كان مشهد الإفصاح عن لائحة الاتهامات الموجهة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الثلاثاء، 4 أبريل/نيسان 2023، في حضور أفراد الخدمة السرية المكلفين بحمايته ووسائل الإعلام المحتشدة في الخارج، مشهداً لا مثيل له في تاريخ محكمة مانهاتن الجنائية الممتد 82 عاماً.
لكن الأمور ستتغير بعد ذلك، وستنتقل القضية إلى مسار أقل إثارة لعموم الناس، فالإجراءات التالية ستكون معنية بالجدل حول الحقائق والقانون على مدار عدة أشهر من فحص المذكرات القانونية وطلبات المدعين وهيئة الدفاع، قبل حتى أن يمكن النظر في المحاكمة.
وإليكم الأمور الجديرة بالتتبع خلال الأسابيع التالية، بحسب ما أفاد تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية:
طلبات من الدفاع لرفض الدعوى
أشار محامو ترامب إلى أنهم ينوون التقدم بطلبات للمحكمة لرفض الدعوى على الفور. وهذه الالتماسات -التي عادة ما تُقدَّم إلى محاكم نيويورك الجنائية في غضون 45 يوماً من الكشف عن التهم- يرجَّح أن تطعن في كفاية الأدلة القانونية الواردة في لائحة الاتهام.
ويمكن للمحامين أيضاً أن يستندوا في طلب الرفض إلى تجاوز التهم لمدة التقادم (المدة المسموح بها لرفع الدعوى)، والتي تبلغ عامين في نيويورك للجرائم ذات الصلة. ويُتوقع أن يرد المدعون على ذلك بأن حساب مدة التقدم بالدعوى قد توقف مؤقتاً حينما غادر ترامب الولاية للعيش في واشنطن أثناء الرئاسة، ثم فلوريدا.
وقال جيريمي سالاند، محامي الدفاع الجنائي بولاية نيويورك، "حينما يكون الأمر يتعلق بالرئيس السابق للولايات المتحدة، فإن أموراً كثيرة تكون على المحك، إذ يجب أن تُتاح له الفرصة لفحص الدعوى وتفاصيلها حرفاً بحرف".
قد يلجأ فريق دفاع ترامب أيضاً إلى وسيلة نادرة لرفض الدعوى، وهي ما يُعرف بـ"طلب كلايتون"، فيطلبون من المحكمة رفض القضية، ليس بناء على ثغرات فيها، ولكن من أجل "مصلحة العدالة". ويحكم القاضي في الطلبات من هذا النوع بناء على النظر فيما إذا كان استمرار الدعوى يقوِّض ثقة الجمهور في نظام العدالة الجنائية، أم غير ذلك.
وقال توماس فرانشيك، القاضي السابق في نيويورك، إن طلب كلايتون من شأنه أن "يستدعي الشك في دوافع" مكتب المدعي العام لرفعِ هذه القضية، ويُعين الدفاع على ذلك أن القضية لم تُرفع إلا بعد سنوات "فذلك يعطي للدفاع حجة قانونية: لماذا استغرق رفع الدعوى هذا الوقت الطويل؟".
طلبات من الدفاع للطعن في الأدلة
قد تتقدَّم سوزان نيكيليس وبقية فريق الدفاع عن ترامب إلى القاضي بطلب مراجعة لمحاضر هيئة المحلفين الكبرى، التي استمعت إلى شهادات الشهود في القضية، وعلى رأسهم محامي ترامب السابق مايكل كوهين، والممثلة الإباحية ستورمي دانييلز، قبل التصويت على اتهام الرئيس السابق الأسبوع الماضي.
وربما يلجأ محامو ترامب بعد ذلك إلى تكتيك سبق لهم الاستعانة به في جورجيا، وهو أن يطلبوا من القاضي استبعاد الأدلة المقدمة لهيئة المحلفين الكبرى على أساس إن الإجراءات كانت غير قانونية أو غير دستورية. وقد يزعمون مثلاً أن المدعين قدموا أدلة غير مقبولة قانوناً؛ لأنها تستند إلى أفعال سيئة قام بها ترامب في السابق.
ومن المفترض أن يطلع الفريق القانوني على جميع الأدلة التي جمعها المدعون قبل التقدم إلى تصويت هيئة المحلفين الكبرى، وأي مواد إضافية توصلوا إليها بعد ذلك. وإذا تمكن المحامون من استبعاد الأدلة المقدمة، فإن الادعاء يصير مضطراً إلى تقديم أدلة أخرى لتعزيز الادعاءات الواردة في لائحة الاتهام.
تحركات أخرى
بالإضافة إلى الوسائل التي استخدمها محامو ترامب في قضايا سابقة، يمكن لهم الاستعانة بمجموعة أخرى من "الوسائل القانونية الجامحة"، مثل طلب "رد القاضي"، والمطالبة بتنحيه عن القضية، على أساس الزعم بتعارض المصالح.
وقد يطلب فريق الدفاع نقل النظر في الدعوى إلى مكان مختلف بالولاية -مثل معقل الجمهوريين في جزيرة ستاتن- حيث تكون هيئة المحلفين أكثر إرضاء لترامب، والتقدم بأسئلة تفصيلية تُطرح على المحلفين الذين سيشاركون في تلك الهيئة، بحجة استبعاد التحيز السياسي. لكن فرانشيك، القاضي السابق، قال إن طلبات تغيير مكان انعقاد المحكمة "نادراً ما يُستجاب لها".
وبالنظر إلى أن ترامب يواجه عدداً كبيراً من الاتهامات، ومنها دعوى مدنية رفعها المدعي العام في نيويورك، ودعوى مدنية من الصحفية إي جان كارول، التي تتهم الرئيس السابق باغتصابها في التسعينيات، فإنه من المحتمل أن يطلب المحامون تأجيل القضية، لتنسيق مواعيد النظر في تلك الدعاوى مع المحكمة. لكن القاضي غير ملزم بالموافقة على هذه الطلبات.
جلسات الاستماع
يجوز للقاضي عقد جلسات استماع لمناقشة جوهر الالتماسات أو تسيير الجلسات التمهيدية التي تُعقد قبل المحاكمة. وتفرض قوانين ولاية نيويورك حضور المدعى عليه بنفسه في كل جلسة استماع، والتي يمكن أن تنعقد مرة كل 4 أسابيع تقريباً.
ومع ذلك، قال سالاند، المحامي بولاية نيويورك، إن "المحكمة لن ترغب في الضجة التي يستجلبها كل حضور للرئيس السابق"، وقد يُسمح لترامب بالحضور عن بُعد، كما كانت الأمور أثناء جائحة كورونا. وقد يُحدَّد موعد الجلسة القادمة في 4 ديسمبر/كانون الأول.
أوامر حظر النشر
هاجم ترامب الادعاء في القضية قبل حتى أن يُكشف عن لائحة الاتهام، وحرَّض أنصاره على الاحتجاج أمام مكتب ألفين براغ، المدعي العام لمنطقة مانهاتن. ثم صعّد من هجماته بعد ذلك، وادعى أن القاضي خوان ميرشان "يكرهه".
لم يصدر ميرشان أمراً بحظر النشر يوم الثلاثاء، 4 أبريل/نيسان، وهو الأمر الذي كان سيقتضي منع ترامب من التحدث علناً عن القضية. وقالت كاثرين كريستيان، مساعدة المدعي العام السابق في مانهاتن، إن "القضاة لا يميلون في العادة إلى فعل ذلك".
لكن ميرشان طلب من فريق الدفاع عن ترامب تذكير موكلهم "بالامتناع عن الإدلاء بتصريحات قد تحرّض على العنف، أو تتسبب في حدوث اضطرابات مدنية".
المحاكمة
أما إذا استمرت القضية وتجاوزت جميع الإجراءات التمهيدية، فإن الأمور ستنتقل إلى الخطوات التالية: تبادل قوائم الشهود المقتَرحين، واتخاذ الترتيبات اللازمة لاختيار هيئة المحلفين.
وقالت كريستيان، المدعية العامة السابقة، إن القاضي ميرشان، وإن كان سيعمل بالتأكيد على "عدم تأجيل أي شيء"، لكن يظل من المستبعد أن تُجرى المحاكمة على عجل، و"ينبغي ألا يُصدم الناس من ذلك. فقضيةٌ فيها 3 شهود قد تستغرق عاماً قبل أن تصل إلى المحاكمة. وعليهم أن يتذكروا أن هذه مانهاتن، وترامب ليس المتهم الوحيد الذي يُحاكم. فهناك سجناء يجب أن تنعقد محاكمتهم" في هذه الدائرة القضائية.