بدأت وزارة الخارجية الألمانية مساعي لنشر فنون الحرب الدبلوماسية، ومعارف الجغرافيا السياسية، بين الألمان بالاعتماد على طريقة غير مألوفة، وهي ألعاب الفيديو، بعد أن لمست تراجعاً معرفياً بين الألمان في ما يحدث بالعالم، وفق تقرير لصحيفة The Times البريطانية، الأربعاء 12 أبريل/نيسان 2023.
الصحيفة أوضحت أن ألمانيا استعانت لذلك بما يُعرف بالألعاب الاستراتيجية، مثل "سيفيليزيشن 6" (Civilization 6)، التي يتعرف فيها اللاعبون على أحوال بلادهم منذ فجر العصر الحجري إلى عصر رحلات الفضاء، ويتصارعون فيها مع منافسيهم.
نقص الاستراتيجيين الكبار في ألمانيا
كثيراً ما اشتكى خبراء الأمن والسياسية الخارجية في ألمانيا من أن بلد بسمارك، مؤسس الإمبراطورية الألمانية، وفريدريش العظيم، الداهية العسكري البروسي، صارت مفتقرة إلى الاستراتيجيين الكبار خلال العقود الثلاثة الماضية منذ انقضاء الحرب الباردة، وقد أصبحت السياسة الداخلية الشغل الشاغل للناخبين فيها، وقد انصرفوا بها عن مبارزات السياسة الواقعية على الساحة الدولية.
لكن الهجوم الروسي على أوكرانيا أحدث تغييراً جذرياً في تصورات السياسيين والدبلوماسيين الألمان، وتزايد الاهتمام بقضايا تتعلق بهذا السياق، مثل مصادر شراء الأسلحة، وصراع القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين، حتى صارت هذه المسائل في صدارة النقاشات السياسية المطروحة في البلاد.
في جولة لترويج لعبة سيفيلزيشن 6، قال ميركو كروبا، رئيس قسم الشؤون الدبلوماسية العامة المحلية بوزارة الخارجية الألمانية، لقد عادت "السياسة الخارجية إلى بؤرة الاهتمام مرة أخرى، أكثر مما كانت عليه من قبل".
كما أضاف: "نحتاج إلى وسائط يمكن من خلالها تبادل الأفكار، ولا يقتصر الأمر فيها على التمثيل، وإنما تقديم الحجج والدفاع عنها. وقد رأينا ذلك، على سبيل المثال، في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة [الذي أدان] ضم روسيا للأراضي الأوكرانية".
مشروع "اللعب في الخارج"
أعلنت وزارة الخارجية في ألمانيا وشركات ألعاب، هذا الأسبوع، عن إطلاق مشروع يُسمى "اللعب في الخارج" Auswärtsspiel، والغاية منه استخدام الألعاب الإلكترونية لتوعية الجمهور الألماني بمدى تعقيد الشؤون الدولية، وأهميتها التي لا مفر منها.
قال كروبا، الذي عمل في السلك الدبلوماسي 20 عاماً وشغل مناصب دبلوماسية في الصين وتايوان وبمكتب الشؤون الأوكرانية في برلين، إنهم يأملون استثارة إحساس الناس بالمصالح الوطنية، وتوعية المواطنين بوجهات نظر الدول الأخرى، وأدوات الجغرافيا السياسية، مثل الدعاية والقوة الناعمة والحرب.
كما صرَّح كروبا كذلك في مؤتمر لتصميم الألعاب في ميونيخ، بأن هذا المشروع يمكن أن يساعد في تبديد "الرؤى الضيقة" ودواعي الاستجهال التي جعلت الناس عرضة للمعلومات المضللة.
فيما يعوِّل الفريق المسؤول عن المشروع على مجموعة متنوعة من الألعاب، مثل "ماينكرافت" Minecraft، المعنية بالتركيز على سبل الاستكشاف ووسائل البقاء؛ وألعاب الصراع، مثل "ذا ويتشر" The Witcher، ولعبة "ذيس وور أوف ماين" This War of Mine، وهما لعبتان بولنديتان يغلب عليهما الغموض ويتناولان تاريخ معاناة البلاد وقهرها تحت حكم القوى الأجنبية.
لعبة "سيفيلزيشن"
مع ذلك، فإن لعبة "سيفيلزيشن"، التي بدأ إصدارها في عام 1991، تحتل مكانة خاصة في هذا السياق، فهي تتناول تاريخ كل دولة، ونقاط قوتها وضعفها، على نحو يعزز الاطلاع على سبل قيادة الدول وسماتها المختلفة. وقال كروبا: "هذا هو الشيء الفاتن في لعبة سيفيلزيشن 6؛ إنها تتناول السياسة بمنطق مختلف في كل بلد".
حظيت الدورات الإلكترونية بعدد مشاهدات بلغ أكثر من 300 ألف مشاهدة لبعض المقاطع على موقع يوتيوب، على الرغم من أن بعضها تتجاوز مدته 6 ساعات.
تأتي هذه الدورات بمزايا إضافية، منها على سبيل المثال، أن اللاعبين إذا أرادوا تغيير قواعد اللعبة لمصلحتهم، فعليهم إلقاء خطاب أمام جمهور مباشر، أو تقديم العون للأمم المتحدة في قضية معينة، أو الفوز بتصويت لإقرار السياسة المرجوة.