في وقت أعلن فيه عدد من قيادات حركة "ميللي غوروش" المحافظة دعمهم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات المزمع عقدها الشهر القادم، بدأ الحديث عن تلك الحركة ومدى أهميتها وما إذا كانت بمثابة الحصان الأسود في الانتخابات المصيرية القادمة.
فمن هي القيادات التي أعلنت تأييدها لأردوغان؟ والأهم من ذلك، ما قصة هذه الحركة؟ وما حجم تأثيرها في الشارع؟ وما تاريخها؟
قيادات من ميللي غوروش تدعم أردوغان
آخر القيادات المنتمية لحركة "ميللي غوروش" والتي أعلنت تأييدها لأردوغان كان محمد بنغول، الرئيس السابق لبلدية عمرانية بمدينة إسطنبول، وأحد قيادات الحركة وحزب سعادات.
وعزا بنغول في تصريحات تلفزيونية هذا الدعم بسبب ابتعاد حزب "سعادات" ذي الميول الإسلامية؛ عن نهج حركة "ميللي غوروش" الإصلاحية ونهج مؤسسها الراحل نجم الدين أربكان، وانضمام الحزب تحت قيادة تمل كارا مولا أوغلو إلى الأحزاب التي لطالما أذاقت البلاد، ومنهم الإسلاميون، الإقصاء والإبعاد، على حد قوله.
وتابع بنغول أن تركيا وصلت إلى النقاط التي أشار إليها معلمنا أربكان في جميع المجالات، المكتسبة من القوة في صناعة الدفاع؛ إلى غيرها من المكتسبات التي تحققت في عهد الرئيس أردوغان، وبالتالي وجب علينا جميعاً دعم هذه الخطوات بالوقوف إلى جانب الرئيس.
حركة "ميللي غوروش" أو الرؤية الوطنية
يقول معمر بيلغتش عضو مجلس إدارة حركة "ميللي غوروش" وحزب سعادات في تصريحات لـ"عربي بوست" إن الظروف التي عاشتها تركيا؛ مطلع سبعينيات القرن الماضي ساهمت بصورة كبيرة في ظهور "ميللي غوروش" كحركة إصلاحية.
ويتابع بيلغتش أن حركة الرؤية الوطنية ظهرت كمثال متجسد لنضالات الشعوب من أجل البقاء في عالم ثنائي القطب، وتشكلت الحركة، بقيادة نجم الدين أربكان، الذي دخل البرلمان كنائب مستقل عن مدينة قونية وسط تركيا في انتخابات عام 1969؛ وأعطت الحركة الأولوية للأخلاق في مواجهة الإمبريالية والاستغلال وتركيز الثروة والعنصرية والطائفية.
ويضيف بيلغتش أنه في عام 1969 دشن الزعيم الإسلامي التركي الراحل نجم الدين أربكان، حركة "ميللي غوروش"، في إشارة إلى التوجه الديني للمنظمة، والتي شددت على القوة المعنوية والروحية للعقيدة الإسلامية والإيمان بها، مؤكدة أن تراجع العالم الإسلامي كان نتيجة لتقليد القيم الغربية مثل "العلمانية".
معنى "ميللي غوروش"
تعني كلمة Milli Görüş بالعربية "الرؤية الوطنية"، وكانت القوانين التركية (آنذاك) تمنع استخدام كلمة الإسلام بشكل مباشر في المؤسسات والحركات، لذلك أطلقت هكذا وتعني "ملة إبراهيم حنيفاً" أي العقيدة الإسلامية.
وبحسب نائب رئيس الحركة حقي شيفتشي، لم تكن "ميللي غوروش" جماعة أو تنظيماً بالمفهوم الدارج، وإنما جعلت نفسها سقفاً لكل الجماعات والقطاعات والطرق الصوفية الكثيرة المنتشرة في تركيا، وهذا كان له دور في تنوع الحركة، واتساع رقعتها، ووقوفها على مستوى واحد من كل القطاعات الإسلامية الموجودة.
ويضيف شيفتشي أنه من حيث القاعدة كانت "ميللي غوروش" تجمعاً بشرياً في شكل حركة سياسية، سعت إلى محاولة عودة القيم الإسلامية للأمة التركية.
كما هدفت "ميللي غوروش" منذ نشأتها إلى اتحاد الدول الإسلامية في العالم، لتأسيس قوة تعاون جديدة، ليصبحوا أكثر تأثيراً وغير خاضعين لإملاءات الدول الكبرى، والهيمنة الغربية.
ويرى نائب رئيس الحركة أن أبرز تحدٍّ واجه الحركة في تاريخها، كان انقلاب 1980 في تركيا، بقيادة الجنرال كنعان إيفرين.
كانت "ميللي غوروش" نظمت يوم في 6 سبتمبر/أيلول 1980، مؤتمر القدس بمدينة قونية وسط البلاد، وحضره ما يقارب مليون شخص. يومها اعتبره كثيرون، وفي مقدمتهم الصحافة والنظام العلماني، تحدياً للجمهورية ومبادئها.
بعدها تحرك الجيش، ونفذ انقلابه بقسوة ودموية مفرطة، فقد حكم بالإعدام بحق 517 شخصاً نفذ منها 50 حكماً، ومات تحت التعذيب 171 شخصاً، واعتقل 650 ألف مواطن. كما تم وضع مليون و683 ألف مواطن تحت المراقبة.
أضف إلى هذا فصل 30 ألف موظف من عملهم، وهرب مثلهم خارج البلاد، وسحبت الجنسية التركية من 14 ألف مواطن، ومات 73 في ظروف غامضة، وانتحر 43 مواطناً.
صبيحة يوم الانقلاب، قام "مجلس الأمن الوطني" الذي شكله الانقلابيون بإعلان الأحكام العرفية في البلاد، وحل البرلمان، وتعليق العمل بالدستور، وإنهاء صلاحيات حكومة سليمان ديميريل، وإغلاق الأحزاب السياسية، وحظر جميع نشاطات منظمات المجتمع المدني، ومن ضمنها حركة "ميللي غوروش" بزعامة نجم الدين أربكان.
رغم ما خلفه الانقلاب العسكري من تأثير سلبي على الحركة وإضعافها وتحجيم نشاطها داخل تركيا، لكنها انطلقت نحو العالمية بشكل أوسع، وبدأت تقدم خدماتها للجاليات الإسلامية التركية في عموم أوروبا.
أيديولوجية الحركة
في كتابه "تجربة وقف ميللي غوروش في أوروبا" للباحث التركي البروفيسور إسماعيل خالد أوغلو، والذي صدر بتاريخ 21 مايو/أيار 2017، قدم رصداً دقيقاً لنشاط المنظمة الإسلامية.
وقال الباحث التركي في كتابه: "وقف ميللي غوروش أصبح أكبر المنظمات غير الحكومية في أوروبا، ويقدم خدماته لجميع الناس كبيرهم وصغيرهم، ويضم تحت مظلته عدداً من الجمعيات كالجمعية النسائية، والجمعية الشبابية، والجامعيين".
وأضاف: "بفضل هذه الجمعيات والمنظمات وصل عدد فروعه إلى 620 فرعاً (مسجداً) في 12 بلداً أوروبياً، منها 320 فرعاً في ألمانيا، بالإضافة إلى تقديم خدماته في كل من أستراليا وكندا والبلقان، ووصل عدد تنظيماته إلى 2330 تنظيماً، و21 ألف إداري، و20 ألف عضو بالمركز، و15 ألف عضو بالفروع، ويبلغ عدد المصلين في الجمع والأعياد حوالي 400 ألف شخص، ويقدم خدماته المباشرة لملايين الأفراد".
وأوضح الباحث التركي في الجزئية المتعلقة بمؤسسات خدمات الشباب داخل "ميللي غوروش" أن الوقف يعمل على نشأة جيل من الشباب يحمل الهوية الإسلامية، ووعياً بالمسؤولية الاجتماعية، بغرض أن يكون كل فرد مفيداً للمجتمع.
وفي هذا الإطار وجّه الوقف فعاليات الإرشاد والتعليم نحو الشباب، وقد وصلت خدمات الوقف لحوالي 80 ألف شاب".
وعن مؤسسات الخدمات الجامعية داخل "ميللي غوروش" جاء في الكتاب أنه "في 30 جامعة أوروبية، تم إنشاء جمعيات طلابية بهدف التقاء الطلاب المسلمين ببعضهم، وتوثيق روابط الأخوة والاستشارة بينهم، وكي يكونوا أصحاب غاية ورؤية مستقبلية في المجتمع، وقد بلغ عدد الطلاب المستفيدين من ميللي غوروش في هذه النقطة نحو 7 آلاف طالب".
كان هذا جزءاً محدداً من تفصيلات كثيرة وأقسام متعددة اهتمت بها "ميللي غوروش" وعززتها، داخل المجتمعات الإسلامية في أوروبا، وهو ما جعلها عرضة للهجوم والترصد من قبل اليمين المتطرف وأعداء الهوية الإسلامية.
جهود الحركة السياسية
حتى الآن، تم حل أربعة أحزاب سياسية من حركة الرؤية الوطنية، وهي حزب النظام الوطني عام 1970 وتم حله عام 1971. وتأسس حزب الإنقاذ الوطني عام 1972 وأغلق عام 1980، وتأسس حزب الرفاه عام 1983 وتم حله عام 1998، وتأسس حزب الفضيلة عام 1997 وأغلق عام 2001.
ويرى الكاتب التركي محمود حقي أكين في تصريحاته لـ"عربي بوست" أن كل الأحزاب التي انبثقت عن حركة "ميللي غوروش" تم إغلاقها بدعوى معارضتها مبدأ العلمانية الذي نص عليه الدستور التركي، وتم استخدام ذلك المبدأ لمحاولة الوقوف ضد تمدد الحركة، خاصة في المناطق الريفية والقومية في تركيا.
ويضيف حقي أكين أنه، وباستثناء الانقلابات العسكرية، لم يتم إغلاق الأحزاب السياسية المحافظة؛ فبعد انقلاب 27 مايو/أيار، تم إغلاق الحزب الديمقراطي، وبعد انقلاب 12 سبتمبر/أيلول، تم إغلاق جميع الأحزاب السياسية بغض النظر عن اليمين أو اليسار، وبالتالي كانت الانقلابات هي الوسيلة الوحيدة للوقوف دون انتشار أحزاب ميللي غوروش وتمددها في تركيا.
موقف الحركة من الانتخابات التركية
مع بدء تشكل الطاولة السداسية وميل حزب سعادات المتزعم لحركة ميللي غوروش، بدأ العديد من قياداته وعناصر الحركة في الانفكاك عن الحزب والميل نحو حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة الرئيس أردوغان.
في 16 مارس/آذار 2023، أعلنت مجموعة "رفاق طريق أربكان" دعم أردوغان في مواجهة تحالف الطاولة السداسية. وأعلن المتحدث باسم المجموعة المتفرعة من حركة ميللي غوروش صالح سيدات أرسوز دعمه لتحالف الشعب بقيادة أردوغان.
وقال أرسوز في بيان إن رفاق أربكان سيقدمون كل الدعم اللازم للرئيس أردوغان وتحالف الشعب حتى يستمر في المحافظة على المكاسب التي كانت يوماً من الأيام أحلاماً لمعلمنا أربكان، وتحققت تحت حكم حزب العدالة والتنمية.
ووقع البيان 73 شخصاً من قيادات ورفاق مؤسس الحركة نجم الدين أربكان. وذكروا في بيانهم 15 سبباً كانت كافية بالنسبة لهم لدعم تحالف الشعب بقيادة أردوغان في مواجهة تحالف الطاولة السداسية.
إلى جانب ذلك دعا حسن دمار القيادي في حركة ميللي غوروش والخطيب السابق لحزب سعادات، إلى دعم الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات القادمة.
ودعا دمار أعضاء حركة ميللي غوروش كافة إلى المشاركة بقوة في فعاليات تحالف الشعب، حتى يتمكن أردوغان من استكمال المشروعات التي كانت الحركة تحلم بها في يوم من الأيام، كفتح مسجد آيا صوفيا للصلاة، وحرية ارتداء الحجاب في كامل تركيا، واستمرار تطور الصناعات الدفاعية التركية.
كان فاتح أربكان رئيس حزب "يني رفاه" أو الرفاه الجديد قد قال إن حزب سعادات ابتعد كثيراً عن منهج حركة "ميللي غوروش"، وإن الحركة اليوم باتت بريئة منه؛ بعد تحالفه مع حزب الشعب الجمهوري في مواجهة رفاق طريق الأمس الذين ساروا مع مؤسس الحركة الراحل نجم الدين أربكان.