تعيش الكويت شللاً سياسياً، بين برلمانين، الأول تشكل عام 2020، والثاني في 2022، وسط حالة من الجدل الكبير الذي تعيشه حول شرعيتهما، لا سيما أن الأول يحظى بشرعية قرار المحكمة الدستورية بعودته، وبطلان وجود الثاني الذي تشكّل بقرار أميري بعد حل البرلمان القديم.
قرار المحكمة الدستورية بعودة برلمان 2020 وإبطال برلمان 2022، تسبب بفوضى بين البرلمانين، وسط رفض رئيس الحكومة الاستقالة حتى الآن، رغم قرار بطلان البرلمان الذي قام بأداء القسم أمامه.
برلمان 2022 الذي يوصف الآن بـ"المبطل"، تشكل بقرار من أمير البلاد نواف الأحمد الصباح، الذي مهّد له عبر انتخابات جرت بعد مرسوم من ولي عهده، في حين أن برلمان 2020 يؤكد شرعيته من خلال قرار المحكمة الدستورية في 19 مارس/آذار 2023، الذي قضى ببطلان القرار الأميري بحله.
الشلل السياسي الحاصل، يعكسه تعذّر عقد جلسة البرلمان الأسبوع الماضي وتأجيلها إلى ما بعد عيد الفطر (مطلع مايو المقبل)، وسط تهديدات بعرقلتها من نواب لوحوا بتصعيد كبير، مطالبين بالاستجابة للقرار الأميري، ورافضين قرار المحكمة الدستورية، إلى جانب اتهام رئيس برلمان 2020 لرئيس الوزراء أحمد نواف الأحمد الصباح برفض الاستقالة، رغم قرار إبطال انتخابات برلمان 2022 الذي أدى اليمين الدستورية أمامه.
توتر بين برلمان 2020 ورئيس الوزراء
خرج رئيس مجلس الأمة (برلمان 2020) مرزوق الغانم، بتصريحات علنية انتقد فيها رئيس الوزراء، الأربعاء، 5 أبريل/نيسان 2023، محملاً إياه مسؤولية "الفوضى السياسية" في الكويت.
وقال في مؤتمر صحفي، إن "الوضع السيئ الذي تعيشه البلد، والفوضى العارمة والشلل التام لا يخفى على أحد، وللأسف بعد استنفاد السبل كافة، فلا بد لنا من كلمة للأمة، نؤكد فيها لسمو رئيس الوزراء، أنت اختيار صاحب السمو، ونحن اختيار الشعب وفق انتخابات نزيهة، وحكم الدستورية ملزم للجميع".
وأكد الغانم أن ما ينظم العلاقة هو الدستور، مضيفاً في كلامه لرئيس الوزراء: "هناك حكم صادر باسم سمو الأمير، فيا سمو رئيس الوزراء المحترم، إن كنت تحترم هذا الحكم، فهناك خارطة طريق للخروج من المأزق، وإذا كنت لا تحترمه فاخرج إلى العلن، وقل إنك أنت المسؤول عن الوضع الحالي".
وتنص المادة 116 من الدستور، على أنه يجب تمثيل الحكومة في جلسات المجلس حتى يمارس أعماله.
وقال الغانم معلقاً على رسالته إلى رئيس الوزراء: "لسنا شياطين خرساً. وسبق أن حذّرته من الحل دون أن يقسّم الحكومة".
أكدت صحيفة "القبس" الكويتية من جهتها، نقلاً عن مصدر حكومي وصفته بالمطلع، أن"رئيس مجلس الوزراء لم يعتذر حتى الآن عن المنصب، فيما سيلتقي القيادة السياسية بأقرب وقت".
يُذكر أنه صدر الأمر الأميري بتكليف أحمد النواف الأحمد بتشكيل الحكومة الجديدة بتاريخ 5 مارس/آذار 2023، وهو نجل أمير البلاد.
تعذّر عقد جلسة البرلمان وتشكيل حكومة جديدة
رفع رئيس مجلس الأمة، مرزوق الغانم، جلسة مجلس الأمة، "نظراً لعدم حضور الحكومة وعدم صدور مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة، ولعدم اكتمال النصاب، وعملاً بالمادة 116 تُرفع الجلسة إلى ما بعد العيد".
تنص المادة 116 من الدستور الكويتي، على أنه "يجب أن تمثل الحكومة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها".
وعقب تأجيل جلسة برلمان 2020، وصف رئيس لجنة الشؤون التشريعية والقانونية، النائب عبيد الوسمي، الوضع السياسي في الكويت بـ"البائس".
كتب الوسمي في تغريدة له عبر حسابه في "تويتر": "استمرار الاستهزاء وعدم احترام الدولة ومؤسساتها ونظمها التي يقوم بها أفراد من الأسرة (الحاكمة) أمر لا يفترض قبوله تحت أي ظرف".
عكس عدم حضور الحكومة الكويتية إلى جلسة البرلمان، عدم تعاون رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف الصباح مع مجلس 2020 العائد بقرار المحكمة، الذي أبطل المرسوم الأميري بتكليفه على رأس الحكومة.
تهديد نواب بالتصعيد ضد قرار الحل
ارتفع سقف حديث الدواوين في الكويت، وتوالت المؤتمرات الصحفية من أعضاء برلمان 2022، أكدوا فيها اعتراضهم على عودة مجلس 2020، وأن هناك مشاورات لتنفيذ أجندة خاصة بهم بشأن استقبال الحكومة الجديدة، والتعاون معها من عدمه، لا سيما أنهم نواب لهم مقاعد في البرلمانين، في حين دعا بعضهم إلى عدم إنجاح جلسة القسم الخاصة بالحكومة المنتظرة.
النائب مبارك الحجرف، قال في تصريحات إعلامية، إن "ما بُني على باطل فهو باطل"، مضيفاً أن "الأمير هو الحكم، ومرسوم الحل هو عمل سيادي، ولا يجوز للمحكمة الدستورية النظر في مراسيم الأمير".
وأضاف مهدداً: "سنجلس على مقاعد الوزراء، ولن نسمح بانعقاد جلسة القسم".
لكن من الجدير ذكره في هذا الصدد، أن أعضاء المحكمة الدستورية في الكويت يتم اختيارهم من المجلس الأعلى للقضاء، ولكنهم لا يعينون رسمياً إلا بمرسوم أميري.
ذهب الحجرف إلى أبعد من ذلك، ليطالب بضرورة أن تتحول الكويت إلى "إمارة دستورية"، مضيفاً أنه "جاء الوقت لوقف هذا العبث من خلال إمارة دستورية، تحدد تسلسل انتقال السلطة، ويكون رئيس الوزراء من الشعب، يؤمن بالديمقراطية ولا يجزع من المساءلة، ويقود السلطة التنفيذية وفقاً للدستور إلى بر الأمان".
فيما قال نائب رئيس المجلس المبطل، محمد المطير، إن "القبول بالحكم، وحل مجلس 2020 هو القبول بسحب صلاحيات الأمير".
الحديث الغاضب من النواب المحسوبين على المعارضة، قابلته تصريحات تدعو إلى ضرورة قبول قرار المحكمة الدستورية، إذ قال نائب رئيس مجلس 2020، أحمد الشحومي، إنه يجب المضي بالجدول الزمني لجلسات البرلمان والقيام بدوره.
وقال مستهجناً تصريحات النواب المعارضين لعودة مجلس 2022: "كان رأيهم أن الحكومة ستنقسم وسيؤدي الأمر إلى حل مجلس الأمة، ثم قالوا لن نمكنها من القسم، وسنجلس على كراسي الحكومة، وسنؤزّم ونذهب إلى ساحة الإرادة واللي فيها فيها".
لكن النائب شعيب المويزري، قال إن "هناك العديد من الآراء الخاصة بجلسة القسم وحضورها أو الجلوس في مقاعد الوزراء وغيرها من الإجراءات"، كاشفاً في تصريحات إعلامية عن "عدم وجود أي اتفاق بعض الأعضاء المعارضين لعودة المجلس على الخطوات التصعيدية بعد".
وأكد المويزري في ديوانه أن "أي خطوة سيقوم بها الفريق النيابي المعارض ستكون مشتركة فيما بينهم، حيث لم يجرِ الاتفاق على أي خطوة في ظل وجود كثير من الآراء".
بدوره، أكد النائب في برلمان 2022 حمد المدلج في مؤتمر صحفي آخر في ديوانه بعنوان "إرادة أمة" أن "هناك من يصور أن انتقاد حكم المحكمة الدستورية طعن بالقضاء، بينما هم يدّعون تزوير الانتخابات، ويشككون بنزاهة مئات القضاة".
وقال: "المجلس العائد بحكم الدستورية ساقط بحكم إرادة سمو الأمير والإرادة الشعبية"، مضيفاً أن "ما يحصل هو عبث"، مضيفاً أن مجلس 2022 "كشف النقاب عن خفايا بعض قضايا الفساد التي يشتبه بأن يكون أطرافها أقطاب سياسية من أسرة الحكم، ما يمثل أحد الأسباب الداعية لإبطال المجلس".
أما النائب في البرلمان المبطل سعود العصفور، فأكد أهمية تعديل قانون المحكمة الدستورية، معتبراً أنه "سطوة على النظام الانتخابي ومجلس الأمة".
هل يتدخل الأمير مجدداً؟
ناشد رئيس مجلس البرلمان الكويتي، مرزوق الغانم، الأربعاء، 5 أبريل/نيسان 2023، أمير البلاد نواف الأحمد الجابر الصباح، وولي عهده الشيخ مشعل بالتدخل الفوري لحل الأزمة مع رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح.
تنص المادة 102 من الدستور الكويتي الصادر عام 1962، على أنه "لمجلس الأمة، في حال عدم تمكنه من التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، أن يرفع الأمر إلى الأمير، الذي له أن يعفي مجلس الوزراء أو يحل البرلمان، فإذا ما حل المجلس وصوت المجلس الجديد بالأغلبية على عدم التعاون مع نفس رئيس مجلس الوزراء، اعتُبر معزولاً، وتشكل وزارة جديدة".
بموجب هذه المادة، يجوز لأمير الكويت أن يحل البرلمان في حال عدم التعاون مع الحكومة أو العكس.
كشفت صحيفة "القبس" الكويتية، عن مصدرها الحكومي المطلع، أن قيادة البلاد تجري بالفعل بحث إجراءات المرحلة المقبلة، "من خلال تشكيل الحكومة وأداء اليمين الدستورية، وحل مجلس الأمة، والدعوة إلى انتخابات جديدة بصفة عاجلة، بما يتناسب مع مواد الدستور".
وأكد المصدر للصحيفة المحلية أن "هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحاً إلى الآن".
لن يكون هذا الأمر سابقة في البلاد في حال حصوله، فقد تعرّض مجلس الأمة للحل في كثير من المرات، وذلك منذ تشكيله لأول مرة عام 1963 عقب الاستقلال وإعلان الدستور.
ويكون الحل إما بمرسوم أميري، أو بقرارات قضائية.
تسلسل زمني للأزمة
– 10 مايو/أيار 2022: استقالة حكومة صباح الخالد.
– 22 يونيو/حزيران: خطاب ولي العهد نيابة عن الأمير.
– 24 يوليو/تموز: تعيين الشيخ أحمد نواف الأحمد رئيساً للحكومة.
– 1 أغسطس/آب: تشكيل الحكومة الجديدة.
– 2 أغسطس/آب: مرسوم حل مجلس الأمة.
– 18 أغسطس/آب: مرسوم قانون البطاقة المدنية.
– 28 أغسطس/آب: مرسوم الدعوة للانتخابات.
– 29 سبتمبر/أيلول: إجراء الانتخابات.
– 5 أكتوبر/تشرين الأول: تشكيل حكومة أحمد نواف الثانية.
– 26 يناير/كانون ثاني 2023: استقالة الحكومة.
– 5 مارس/آذار: تكليف أحمد النواف بتشكيل الحكومة مجدداً.
– 19 مارس/آذار: حكم من المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الأمة 2022.
– 4 أبريل/نيسان: تعذّر عقد جلسة البرلمان بسبب عدم حضور الحكومة.
– 5 أبريل/نيسان: رئيس برلمان 2020 يطلب من أمير البلاد التدخل، بحسب مواد الدستور.
دعوات للنزول إلى الشارع
حالة الشلل السياسي والفوضى والأزمة بين البرلمانين والحكومة، أدت إلى احتقان كبير ونزول العشرات من المواطنين إلى "ساحة الإرادة" في العاصمة الكويت.
تُعد هذه الساحة موقعاً رمزياً بالنسبة للاعتصامات السياسية، وسط دعوات للنزول إلى الشارع للدعوة إلى إنهاء حالة التأزم في المشهد السياسي.
الإثنين 3 أبريل/نيسان 2023، خرج المواطنون الغاضبون إلى الساحة المقابلة لمبنى مجلس الأمة، منددين بقرار المحكمة الدستورية، وهاتفين ضد مرزوق الغانم.
يشار إلى أنه في 23 يناير/كانون الثاني 2023، أعلنت الحكومة السابقة استقالتها بعد 4 أشهر من آخر تشكيل لها؛ جراء أزمة مع مجلس الأمة (البرلمان)، وهو السيناريو الذي قد يتكرر مجدداً إثر الأزمة الحالية.