اختلطت الأوراق السياسية في لبنان من جديد بعد الفشل الذريع لباريس في تسويق سليمان فرنجية للخليجيين كمرشح رئاسي جديد، وتمسك الطرف الأمريكي بالشروط المتفق عليها سابقاً بين الدول الخمس، بحسب اجتماع باريس في 6 فبراير/شباط الماضي.
ووسط هذه الفوضى السياسية، بدأت مجموعة من الاتصالات عالية المستوى بين أطراف العملية السياسية المحليين والإقليميين والدوليين.
مكالمة بن سلمان وماكرون
كشف مصدر دبلوماسي عربي رفيع لـ"عربي بوست" أن المكالمة الهاتفية بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخصوص الملف اللبناني، لم تتمكن من تحقيق أي خرق في الموقف السعودي الراسخ حيال رفض وصول سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة، على اعتبار أن وصوله يشكل غلبة لطرف على آخر، ولا يحقق التوازن الداخلي.
وتشير المعلومات إلى أن بن سلمان رفض الدخول في هذه التفاصيل، مشدداً على أن المسؤولين في بلاده المتابعين للملف اللبناني وضعوا خطوطاً عريضة وفق معايير واضحة لشكل الرئيس في لبنان بالتنسيق مع الولايات المتحدة ودولة قطر.
ورغم إصرار الرئيس الفرنسي، أكد بن سلمان لماكرون على تفويض الملف اللبناني لفريق العمل الموكل، والذي يضم المستشار نزار العالولا والسفير وليد البخاري، وهو فريق يتابع القضية اللبنانية مع الفرنسيين وغيرهم من الأطراف الإقليمية الأخرى.
وأشار المصدر لـ"عربي بوست" إلى أن ماكرون طلب من الأمير محمد بن سلمان التدخّل مع الفريق الموكل بالملف اللبناني وقف تشدده بملف الرئاسة والقبول بالصيغ التوافقية، والمطالبة باجتماع ثنائي فرنسي – سعودي، فكان الجواب أن الاجتماعات تعود بعد شهر رمضان.
استدعاء فرنجية
في هذا الإطار، كانت لافتةً الدعوة التي وجهت لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية لزيارة العاصمة الفرنسية باريس، ولقاء المستشار في الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل، وهو الذي يعمل على متابعة الملف اللبناني.
جاءت زيارة فرنجية بعد اتصال تلقاه من دوريل، لتطرح تساؤلات عديدة حول سبب هذه الدعوة، وإذا ما كانت تشير إلى حصول تطور على صعيد مسألة ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، أم إذا كانت باريس تريد البحث مع فرنجية في الضمانات التي سيقدمها رئيس تيار المردة للسعودية والخليجيين.
يأتي هذا في إطار المسعى الذي يقوم به الفرنسيون لتمرير فكرة "المقايضة" بين فرنجية في رئاسة الجمهورية ونواف سلام في رئاسة الحكومة، أو ربما حتى إقناعه بتسوية رئاسية مختلفة قد تفرض انسحابه.
ومن هذا المنطلق، يعود المصدر الدبلوماسي العربي للتأكيد على أن هذه الزيارة هي محاولة أخيرة من قبل الفرنسيين للسماع عما قد يقدمه فرنجية من ضمانات متعلقة بالرئاسة.
وبحسب المعلومات، فإن الضمانات المنتظرة من فرنجية يمكن اختصارها، بتوقيع ورقة يندرج تحتها التوقيع المباشر مع برنامج صندوق النقد الدولي والبدء بمجموعة إصلاحات سريعة في قطاعات الكهرباء والاتصالات، وعدم تعيين أي مسؤول في المواقع الحساسة دون معايير يضعها مجلس الوزراء.
كما تضم الضمانات وقف تهريب المخدّرات إلى الخليج، وإغلاق معامل تصنيعها في البقاع، إضافة إلى طرح استراتيجية دفاعية تحصر قرار الحرب والسلم بمجلس الدفاع الأعلى بالتفاهم مع حزب الله، والعمل بشكل سريع مع الجانب الروسي لعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم بضمانات أمنية وإنسانية مباشرة من رئيس النظام السوري بشار الأسد.
ويشير المصدر إلى أن هذه الضمانات في حال لم تؤدّ إلى إقناع السعوديين، سيطلب ماكرون من فرنجية الانسحاب لصالح مرشح آخر سيجري الاتفاق عليه مع الأطراف الداخلية والخارجية.
جولة البخاري ولقاءات أزعور
بالتوازي، أتت جولة السفير السعودي وليد البخاري، والتي شملت أحزاب القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، حيث ناقش مع قيادات الأحزاب الثلاثة الملف الرئاسي، وتحديداً مزج اسمي قائد الجيش جوزف عون والوزير السابق ومدير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور.
وتشير المعلومات إلى أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل أكدا للبخاري ميلهما لأزعور، كونه الأقدر حتى اللحظة على جذب أصوات الكتل الأخرى، وتحديداً التيار الوطني الحر والنواب السنّة.
فيما اعترض رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على خيار أزعور لعلاقته برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
وكشف مصدر مقرب من حزب الله لـ"عربي بوست" أن الوزير السابق جهاد أزعور كان قد التقى في ثلاث مرات رئيس كتلة حزب الله النائب محمد رعد، ونائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم، مقدّماً مجموعة من التفاهمات والضمانات، على رأسها عدم المسّ بسلاح الحزب وطرحه على طاولة النقاش.
وأكد أزعور للحزب أنه سيتفرغ للمعالجات الاقتصادية والاجتماعية والتفاوض مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وبحسب المعلومات، فإن الحزب شدد لأزعور أنه يتبنى خيار فرنجية مادام لايزال مرشحاً ولم ينسحب من السباق الرئاسي.
زيارة موفد قطري
وينتظر لبنان وصول وزير الدولة للشؤون الخارجية محمد عبد العزيز الخليفي. وبحسب المعلومات فإن الخليفي الذي زار طهران منذ أيام والتقى وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، وناقش معهما الملف الرئاسي في لبنان وسبل الوصول لحل للأزمة السياسية.
وتشير المعلومات إلى أن الخليفي الذي سيزور لبنان مطلع الأسبوع القادم سيلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بالإضافة للقاء مختلف الكتل البرلمانية والقوى السياسية.
ويؤكد وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين أن زيارة الخليفي من شأنها أن تسهم في تحريك الملف الرئاسي بعد المراوحة الحالية، ويعطي دفعاً للداخل في ظل تفاقم مؤشرات الانهيار وتحذيرات صندوق النقد من مغبة الاستمرار في الوضع الراهن من دون معالجات جدية.
في المقابل فإن الجميع في لبنان ينتظر آثار كل الحراك الدولي والإقليمي باتجاه لبنان، والمحاولات الفرنسية المستجدة ومصير الضمانات التي سيقدّمها فرنجية، وموقف حزب الله المرتبط بموقف فرنجية بعد زيارته الفرنسية، على أن يسبق محاولة باريس الأخيرة مع الرياض تقديمُ تعهّد من فرنجية بأنّه في حال فشل المحاولة ينسحب ويسهّل وصول رئيس آخر للجمهورية.