لم يغب التفاعل مع اعتقالات المعارضين في تونس في شهر رمضان، ليشهد العديد من الفعاليات الاحتجاجية ضد حملة الاعتقال الأخيرة، التي طالت عدداً من المعارضين للرئيس قيس سعيد، وسط تهديدات بتصعيد أكبر من جبهة الخلاص التونسية، التي أوضحت كذلك عدداً من "الانتهاكات" في زنازين المعتقلين؛ أبرزها وضع كاميرات مراقبة فيها.
في الأثناء، تواصل جبهة الخلاص الاعتصام المفتوح في مقر حزب "حراك تونس الإرادة"، في العاصمة منذ 27 مارس/آذار 2023، بالإضافة إلى تنفيذ وقفة احتجاجية أسبوعية من أمام المسرح البلدي، من قلب شارع الثورة الحبيب بورقيبة.
تواصل موقع "عربي بوست" مع جبهة الخلاص، التي كشفت عن نية التصعيد بشكل أكبر من خلال الدخول في "إضراب جوع وحشي" في حال استمرار رفض السلطات التونسية الإفراج عن جميع الموقوفين المتهمين بـ"التآمر على أمن الدولة".
القيادية في جبهة الخلاص الوطني سميرة الشواشي، التي شغلت أيضاً نائباً أول لرئيس البرلمان المنحل، قالت في تصريح لـ"عربي بوست"، إن جل الموقوفين اعتقلوا بسبب ملفات فارغة، ولم تبرر أي جهة رسمية إلى حد الآن هذه الاعتقالات في تونس.
ودعت الشواشي الناطق الرسمي باسم النيابة العمومية إلى الخروج والتصريح علناً بإيضاح أسباب الاتهامات وخلفياتها.
حملة الاعتقالات في تونس بدأت في 11 فبراير/شباط 2023، شملت سياسيين ومحامين وإعلاميين وقضاة ورجال أعمال، وتركزت ضد أعضاء من جبهة الخلاص الوطني وقيادات كبرى في حزب حركة النهضة، وأحزاب أخرى.
في المقابل، نفى الرئيس التونسي قيس سعيد أن تكون الإيقافات ذات خلفية سياسية، مؤكداً في العديد من خطاباته، أنه يسعى إلى "محاسبة كل من أجرموا في حق الشعب، وتآمروا على أمن الدولة، ووقفوا وراء أزمات انقطاع السلع في الأسواق وغلاء الأسعار".
عن تعاطي السلطات مع مطالب الإفراج عن المعتقلين ووقف حملة الاعتقالات في تونس، أكدت الشواشي أنها لم تتجاوب حتى الآن مع أي مساعٍ لوقف الحملة ضد المعارضين، وأن ذلك "يستدعي مواصلة تحركات جبهة الخلاص إلى حين إطلاق سراح الموقوفين".
وقالت: "نحن غير مستعدّين للتخلي عن هذه الشخصيات الوطنية، وتركها تقبع في السجون ظلماً".
كاميرات مراقبة وانتهاكات ضد المعتقلين
حول ظروف إيقاف المعتقلين، قالت الشواشي إن المحامين في تواصل يومي معهم، وشهدوا على ظروف اعتقال "سيئة ومهينة"، لا سيما في بداية الاعتقال.
أوضحت أنه بسبب ذلك جرى تنفيذ وقفتين احتجاجيتين بسبب ذلك، إحداهما أمام سجن المرناقية (بالنسبة للموقوفين الرجال) والأخرى أمام سجن النساء في منوبة (تضامناً مع الموقوفة شيماء عيسى) لتحسين ظروف الاعتقال.
أشارت أيضاً إلى أن تركيز كاميرات مراقبة في مكان إيقاف الموقوفين الرجال يعد "انتهاكاً صارخاً، رغم تأكيد هيئة المعطيات الشخصية (المعنية بالحريات الشخصية) عدم تقديمها أي ترخيص لإدارة السجن بوضع هذه الكاميرات"، على حد قولها.
لكنها أكدت أن "المعنويات مرتفعة لجميع الموقوفين، مع قناعتهم بأنهم يدفعون ضريبة الديمقراطية، واستعدادهم لأي تضحية في سبيل المسار الديمقراطي".
كذلك كشف مصدر في "مواطنون ضد الانقلاب"، أن "ظروف الاعتقال سيئة جداً للمعتقلين، لا سيما أنه جرى وضعهم مع سجناء الحق العام".
وقال إن المعتقلين طالبوا بأن يحظوا على الأقل بصفة السجناء السياسيين.
عن تمسك السلطة بالتهمة الرئيسية الموجهة إلى الموقوفين وهي "التآمر على أمن الدولة"، قالت الشواشي: "أكرر ما تقوله هيئة الدفاع، بأنه طالما لم تخرج أي جهة رسمية وأثبتت وجود أفعال خطيرة قام بها هؤلاء المعتقلون، فإن هذه الملفات ما زالت فارغة، ولا توجد أي تهمة حقيقة أو حتى شبهة تهمة ضدهم".
النهضة: "السلطة من تآمرت على المعارضين"
في تعليق منه على التهم الموجهة إلى المعتقلين بـ"التآمر على أمن الدولة"، قال محمد القوماني، القيادي في حركة النهضة لـ"عربي بوست"، إن "السلطة التونسية هي التي تآمرت على القيادات السياسية المعارضة التي سجنتها".
وقال: "نحن على قناعة بأن السلطة من تآمرت على هذه القيادات السياسية، لأنه تم اعتقالهم ثم الاشتغال لاحقاً على تلفيق قضايا لهم، من خلال محادثات على واتساب، وهي في الحقيقة محادثات سياسية طبيعية، ليس فيها أي تآمر، خاصة أنها قيادات سياسية لم تخف معارضتها لمسار 25 يوليو".
في 25 يوليو/تموز 2021، أعلن قيس سعيد عن "إجراءات استثنائية" شملت إقالته رئيس الحكومة وحل البرلمان المنتخب، الأمر الذي وصفه المعارضون له بأنه "انقلاب على ديمقراطية البلد"، ليعلن بعدها خارطة طريق أفضت إلى استفتاء شعبي على تعديلات دستورية وإلى برلمان جديد، وكلاهما رفضتهما المعارضة في البلاد.
حول التهم الموجهة إلى قيادات حركة النهضة، كشف القوماني أن القضايا التي أوقفت بموجبها قيادات حركة النهضة مختلفة، من ذلك رئيس الحكومة الأسبق علي العريض والقيادي الحبيب اللوز بملف التسفير (تسهيل خروج الشباب إلى مناطق القتال في سوريا والعراق)، والنائب بالبرلمان المنحل نور الدين البحيري والكاتب العام الجهوي بباجة محمد صالح بوعلاق، والقيادي محمد المزوغي وثلاثتهم بسبب تدوينة على فيسبوك، إلى جانب القيادي سيد الفرجاني بقضية إنستالينغو (غسيل أموال والتحريض على الدولة).
حول استهداف الاعتقالات في تونس قيادات في النهضة، أكد القوماني أن "هناك استهدافاً سياسياً لحزب حركة النهضة، من خلال اعتقال نواب رئيس الحركة وقيادات جهوية ومركزية بارزة في ملفات فارغة، لا تستدعي السجن"، وفق تعبيره.
عبر القوماني عن تضامن الحركة مع كل المعتقلين السياسيين سواء منها أو من غيرها، وإصرارها على تواصل الوقفة الاحتجاجية الأسبوعية والاعتصام المفتوح، إلى حين حلحلة الملف، بالإضافة إلى مواصلة المشاورات بين الطيف السياسي المختلف بهذا الخصوص.
عن رؤية حركة النهضة في الحل والخروج من الأزمة السياسية الحالية، أكد أنها ترى أنه "لا حل في تونس اليوم إلا عبر صناديق الاقتراع، ولكن في انتخابات حرة شفافة وتعددية".
هيئة الدفاع: رفض رسمي للإفراج عن المعتقلين
من جانبها، أفادت عضو هيئة الدفاع عن الموقوفين إيناس حراث، في تصريح لـ"عربي بوست" أنه جرى الخميس 30 مارس/آذار 2023، رفض مطلب الإفراج عن الموقوفين من دائرة الاتهام 34 المختصة في قضايا مكافحة الإرهاب".
وكشفت في تصريح لـ"عربي بوست"، أنها قامت يوم الأربعاء 29 مارس/آذار 2023 بزيارة إلى عدد من الموقوفين على غرار عصام الشابي، وغازي الشواشي، والحبيب اللوز، وشيماء عيسى، وجوهر بن مبارك، مؤكدة "تحسن ظروف الإقامة ولكن بشكل بطيء".
وأشارت إلى أن "محاولة إدخال الأدوية لمستحقيها لم تكن فورية".
وأكدت أن العشرات من الموقوفين في تونس حالياً هم "معتقلون سياسيون".
عن الخطوات القادمة التي ستتبعها هيئة الدفاع، قالت حراث إنهم سيواصلون تقديم مطالب الإفراج والطعون، وطلب مكافحات (مقابلة المتهم بالشخص أو الجهة التي اتهمته وتقديم الأدلة أمامه).
انتقدت المحامية كذلك الوضع القانوني الحالي، موضحة: "نحن حالياً لسنا في دولة قانون"، مضيفة أن "التهم الموجهة سياسية والاعتقال سياسي، والحل يفترض أن يكون سياسياً"، وفق تعبيرها.
أكدت حرّاث أيضاً أن ما حصل استهداف لخصوم سياسيين ومحاكمات وهمية، والدليل على ذلك أن السلطات لم تصرح إلى حد الآن بموقف رسمي في هذا الخصوص سواء عن طريق النيابة العمومية أو وزيرة العدل، كما لم توضح فحوى الاتهامات والجهات الأجنبية المفترضة التي جرى التآمر معها.
وأكدت المحامية أنها حضرت استنطاق المتهمين، ولم يوجه لهم أي سؤال في علاقة بالإرهاب أو التآمر على أمن الدولة، بل كانت الأسئلة لبعض المعتقلين من قبيل: "لقد شربتم قهوة مع فلان؟ والتقيتم مع فلان؟"، واصفة ذلك بـ"الفضيحة".
اعتبرت كذلك أن الهدف من ذلك هو "الترهيب والتخويف، والتأكيد أنه لا أحد فوق الاستهداف".
مواطنون ضد الانقلاب: تونس نحو المجهول
من جانبه، قال الأمين البوعزيزي، أحد مؤسسي مواطنون ضد الانقلاب، إن تونس شهدت خلال شهر رمضان، جملة فعاليات تؤكد أن هناك "مختطَفين دون تهم".
وأضاف في تصريح لـ"عربي بوست": "هذه التحركات من حقنا بمقتضى الثورة، وتعد تقاليد مستمرة منذ 10 سنوات ضد الظلم".
نفى البوعزيزي أي تفاعل من السلطة مع مطالبهم، مؤكداً أن "التهم حُضّرت لاحقاً بعد اعتقال شخصيات معارضة في خطوة كيدية"، واصفاً ذلك بـ"الأمر الخطير".
حول الأزمة الحالية، قال البوعزيزي إنها "معركة مستمرة بين سلطة ومعارضة، ولكن البلاد كلها دخلت في أزمة على جميع المستويات بسبب ذلك، وأصبحت معزولة دولياً".
وأكد أن المناخ العام لا يشجع على الاستثمار، والوضع أصبح مخيفاً.
وأضاف: "نحن اليوم نواجه منذ أكثر من سنة من عمر الانقلاب حالة نفسية وليس سياسية فحسب، ذلك أن رئيس الجمهورية لا يتراجع عن قراراته، ويعتبر 5% فقط من الشعب التونسي الطيبين الصالحين".
كما أكد البوعزيزي أن البلاد "تسير نحو المجهول"، مضيفاً: "لا أحد يمكنه أن يعرف ماذا سيحصل في قادم الأيام، وهل ستتم تسوية تاريخية بين السلطة ومعارضيها أم لا، لا شيء يفيد بأن الأمور تسير في هذا الاتجاه".
يشار إلى أن "عربي بوست" حاول التواصل مع جهات رسمية للحصول على تعليق منها على حملة الاعتقالات في تونس، إلا أنه لم يتلق رداً.
رصد "عربي بوست" قائمة متعلقة بعدد الموقوفين والتهم الموجهة إليهم، وكان لافتاً تركزها خصيصاً ضد جبهة الخلاص وحركة النهضة.
لا يوجد عدد رسمي لمعتقلي الجانبين، ولكنهما أكدا لـ"عربي بوست" أنهما ستعملان على وضع قائمة رسمية توضح كل ذلك.
وتالياً، أسماء معارضين جرى اعتقالهم خلال حملة الاعتقالات في تونس مؤخرا:
الموقوفون عن حركة النهضة:
علي العريّض: متهم في ملف التسفير إلى بؤر التوتر في سوريا، وهو أحد قادة الصف الأول في حركة النهضة، وتولى منصب وزير الداخلية بعد الثورة سنة 2011، ثم رئيساً للحكومة سنة 2013.
نور الدين البحيري: تم إيقافه في قضية تتعلق بشبهات إرهابية سنة 2022، كما تم إيقافه خلال شهر فبراير/شباط 2023 في قضية التآمر على أمن الدولة.
يعد من القيادات البارزة في الحركة، وكان رئيساً لكتلتها في البرلمان المنحل، وقبلها وزيراً للعدل سنة 2011.
عبد الحميد الجلاصي: تم إيقافه يوم 11 فبراير/شباط 2023 في قضية التآمر على أمن الدولة، وهو من قيادات الصف الأول في الحركة، وكان نائباً في المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011.
الحبيب اللوز: تم إيقافه في 2 مارس/آذار 2023، بتهمة التسفير إلى بؤر التوتر، هو أحد القيادات البارزة في الحزب، وعضو سابق بالمجلس الوطني التأسيسي.
سيد الفرجاني: تم إيقافه يوم 1 مارس/آذار 2023 في قضية إنستالينغو، وهو من القيادات البارزة في الحركة، ونائب سابق بالمجلس الوطني التأسيسي.
عبد الفتاح التاغوتي: المسؤول الإعلامي في الحركة، تولى سنة 2011 منصب وزير الصحة، كما أنه كان نائباً أول لرئيس الحركة. تم إيقافه يوم 14 مارس/آذار 2023 في محافظة بن عروس.
قيادات جهوية (في المحافظات) عن حركة النهضة: محمد صالح بوعلاق، الكاتب العام الجهوي بمحافظة باجة، ومحمد المزوغي القيادي الجهوي بمحافظة بن عروس، وفريد المدني القيادي الجهوي. والتهم الموجهة لثلاثتهم متعلقة بتدوينات على "فيسبوك".
الموقوفون من جبهة الخلاص الوطني:
عصام الشابي: أحد الوجوه البارزة في صفوف المعارضة منذ عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وهو الأمين العام للحزب الجمهوري، وشقيق رئيس جبهة الخلاص المعارضة أحمد نجيب الشابي.
تم توقيفه يوم 22 فبراير/شباط 2023 بتهمة التآمر على أمن الدولة.
جوهر بن مبارك: أستاذ قانون دستوري وناشط اجتماعي وسياسي بارز بعد الثورة وقيادي في جبهة الخلاص الوطني المعارضة. متهم بالتآمر على أمن الدولة، حيث تم إيقافه يوم 24 فبراير/شباط 2023.
شيماء بن عيسى: ناشطة حقوقية وقيادية بجبهة الخلاص المعارضة متهمة بالتآمر على أمن الدولة، تم إيقافها يوم 22 فبراير/شباط الماضي.
غازي الشواشي: محامٍ ونائب سابق في البرلمان المنحل، وكان الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، وكان وزيراً لأملاك الدولة سنة 2020. تم إيقافه يوم 24 فبراير/شباط الماضي في قضية التآمر على أمن الدولة.
الموقوفون من أحزاب أخرى:
سيف الدين مخلوف: رئيس كتلة ائتلاف الكرامة في البرلمان المنحل، وتم إيقافه في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، بتهمة شتم عناصر من الشرطة في قضية مطار تونس قرطاج في شهر مارس/آذار 2021.
راشد الخياري: قيادي في حزب ائتلاف الكرامة، ونائب في البرلمان المنحل، تم توقيفه في شهر يوليو/تموز 2022، بتهمة المس من سمعة الجيش والتآمر على أمن الدولة.
محمد بن سالم: قيادي سابق في حركة النهضة، وعضو في حزب العمل والإنجاز، وتولى منصب وزير الفلاحة عام 2011، تم إيقافه بتاريخ 3 مارس/آذار الماضي بتهمة تبييض الأموال.
وليد الجلاد: قيادي سابق بحركة نداء تونس، ونائب سابق في البرلمان، متهم بقضية فساد مالي، تم إيقافه يوم 14 فبراير/شباط 2023.
خيام التركي: قيادي في حزب التكتل من أجل العمل والحريات، تم إيقافه يوم 11 فبراير/شباط الماضي فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة.
لزهر العكرمي: شغل بعد الثورة منصب كاتب الدولة بوزارة الداخلية، وهو قيادي سابق بحركة نداء تونس، تم إيقافه يوم 13 فبراير/شباط 2023، في قضية التآمر على أمن الدولة.
رضا بالحاج: شغل بعد الثورة منصب كاتب عام الحكومة، وهو من القيادات البارزة في حزب حركة نداء تونس، ونائب سابق في البرلمان، ومتهم في قضية التآمر على أمن الدولة. تم إيقافه يوم 24 فبراير/شباط 2023.
موقوفون آخرون:
البشير العكرمي: تم تعيينه سنة 2016 وكيلاً للجمهورية في المحكمة الابتدائية بالعاصمة، وهو قاضي التحقيق المكلف في جريمة اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد سنة 2011، ووجهت له تهمة "التستر على قضايا إرهابية".
نور الدين بوطار: المدير العام للإذاعة الخاصة "موزاييك"، وهي الإذاعة الأولى في تونس من حيث نسب المتابعة والاستماع.
أوقف يوم 13 فبراير/شباط 2023، بتهمة التآمر على أمن الدولة، في حين يؤكد متابعون أن إيقافه تم بناء على انتقاد الرئيس قيس سعيد في برامج الإذاعة.