرفين اتهامات ببدء كل منهما هجوماً على مقار تابعة للآخر، إلا أنه كان لافتاً الهجوم الذي قامت به قوات الدعم السريع في العاصمة وبعض المدن، أي خارج مناطق وجودها المعتادة، ومبادرتها باستهدافها مقر القيادة العامة للجيش وقادته، في مقدمتهم قائد المؤسسة العسكرية ورئيس مجلس القيادة عبد الفتاح البرهان ومحل إقامته، ومؤسسات حساسة في الدولة.
أسباب فشل "الحسم السريع"
هجوم قوات محمد دقلو "حميدتي" لم يُكتب له النجاح بإعلان الانتصار من اليوم الأول، فلم تكن قوات الدعم السريع سريعةً بما يكفي أمام رد فعل الجيش السوداني الذي تلقى الصدمة.
قال الخبير العسكري اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار، لـ"عربي بوست"، إن من الأسباب الهامة التي منعت الحسم السريع في اليوم الأول "قلة المعلومات وعدم دقة الهجوم، لذلك تفاجأت قوات الدعم السريع بردّ الجيش السوداني الذي أفشل حملتها ضده وضد قيادته".
أوضح أبو نوار أن ما حاولت قوات الدعم السريع القيام به يُدعى عسكرياً "المفاجأة الاستراتيجية" (Strategic surprise)، إلا أنها فشلت في تحقيق التأثير الحاسم المطلوب، رغم استخدام عنصر المفاجأة.
الغموض في المعلومات العسكرية وقلة الاستخبار كانا عاملين هامين، بعدم تمكن الدعم السريع أو الجيش السوداني من حسم المعارك لصالح أحدهما، بحسب قوله.
أضاف إلى هذه الأسباب عدم وجود حاضنة شعبية لقوات الدعم السريع في المناطق التي اشتبك فيها مع الجيش السوداني حالياً، على عكس أطراف الأقاليم التي اعتاد العمل فيها، بل حتى هذه المناطق فيها مَن يتّهم قوات حميدتي بتنفيذ جرائم حرب وقتل ضد المدنيين خلال عهد عمر البشير، فلا تلقى قبولاً لديها.
المناطق الحضرية
من بين أبرز الأسباب، وفق اللواء أبو نوار، أن قوات الدعم السريع غير معتادة على القتال في المناطق الحضرية والمدنية والشوارع، فهي ليست مثل دارفور والمناطق المفتوحة التي اعتادت القتال فيها.
قتال المدن وحرب الشوارع يختلف تماماً، إلى جانب سلوكها الذي لن يحظى بقبول في المناطق المدنية، من حرق ودمار إثر الاشتباكات العنيفة.
أشار أبو نوار كذلك إلى أن الحرب في المدن تحتاج إلى حالة هجومية أكثر من الدفاع، إلى جانب أن الاستخبار والمعلومات تصبح شحيحة.
لكن في مقابل ذلك، ففي الحرب داخل المدن يكون استخدام الأسلحة الجوية والقصف المدفعي جرائم حرب، وتتنافي كلياً مع اتفاقية روما وجنيف، وهذا لصالح الدعم السريع.
لكنه أشار كذلك إلى أن استخدام السلاح الثقيل من الدعم السريع أيضاً أو من أي دولة أو أي جيش أو ميليشيا في العالم يعد جرائم حرب.
بالإضافة إلى أن عربات الدعم السريع المقاتلة من بينها المدافع المقاومة للطائرات، والأسلحة التي يملكها مناسبة للمناطق المفتوحة وليست المدنية المأهولة بالسكان، بالتالي استمرارها باستخدامها يعد أيضاً جرائم حرب.
سلاح الجو
يعد افتقار قوات الدعم السريع إلى سلاح الجو من الأسباب الرئيسية أيضاً لعدم تمكنها من الانتصار السريع في اليوم الأول للاشتباكات، بحسب أبو نوار، الذي أكد أن أي طرف حرب ينقصه سلاح الجو من الصعب جداً أن يربح، وهذا يصب في صالح الجيش السوداني.
لكن هذا العامل الذي يفترض أن يصب في صالح الجيش السوداني يفتقر إلى المعلومات الاستخبارية والإمكانات التكنولوجية المطلوبة، لاستثماره بالشكل المطلوب لتحقيق المأمول منه في عمليات الجيش ضد قوات الدعم السريع.
أوضح أبو نوار أن الحديث وفق الكراسات العسكرية التقليدية القديمة لا يصلح لحالة السودان الآن، فسلاح الجو السوداني لا يمكن أن نتناوله من منظور عسكري متقدم.
ضرب بذلك مثالاً، بأن "الحلقات الخمس" أو (Warden's Five Rings) لا يمكن إسقاطها على سلاح الجو السوداني، بل هي مصممة لسلاح جو مماثل لما لدى أمريكا، التي طبقتها بالفعل في العراق ضد نظام صدام حسين.
في الحالة السودانية يحتاج الأمر سلاح جو هائلاً، وتكنولوجيا جوية متقدمة لتطبيق هذه الاستراتيجية التي تتمثل بقتل القيادات وضرب البنية التحتية والصناعات والمستودعات إلخ، وهذا أمر لا يمكن لسلاح الجو السوداني أن يقوم به بسهولة ضد قوات الدعم السريع.
هذا الأمر يمثل تحدياً للجيش السوداني، ويصب لصالح الدعم السريع، الذي لا يملك سلاح الجو.
والحلقات الخمس هي:
– قتل القيادة
– ضرب البنية التحتية
– كسر إرادة القتال
– استهداف المستودعات والذخائر والمواقع الاستراتيجية
– ضرب القوات العسكرية الميدانية
حرب شوارع واستنزاف
عن تحليله للوضع الراهن، رأى الخبير العسكري أن الجيش السوداني أمام حرب شوارع، لا يمكن ربحها بسهولة أو بوقت سريع، بل تأخذ وقتاً.
أكد كذلك أن ما يجري عبارة عن حرب دفاعية أكثر من كونها هجومية حتى الآن، مع تبادل للقصف والسيطرة المتبادلة.
لكنه رأى أن الجيش السوداني "لديه اليد العليا، نتيجة استنزاف الدعم السريع".
هي حرب بطيئة واستنزاف يخسرها الدعم السريع، إلا في حال تمكنه من الحصول على موارد قتالية لدعم مجهوده العسكري أمام الجيش السوداني، ما سيؤدي إلى استمرار الحرب وإطالتها، فالجيش السوداني لديه أيضاً من يدعمه من الأطراف الخارجية، وفق أبو نوار.
الإمدادات العسكرية
"ما يجري حرب وجود بين حميدتي والبرهان"، هذا ما رآه الخبير العسكري أبو نوار، معتبراً ما يجري ليس حرباً عادية، لذلك سيكون وقف إطلاق النار صعباً جداً.
ما يحتاجه الجيش السوداني لقطع هذا السيناريو هو تنفيذ "عمليات التجريد"، أي استخدام السلاح الجوي لوقف الإمدادات العسكرية لقوات الدعم السريع، بحسب أبو نوار، الذي أشار إلى أن هذه المهمة ستكون صعبة جداً، فهي بحاجة إلى استخبار آني ومباشر للقيام بمعالجة حدوث أي تزويد للجانب الآخر بالسلاح والعتاد من الخارج.
وقال: "السودان مهيّأ لعمليات تهريب السلاح ووصلوها إلى الدعم السريع، وسوف يجد الجيش السوداني صعوبةً في الحد من وصول الدعم للمجهود الحربي لقوات حميدتي، رغم وجود ميزة السلاح الجوي له".
اعتبر أيضاً أن هناك مصالح لدول كبيرة ودول إقليمية، وراء استمرارية الحرب، وستقوم بتزويد قوات الدعم السريع بالسلاح.
ما الحل؟
بعيداً عن الحلول العسكرية، رأى أبو نوار أن الحل لا يكون إلا بتدخل مجلس الأمن، مشدداً على أنه "هو الحل الوحيد لوقف التصعيد وإطلاق النار، وليس من جامعة الدول العربية، ولا الاتحاد الإفريقي، أو أي أدوات مكسورة لا تستطيع أن توقف القتال في السودان".
وأكد أن مجلس الأمن بإمكانه أن يفرض السلام بالقوة، من خلال قوات دولية تدخل إلى المنطقة.
وتوقع عدم استجابة أطراف الاقتتال في السودان لمطالب الوساطة والمفاوضات، مؤكداً أن المعطيات الحالية تؤكد أن المعارك الحالية هي حرب وجود بين الطرفين.
يشار إلى أن الجيش السوداني وصف قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، نائب رئيس مجلس السيادة، بأنها "متمردة"، عقب الاشتباكات، وهي قوات تشكّلت عام 2013 لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المتمردة بإقليم دارفور، ثم تولت مهام منها مكافحة الهجرة غير النظامية وحفظ الأمن، وشاركت في الإطاحة بنظام البشير، وفي المرحلة الانتقالية ضمن المكون العسكري الذي أطاح بالمكون المدني، ويقود حالياً مجلس السيادة.