قالت أنقرة، الإثنين 10 أبريل/نيسان 2023، إنه من المرجح أن يتوجه وزير الخارجية المصري سامح شكري، إلى تركيا هذا الأسبوع، مشيرةً إلى احتمال إحراز تقدُّم فيما يتعلق بعودة سفيري كلا البلدين لمباشرة أعمالهما، بعد قطع العلاقات قبل عشر سنوات، وذلك بعد إطاحة الجيش المصري برئاسة وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي من سدة الحكم في عام 2023.
حيث قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، لقناة "إيه خبر" التلفزيونية الخاصة، إن شكري سيزور تركيا قريباً، ربما هذا الأسبوع، مضيفاً أن تفاصيل الزيارة سيُعلن عنها يوم الأربعاء. وأضاف: "حان الوقت لاتخاذ خطوات ملموسة. يمكننا خلال زيارة شكري اتخاذ خطوات لتعيين سفيرين".
زيارة سابقة لوزير خارجية تركيا لمصر
وسبق أن زار تشاووش أوغلو القاهرة في مارس/آذار 2023، بعد عشر سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية في أعقاب الإطاحة بالرئيس المصري وحليف أنقرة محمد مرسي في 2013.
كما زار شكري تركيا قبل أسبوعين؛ للتعبير عن تضامنه بعد الزلزال المدمر والهزات اللاحقة له التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص في تركيا وسوريا.

قال شكري ساعتها، إن المحادثات مع تركيا بشأن استئناف سفيري كلا البلدين عملهما، ستجري في الوقت المناسب.
في حين بدأت المشاورات بين كبار مسؤولي وزارتي الخارجية في أنقرة والقاهرة في 2021، عندما سعت تركيا إلى تحسين علاقاتها مع مصر والإمارات وإسرائيل والسعودية.
لكن تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة أخذ في التسارع بعد أن تصافح الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان في الدوحة خلال نهائيات كأس العالم الأخيرة لكرة القدم التي استضافتها قطر.
كما قال تشاووش أوغلو إن الرئيسين قد يجتمعان وجهاً لوجه مرة أخرى بعد انتخابات 14 مايو/أيار في تركيا.
حفل إفطار تركي مصري في القاهرة
في سياق متصل نظمت جمعية رجال الأعمال الأتراك-المصريين، الأحد، مأدبة إفطار رمضاني في أحد فنادق العاصمة القاهرة.
شارك في المأدبة القائم بالأعمال التركي في القاهرة، السفير صالح موطلو شن، والسفير الأذربيجاني إلكهان بولوكوف، ورئيس الهلال الأحمر المصري رامي الناظر، ورئيس هيئة الاستثمار المصري حسام هيبة، إضافة إلى رئيس الجمعية نهاد أكينجي، ومنسق معهد يونس إمرة التركي في القاهرة أمين بويراز، ورجال أعمال مصريون وأتراك وصحفيون مصريون.
في كلمة خلال المأدبة، أكد السفير "شن" أهمية جمعية رجال الأعمال الأتراك- المصريين، معرباً عن أمله أن تحقق التجارة المتبادلة بين البلدين 20 مليار دولار في غضون الأعوام الـ10 المقبلة.
من جانبه، قال أكينجي: "نحن مرتبطون ببعضنا البعض من خلال روابط مثل قيمنا المشتركة وتاريخنا وثقافتنا التي جمعتنا معاً على هذه المائدة". وأردف: "شهدنا قوة هذه الروابط خاصة في كارثة الزلزال (التي ضربت جنوبي تركيا)، ورأينا وشعرنا بدعم الشعب المصري بأسره وعلى رأسه الحكومة".
أشار إلى أن زيادة زخم العلاقات الاقتصادية الثنائية بدأ مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة عام 2005 بين البلدين. وقال: "حجم التجارة الذي كان 1.5 مليار دولار آنذاك، ارتفع مع قدوم العام 2022 إلى نحو 10 مليارات دولار مع إدراج تجارة الغاز الطبيعي وتطور الميزان التجاري لصالح مصر".
بدوره، ذكر بويراز أنهم يلاحظون تطور العلاقات بين تركيا ومصر من الثقافة إلى الفن ومن الاقتصاد إلى التعليم.

قطيعة دامت 10 سنوات بين مصر وتركيا
فيما انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا في عام 2013 بعد إطاحة وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، بالرئيس الأسبق المنتخب، الراحل محمد مرسي، الذي حظي بدعم أردوغان وحزبه العدالة والتنمية.
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد الانقلاب العسكري، قد أعلن حينها مراراً، أنه لن يتواصل "أبداً" مع شخص مثل السيسي. لكن أردوغان أعرب في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، لدى مغادرته قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا، عن استعداده لإعادة بناء العلاقات مع القاهرة "من الصفر".
كان تشاووش أوغلو قد قال في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن تركيا قد تعيّن سفيراً لها في مصر "خلال الأشهر المقبلة".

فيما عُقد اجتماعان على مستوى نواب وزيري الخارجية في البلدين، أحدهما بالقاهرة والآخر في أنقرة عام 2021، أعقبا اتصالات على مستوى أجهزة الاستخبارات في البلدين.
"دفعة قوية" لمسار تطبيع العلاقات بين مصر وتركيا
تشير زيارة شكري الأخيرة لتركيا إلى إعطاء كل من أنقرة والقاهرة دفعة قوية لمسار تطبيع العلاقات بينهما، ووجود رغبة مشتركة من الطرفين في ذلك لطيّ الخلافات حول العديد من الملفات؛ مثل استضافة تركيا رموز المعارضة المصرية، والخلافات حول ترسيم الحدود البحرية واتفاق تركيا وليبيا حيال ذلك، وغيرها من القضايا الأخرى.
وطوال العام الماضي، لعبت الدوحة دور الوسيط لإعادة تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، ولا تخفي رغبتها الواضحة في تحسين العلاقات مع مصر في سياق مسار دبلوماسي أوسع يهدف إلى العودة لسياسة "صفر مشاكل"، التي نجحت من خلالها في إنهاء الخلافات مع السعودية والإمارات ودول أخرى تُعتبر حليفة للقاهرة.
عقب قرابة العامين من تراجع التصعيد في الملف الليبي وتراجع الخلافات الإقليمية، خاصة بين مصر وتركيا، بدأت تركيا بالتوازي مع قطر مساراً لإعادة تطبيع العلاقات مع دول المنطقة، ونجحت تدريجياً في إعادة تطبيع العلاقات مع الإمارات والسعودية و"إسرائيل"، إلا أن المسار المتواصل مع مصر واجه صعوبات ولم يجرِ حتى اليوم تحقيق اختراق حقيقي يتمثل في إعادة تبادل السفراء أو عقد لقاءات سياسية على مستوى متقدم؛ حيث بقيت الاتصالات على مستوى الاستخبارات والدبلوماسية المنخفضة.
مصر وتركيا في حوض المتوسط (عربي بوست)
تتمتع مصر وتركيا بموقع استراتيجي مميز يطلّ على نوافذ مائية وبرية مهمة، فبينما تربط تركيا آسيا بأوروبا وتتحكم في مضيق إسطنبول الذي يربط البحرين الأسود والأبيض. فيما تربط مصر إفريقيا بآسيا وتسيطر على قناة السويس التي تربط البحرين الأبيض والأحمر؛ مما يعني أن البلدين يسيطران على خطوط التجارة الدولية بشكل أو بآخر؛ بما يجعل منهما لاعبَين مُهيمنَين على ساحة التجارة الدولية، ولا شك في أن إحداث تقارب بينهما خصوصاً في ملف ترسيم الحدود البحرية بشرق المتوسط سيصب في مصلحتهما بشكل كبير اقتصادياً واستراتيجياً.
على الرغم من التوترات السياسية بين مصر وتركيا، نمت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين بشكل كبير على مدى السنوات العديدة الماضية. ويتوقع بعض الاقتصاديين أن تزيد تركيا من استثماراتها في مصر إلى 15 مليار دولار، وأن ترفع حجم التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار سنوياً. جدير بالذكر أن تركيا ومصر وقعتا اتفاقية تجارة حرة في عام 2005 نتج عنها، عند دخولها حيز التنفيذ في عام 2007، تضاعف إجمالي حجم التجارة بين البلدين ما يقرب من ثلاثة أضعاف بين عامي 2007 و2020، من 4.42 مليار دولار إلى 11.14 مليار دولار. ونجت الاتفاقية الحرة من الأزمة السياسية التي أعقبت عام 2013 بين القاهرة وأنقرة؛ مما يشير بحسب خبراء إلى قدرة البلدين على فصل الاقتصاد عن السياسة، أو إصلاح السياسة من بوابة الاقتصاد، أو حتى من باب "دبلوماسية الكوارث".