كشفت مصادر برلمانية عراقية لـ"عربي بوست" عن دور أمريكي فاعل دفع نحو الإسراع للتوصل إلى الاتفاق النفطي بين بغداد وإقليم كردستان العراق، الذي وقعه الطرفان في 4 أبريل/نيسان 2023، الذي لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ حتى الآن، بعد توقف تدفق النفط عبر ميناء جيهان التركي.
وقّع الاتفاق النفطي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور البارزاني، على تصدير النفط من شمالي البلاد عبر شركة تسويق النفط العراقية (سومو)، بعد نزاع بين الطرفين على الملف دام نحو 20 عاماً.
النائب السابق في البرلمان العراقي عن الاتحاد الوطني الكردستاني، شيروان ميرزا، كشف في حديث لـ"عربي بوست" وجود محاولات عدة من أطراف دولية، لا سيما الجانب الأمريكي، لتشجيع التوصل إلى الاتفاق النفطي بين الإقليم وبغداد.
الدور الأمريكي
أوضح النائب أن "واشنطن وجهات غربية كان لها دور كبير في إنجاز الاتفاق، لأن وقف الصادرات عبر جيهان التركي يرفع من أسعار النفط عالمياً".
أكد ميرزا كذلك أن الجانب الأمريكي بشكل عام كان يدفع باتجاه التوصل إلى حلول، سواء في موضوع النفط أو قانون الموازنة العامة، لأن تمرير "الموازنة" للعراق التي تطلق الأموال للمشاريع والشركات العالمية، موضوعه مرتبط بشكل مباشر في مسألة الاتفاق على النفط والغاز بين بغداد والإقليم.
اتفق مع هذا الطرح، النائب الحالي في البرلمان العراقي، جمال كوجر، الذي أكد في حديث لـ"عربي بوست"، أن السفيرة الأمريكية في العراق ألينا رومانوسكي "لعبت دوراً إيجابياً في التوصل لاتفاق بين حكومتي بغداد وأربيل حول النفط".
حاول "عربي بوست" التواصل مع السفارة الأمريكية للتعليق على الأمر، إلا أنه لم يتلقّ رداً.
لكن سبق أن قال مساعد وزير الطاقة الأمريكي جيفري بايت، إن حكومة بلاده ترحب على أعلى المستويات بالاتفاق النفطي بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية.
أضاف أن حكومة بلاده تأمل أن يتم تصدير نفط إقليم كردستان بأسرع وقت، مشيراً إلى أن عدداً من الشركات الأمريكية تعمل في قطاع الطاقة في إقليم كردستان، مضيفاً: "سنعمل مع شركائنا في تركيا على تسريع البدء في تصدير نفط الإقليم".
كوجر، النائب العراقي عن الاتحاد الإسلامي الكردستاني، أكد لـ"عربي بوست"، أنه سواء كان الاتفاق بضغط أمريكي أو برضا بغداد وأربيل، أو تطبيقاً للاتفاق السياسي الذي على أساسه تشكلت الحكومة، أو أياً كانت الأسباب، فهي في النهاية وضعت الأساس لاتفاق طويل الأمد، وباتجاه تشريع قانون النفط والغاز المعطل منذ سنوات.
عن الدور الأمريكي، أضاف أيضاً أن "واشنطن قد تكون ضغطت لإنجاز الاتفاق النفطي من أجل عدم تأثر أسعار النفط عالمياً بتوقف الصادرات النفطية العراقية، جراء الخلافات بين بغداد وأربيل، بالتالي هي مصالح مشتركة".
الخلاف بين بغداد والإقليم، رأى كوجر أنه لا تستفيد منه إلا دول مجاورة (لم يفصح عنها)، "لكن اتفاقهما، وأي تنازل يقدّم من أحدهما، يصب في مصلحة الشعب الواحد، لذلك الاتفاق الذي جرى لا يعد إذلالاً لأحدهما على حساب الآخر".
رأى النائب العراقي أيضاً أن تحوّل نفط الإقليم والعراق إلى رقم يؤثر في المعادلة الدولية يُعد شيئاً إيجابياً، "بالتالي فإنه من الطبيعي أن تضغط الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي لتجاوز الخلاف بين بغداد وأربيل، لأن حاجياتهم ومصالحهم تكمن في هذا القطاع النفطي".
شدد كوجر، وهو عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي على "ضرورة ألا يتعارض أي ضغط مع مصالح العراق وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني فيه، لذلك إذا نظرنا إلى ما حصل فإنه حتماً يمثل أمراً جيداً للبلاد"، وفق قوله.
أوضح بالقول: "إذا صادف أن يحقق الاتفاق مصلحة دولية أو لدولة معينة، فهذا لا يعني أننا يجب أن ننظر إليه بشكل سلبي، خاصة إذا كانت تلك الدول المستفيدة من الاتفاقية معتبرة، ولها تأثير في العراق"، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
كواليس توقيع الاتفاق
بالعودة إلى النائب ميرزا، أوضح أن "العديد من الأسباب الأخرى دفعت بغداد وأربيل للتوصل إلى اتفاق بخصوص تصدير النفط، أولها صدور قرار من المحكمة الاتحادية العراقية بعدم دستورية قانون النفط والغاز في الإقليم، وبطلان بيع الأخير للنفط بشكل منفرد".
يُعد غياب قانون النفط والغاز، من أبرز المشكلات التي تواجه قطاع الطاقة بعد عام 2003، وقد أرسلت 3 مسودات لمشروع القانون إلى البرلمان منذ 2005، لكن الخلافات بين الأطراف السياسية حالت دون تمريرها، ما دفع إقليم كردستان إلى إصدار قانونه الخاص للنفط والغاز عام 2007.
لكن المحكمة الاتحادية العراقية العليا أصدرت في 15 فبراير/شباط 2022، قراراً وصفت فيه قانون نفط وغاز إقليم كردستان بـ"غير الدستوري"، مطالبة حكومة الإقليم بتسليم إيرادات النفط المنتج إلى الحكومة الاتحادية، وهو قرار رفضته كردستان بشكل قاطع.
تتركز أهمية القانون المختلف عليه في كونه يُنظم استخراج وتصدير وإدارة ثروات النفط والمعادن الطبيعية التي تُنتج في حدود الدولة العراقية، وضمنها إقليم كردستان، فضلاً عن تنظيم الإيرادات النفطية، ومن هي الجهة التي تذهب إليها الأموال والمخولة بإنفاقها.
أما الأمر الثاني الذي دفع الإقليم وبغداد للاتفاق، بحسب ميرزا، "قرار محكمة التحكيم الدولي في باريس، إذ كان له دور كبير في التوصل لتفاهمات على تصدير النفط بين الطرفين، لأن الجانب التركي أبلغ العراق بأنه أوقف ضخ نفط الإقليم عبر ميناء جيهان بعد قرار المحكمة".
أوقفت تركيا صادرات العراق الشمالية البالغة 450 ألف برميل يومياً، في 25 مارس/آذار الماضي، بعد حكم غرفة التجارة الدولية، الذي أمر أنقرة بدفع تعويضات لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار عن الصادرات غير المصرح بها من حكومة إقليم كردستان بين عامي 2014 و2018.
الأمر الثالث، اتفاق ائتلاف "إدارة الدولة" الذي يقضي بحل كل المشكلات العالقة بين بغداد وأربيل، منها مشكلة النفط والغاز والموازنة المالية، لذلك، فإن واقع الحال يوجب على الطرفين التوصل لاتفاق، بحسب ميرزا.
الجدير ذكره بهذا الصدد، أن ائتلاف "إدارة الدولة" تشكل في 25 سبتمبر/أيلول 2022، ويمثل الأغلبية التشريعية كونه مشكلاً من "الإطار التنسيقي" الشيعي، والحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالف السيادة وعزم السنيين، وحركة بابليون المسيحية.
استئناف تركي لضخ النفط
كشف كوجر أيضاً أن رئيس الوزراء السوداني، أبلغ اللجنة المالية البرلمانية قبل 3 أيام بأن الحكومة ستبذل جهودها لإعادة ضخ نفط الإقليم إلى ميناء جيهان التركي.
وقال: "يفترض أن يُستأنف التصدير اليوم أو غداً، لأن السوداني أكد أن الحكومة ستتصل بأنقرة لإعطاء إيعاز لذلك، وهذا يعني أن بغداد هي من توقف الضخ، وليست تركيا"، وفق قوله.
سبق أن قالت 4 مصادر لوكالة "رويترز"، الإثنين 17 أبريل/نيسان 2023، إن الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان سوَّتا مسائل فنية أساسية لاستئناف صادرات النفط الشمالية من ميناء جيهان التركي إلى الأسواق الدولية.
ذكرت المصادر للوكالة، أنه بموجب الاتفاق المزمع، ستوقع شركة التسويق الحكومية "سومو" عقوداً مع تجار بموجب توكيل رسمي، بينما سيتم تقييد خام حكومة إقليم كردستان العراق من التوجه إلى آسيا وسعره مقابل أسعار البيع الرسمية في كركوك.
نقلت أيضاً عن مصدرين منفصلين قولهما، إن شركات نفط دولية وجهت دعوة إلى أربيل للاجتماع مع رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور البارزاني، صباح الثلاثاء.
أوضح أحد المصادر أن المناقشات ستركز على الاستعدادات لاستئناف الصادرات وشروط وأحكام تسعير مبيعات النفط الخام من خلال "سومو"، والآلية المقترحة لسداد ديون شركات النفط العالمية، وحصتها من مبيعات تصدير النفط المستقبلية.
تسعى تركيا إلى مفاوضات شخصية مع بغداد، وفق المصادر ذاتها، موضحاً أنها تتعلق بمبلغ 1.5 مليار دولار أمرت بدفعها للعراق كتعويض في قضية التحكيم.
تمثل التدفقات المتوقفة نحو 0.5% فقط من إمدادات النفط العالمية، لكن هذا التوقف أجبر شركات النفط العاملة في المنطقة على وقف الإنتاج أو نقله إلى صهاريج تخزين تمتلئ سريعاً، وأسهم أيضاً في ارتفاع أسعار النفط إلى ما يقرب من 85 دولاراً للبرميل.
يشار إلى أن رئيس الوزراء العراقي، كان قد قال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس حكومة إقليم كردستان العراق ببغداد في يوم توقيع الاتفاق، إن هذا سيكون مؤقتاً، وسيمهد إلى إقرار قانون النفط والغاز الاتحادي وفق الدستور العراقي، ومعالجة جميع الشواغل في هذا القانون، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية.
شدد كذلك على أن "الاتفاق فيه مصلحة عامة للشعب العراقي، وأن أي تأخير في تنفيذه سيؤثر على مجمل الإيرادات النهائية من النفط، كما سيرفع معدل العجز في الموازنة الاتحادية".
بدوره، قال مسرور البارزاني خلال المؤتمر: "أنا واثق هذه المرة من أن هذه الاتفاقية ستنفذ كما هي، وسيتم تعجيل تصدير النفط بشكل لا يلحق الضرر بجميع الشعب العراقي".
وأكد أن "نيتنا التوصل إلى اتفاق شامل، سيكون جيداً لجميع العراقيين".