كشفت مصادر سياسية عراقية خاصة لـ"عربي بوست" عن تحركات مكثفة يجريها رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، لإنشاء إقليم سني على غرار إقليم كردستان، ويدعى إقليم الأنبار، من خلال عقده لقاءات عدة لا سيما مع شيوخ العشائر السنية في المدينة غربي البلاد، لدعم مشروع الإقليم السني في العراق.
بحسب المصادر، فقد التقى الحلبوسي، الأسبوع الماضي، عدداً من شيوخ عشائر المحافظة التي تقع غرب العراق وتحدها 3 دول (السعودية، الأردن، سوريا)، وتحدث معهم عن مشروع إقليم الأنبار، وضرورة المضي في إعلانه خلال المرحلة المقبلة.
أشارت أيضاً إلى أن من بين الحاضرين خلال اللقاء، الشيخ طارق خلف عبد لله الحلبوسي، والشيخ أحمد الساجر الملاحمة، والشيخ أحمد تركي مصلح شيخ البو فراج، والشيخ أحمد عبود عيادة شيخ البو جليب، إضافة إلى شيوخ آخرين يتجاوز عددهم الـ20 شيخاً.
يأتي ذلك مع تصاعد حدة خلافات رئيس البرلمان مع رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني حيال عدد من الملفات، اشتعلت منذ أسبوعين، لا سيما حول تداخل الصلاحيات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ رفض الأخير تدخُّل الحلبوسي في عمل المحافظين، وسط حديث عن حملة طالت ملفات فساد متورطة فيها شخصيات سياسية قريبة منه.
إقامة الإقليم السني في العراق أمام الدستور
من جانبه، قال الشيخ عواد الجغيفي أحد أبرز شيوخ عشائر الأنبار، لـ"عربي بوست"، إن شيوخ العشائر القريبة من الحلبوسي تؤيده في طرح موضوع الإقليم بالوقت الحالي، لكن غيرهم من الشيوخ وزعماء القبائل رافضون له.
وأشار إلى أن شيوخاً من العشائر السُّنة يرون أن الظروف غير مناسبة حالياً لإقامة إقليم مشابه، مشيراً كذلك إلى أنه "لو كان غير رئيس البرلمان هو من يريد إنشاء الإقليم لكان التفاعل معه أكبر، لأنه لا يلقى قبولاً"، وفق قوله.
عن سبب طرح هذه الفكرة، قال: "الحلبوسي يتحدث بموضوع الإقليم منذ فترة، فهو يلجأ إلى طرحه كلما رفض الآخرون تنفيذ مطالبه، لذلك يستخدمه ورقة للضغط على الأطراف المناوئة".
ولفت إلى أن مشروع الإقليم السني في العراق مطروح بالفعل؛ لكونه موجوداً في الدستور العراقي الذي كُتب في عام 2005، ومن ثم فإن المطالبة به حق مشروع للجميع، لكن الظروف الحالية ليست مواتية لإنشائه.
وأوضح الشيخ الجغيفي أن مشروع الإقليم يفترض ألا ينحصر بطرف سياسي محدد، لذلك فإنَّ طرحه في الوقت الحالي يعكس كونه يأتي بسبب الخلافات والمشاكل التي تتعلق بإدارة السلطة بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وقال: "لا نريد أن يكون طرح الإقليم مزاجياً، لأن الموضوع يتطلب دراسة من جوانب عدة، لا سيما ما يتعلق بالوضع السياسي العام في البلد، وكذلك الموارد التي تتعلق بهذه الرقعة الجغرافية، إضافة إلى الأوضاع الخارجية ومدى تهيئة الظروف لها".
لفت الشيخ الجغيفي إلى أن "موضوع الإقليم لا يزال حلماً يصعب تحقيقه في الوقت الحالي، رغم أن كثيراً من شيوخ الأنبار ومواطنيها يؤيدون إقامته، لكن ليس في ظل الظروف الحالية، لأنه لن يشمل محافظة الأنبار فقط، وإنما يمتد إلى محافظات أخرى، وهذا بحاجة إلى تنضيج للفكرة".
بهذا الصدد، حاول موقع "عربي بوست" التواصل مع مكتب الحلبوسي، إلا أنه لم يتلق رداً حتى الآن، كذلك لم تعلق الحكومة العراقية على هذه الأنباء.
"ورقة سياسية"
من جهته، أكد طه عبد الغني العضو السابق بمجلس المحافظة والقيادي في تحالف "الأنبار الموحد"، أن موضوع إقامة الإقليم السني في العراق "سمعنا عنه حديثاً بالفعل يجري من بعض الشخصيات القريبة من السياسيين السُّنة، حول إقامة الإقليم في الوقت الحالي".
عن الهدف من طرح فكرة إقامة الإقليم، أكد عبد الغني في حديث لـ"عربي بوست"، أنه "ليست له علاقة بخدمة مدينة الأنبار، وإنما جاء نتيجة ضغط السوداني، الذي حصل نتيجة فتح ملفات فساد في الأنبار تتعلق بجهات مدعومة من قوى سياسية متنفذة بشكل كبير في المحافظة".
اعتبر كذلك أن إحياء فكرة إقليم الأنبار جاء "وسيلة للضغط على الحكومة الاتحادية في بغداد، وتحديداً على رئيس الحكومة، بالتالي فإن ما يحصل للمساومة ومحاولة تخفيف الضغط المتعلق بملفات الفساد في الأنبار".
حول فكرة الإقليم السني في العراف بالنسبة إلى الأهالي السنة لا سيما في الأنبار، قال عبد الغني إنها لا تلقى قبولاً في الوقت الحالي إلا ممن يتحدثون عنها، وهم جهات وأحزاب معينة.
كذلك نفى عبد الغني وجود مؤشرات لوجستية وترتيبات متعلقة بإعلان مثل هذا المشروع الضخم في الأنبار.
الخلافات بين الحلبوسي والسوداني
بدوره، قال حسن فدعم الجنابي البرلماني العراقي السابق عن تيار "الحكمة" بزعامة رجل الدين الشيعي عمار الحكيم، في حديث لـ"عربي بوست"، إن "موضوع الإقليم لقي رفضاً سابقاً من أهالي الأنبار حين جرى طرحه قبل سنوات، بالتالي لم يتحقق أي شيء".
ورأى أن الحديث عنه في الوقت الحالي يمثل رد فعل على قضية الموازنة المالية للبلاد والخلافات القائمة بشأنها بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وأشار إلى أن الموضوع يأتي في سياق الضغوطات التي يمارسها الحلبوسي على "الإطار التنسيقي" الشيعي والحكومة الحالية لفرض مصالحه الشخصية وإرادته في مسألة الموازنة المالية التي أعدتها الحكومة لمدة 3 سنوات (2023، 2024، 2025).
بيّن كذلك الجنابي أن الحكومة قدمت موازنة مالية لثلاث سنوات، الأمر الذي أثار حفيظة الحلبوسي، "لذلك فإنَّ طرح موضوع الإقليم يأتي ربما ضمن التصعيد والضغط الذي يمارسه الأخير على رئيس الحكومة"، بحسب تقديره.
وافقه في ذلك عبد الغني، الذي قال لـ"عربي بوست"، إنَّ طرح المشروع في الوقت الحالي، يعد ورقة سياسية، لافتاً في الوقت ذاته إلى أنه "كان يمثل سابقاً طموحات بعض دول الخليج، على اعتبار أن وجود إقليم في الأنبار بمثابة خط دفاع أول لحماية مصالحها".
وأضاف مستدركاً: "لكن أعتقد اليوم أصبحت لدى هذه الدول قناعة بعدم إمكانية إنشاء مثل هذا الإقليم، أو أن تتزعمه شخصية قريبة منها".
مشروع بدعم إماراتي
لم يكن طرح موضوع إقليم الأنبار جديداً، فقد أثير عام 2020، بعدما استضافت العاصمة الإماراتية أبوظبي اجتماعاً لعدد من الشخصيات البرلمانية ورجال الأعمال السُّنة؛ للتباحث في موضوع إقامة الإقليم السني في العراق.
تناقلت وسائل الإعلام المختلفة حينها، أحاديث حول علاقة وثيقة بين الحلبوسي والإمارات، وعن زيارات سرية قام بها المسؤول العراقي وقتها لأبوظبي، ولقائه شخصيات مهمة، حتى قبل وصوله إلى رئاسة البرلمان.
يعكس ذلك طموحاً قديماً للحلبوسي في هذا الصدد، أحياه مؤخراً بحسب ما أكدته مصادر "عربي بوست".
سبق كذلك أن قدمت الإمارات دعماً سخياً إلى الحلبوسي من أجل إعادة إعمار محافظة الأنبار التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة منذ عام 2014 إلى 2017، وتهيئتها لتكون إقليماً منفصلاً، بحسب المصادر ذاتها.
لم تعلق الإمارات على هذه التقارير، وتجاهلت تأكيدها أو نفيها.
في حين علّق حينها السياسي العراقي البارز عزت الشابندر على تواصل الإمارات مع الحلبوسي حول مشروع الإقليم، بقوله عبر "تويتر"، إن "الدول العربية الصديقة والمعنية بوحدة العراق، لا تتحمل وترفض الإيحاء بمسؤوليتها عن اجتماعات مشبوهة لشخصيات عراقية نيابية وغير نيابية، تبحث مشروع أقلمة العراق على أساس طائفي باتجاه تقسيمه".
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.