يستمر الحراك الخارجي والداخلي حول لبنان، خصوصاً ملف رئاسة الجمهورية في ظل المحاولات الفرنسية لتمرير ترشيح سليمان فرنجية، وهو المسار الذي ترجمته زيارات المستشار في الرئاسة الفرنسية، باتريك دوريل، إلى الرياض منتصف الأسبوع الماضي.
والتقى دوريل مع المسؤولين في الديوان الملكي السعودي، وتحديداً المستشار نزار العالولا ومسؤولين آخرين في الاستخبارات السعودية بهدف إيجاد مخرج لأزمة الرئاسة اللبنانية.
فيما تشير المعلومات إلى أن دوريل عاد إلى باريس بأجوبة واضحة تلخص الرؤية المشتركة للسعودية وقطر حيال ملف الرئاسة، ورفض أي محاولة للانقلاب على مخرجات اللقاء الخماسي حول لبنان.
محاولات أخيرة
وأشار مصدر دبلوماسي عربي مطلع إلى أن دوريل استعرض أمام العالولا والمسؤولين السعوديين المقاربة الفرنسية، القائمة على اعتبار فرنجية الخيار الأكثر واقعية والأكثر قدرة على تحقيق خروقات سياسية.
وأوضح المصدر أن المستشار الرئاسي الفرنسي أبلغ السعوديين بما سمعه من ضمانات قدّمها فرنجية، وهي جهوزيته في حال وصوله إلى رئاسة الجمهورية لإعادة لبنان إلى الحضن العربي، وترتيب العلاقات اللبنانية مع الدول الخليجية، بالإضافة لمسألة ضبط الحدود ووقف التهريب إلى النظام السوري، ومنع أي محاولة لجعل لبنان مساحة هجومية على المحيط العربي، وتحديداً وقف نشاطات المعارضات الخليجية.
كذلك أشار المسؤول الفرنسي إلى أن فرنجية وافق على أي صيغ متعلقة بطرح سلاح حزب الله على طاولة حوار ضمن ما أسماه "استراتيجية دفاعية"، بالإضافة إلى صون اتفاق الطائف والعمل على تطبيقه، وخلق مساحات مشاركة سياسية مع كل القوى، وتحديداً المعارضة والقوى السنية، عبر إشراك الجميع بالسلطة والحكومة دون استثناء.
لكن دوريل سمع الرد ذاته، وهو أن السعوديين والقطريين والمصريين متفقين على مواصفات للرئيس وهي لا تشبه فرنجية، وأن أي قبول به يعني أن لبنان بعد كل تلك الأزمات لم يتغير وغير جاهز للدخول في حالة التغيير.
وأشار المصدر إلى أن العالولا أكد لدوريل أنه إذا ما كانت باريس حريصة على السير بمرشحين والخروج عن الإجماع الدولي، فهذا يتطلب منها الانسحاب من اللقاء الخماسي.
زيارة فرنجية للأسد
في إطار متصل، أشار مصدر حكومي لبناني رفيع إلى أن سليمان فرنجية، رئيس تيار المردة والمرشح الرئاسي، زار دمشق للمرة الثانية في أقل من شهر برفقة زوجته.
والتقى فرنجية رئيس النظام السوري بشار الأسد، ونائبه للشؤون الأمنية، علي مملوك، والمستشارة، بثينة شعبان، وذلك بهدف مناقشة الملف الرئاسي المتعثر.
وبحسب المصدر، فإن زيارة فرنجية لدمشق أتت قبيل أيام من زيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، والمقررة اليوم الثلاثاء للقاء الأسد.
وكان الهدف من هذا الاجتماع هو السعي لفهم ما إذا كان تسريع عملية التطبيع السعودي السوري يمكن أن يكون له تأثير على انتخابه رئيساً للبنان.
وبحسب المصادر، فإن الأسد أبلغ فرنجية تطورات الوضع في سوريا وعلاقاتها المستجدة مع الدول العربية، مشيراً إلى أن الظروف التي خلفها الاتفاق السعودي-الإيراني والانفتاح السعودي على سوريا، قد تصب في صالح وصوله.
وبحسب المصدر، فإن فرنجية استعرض مع الأسد مسار ترشيحه، وعلاقته مع القوى السياسية اللبنانية، وخلاصة زيارته الأخيرة إلى باريس، كذلك لقاؤه مع الموفد القطري الوزير محمد الخليفي.
وسأل فرنجية الأسد إذا ما كان هذا الانفتاح العربي على سوريا من الممكن أن يصب في صالحه في المدى المنظور، فأشار الأسد – بحسب المصدر – إلى أنه من المبكر الحديث عن هذا الأمر قبيل القمة العربية المنتظرة منتصف مايو/أيار المقبل في السعودية.
لقاء سعودي مع حزب الله في بغداد
بالمقابل، فإن فرنجية يعول على انفراجة في علاقة حزب الله مع السعوديين. وبحسب المعلومات فإن الحزب أبلغ مرشحه الرئاسي أنه سيلتقي السعوديين.
ومن هذا المنطلق، أشار المصدر الدبلوماسي العربي إلى أن موفداً سعودياً سيلتقي اليوم الثلاثاء في العاصمة العراقية بغداد مسؤولين في حزب الله، في إطار مساعي الرياض وطهران لخلق مناخات حوار بين الأطراف الإقليمية.
وأشار المصدر إلى أن الجانبين سيناقشان بشكل مستفيض ملفات اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وذلك على مدى يومين، برعاية عراقية.
وبحسب المصدر، فإن اللقاءات ستكون فاتحة لقاءات أخرى قد تتطور لتعقد في بيروت؛ بهدف حل النزاعات القائمة بين الجانبين.
ويؤكد المصدر أن هذا الاجتماع يتزامن في الوقت نفسه مع لقاءات تجري في بغداد بين مسؤولين أمنيين من مصر والأردن وبين الجانب الإيراني، وسيجري الإعلان قريباً عن مخرجات سياسية؛ انطلاقاً من تلك اللقاءات في ظل تسارع التهدئة ووقف التصعيد الإقليمي الجاري.
توحيد المعارضة اللبنانية: القبول بقائد الجيش؟
بالمقابل يتسلح المسؤولون العرب بموقف القوى المسيحية في لبنان، والرافضة لانتخاب فرنجية، بالإضافة لممانعة الحزب التقدمي الاشتراكي ونواب التغيير وأغلبية النواب السنة لخيار فرنجية.
وتشير المعلومات إلى أن المعارضة اللبنانية بدأت تنظيم صفوفها للتوافق على اسم جديد للرئاسة بالتزامن مع الاجتماع المرتقب للدول الخمسة مطلع الشهر المقبل.
وبحسب المصادر، فإن النواب طرحوا فكرة القبول بقائد الجيش كمرشح وسطي قد يلاقي دعماً من الثنائي الشيعي في حال انسحب فرنجية قريباً من السباق الرئاسي.
لذا تنشط الاجتماعات واللقاءات بين الكتل المعارضة والتي تطرح أسماء يمكن الاتفاق عليها، والتي تضم أيضاً سلة أسماء أهمها الوزيران السابقان، زياد بارود وجهاد أزعور، والنائب السابق صلاح حنين، بالإضافة لقائد الجيش جوزيف عون.
وعليه، فإن هذه الطروحات ستبدأ بالنضوج في الأيام المقبلة، عبر البحث عن أسماء تتقاطع عليها القوى السياسية الرافضة لفرنجية.
ويتوقع المعارضون أنه، وبعد شهر رمضان، ستنتهي "إضاعة الوقت" التي دامت عدّة أشهر، على أن تعود الحركة إلى الملف الرئاسي من بوابة خلاصة اجتماع الخلية الخماسية، والتي ستعقد هذه المرة بحضور وزراء خارجية الولايات المتحدة وقطر والسعودية وفرنسا ومصر.