علم "عربي بوست"، من مصادر سياسية ودينية في إيران، أن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، يفكر في إقالة والد زوجة الرئيس إبراهيم رئيسي، وهو رجل دين بارز ومؤثر يدعى أحمد علم الهدى، وذلك بهدف تهدئة الشارع الإيراني، لا سيما بسبب "خطبه المتشددة"، التي حرضت على غير المحجبات.
علم الهدى يشغل حالياً ممثلاً لخامنئي في صلاة الجمعة بمدينة مشهد، إحدى أهم وأكبر المدن الإيرانية الدينية.
لكن ما الذي يدفع خامنئي للتفكير في إقالة علم الهدى الذي يتمتع بمكانة كبيرة في مدينة مشهد، والمقرب أيضاً من الدائرة المحيطة بالمرشد الإيراني؟ وما علاقة محاولة إقالته بتساهل السلطات الإيرانية مؤخراً بعدم التزام النساء الإيرانيات بالحجاب بشكل كامل؟
الحرس الثوري "قلق" من علم الهدى
بعد الاحتجاجات واسعة النطاق التي شهدتها إيران منذ سبتمبر/أيلول 2022، عقب مقتل الشابة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً، بعد إيقافها 3 أيام من شرطة الأخلاق بدعوى "لباسها غير المحتشم"، حاولت المؤسسة السياسية في إيران، بعد قمعها للاحتجاجات، إظهار بعض التساهل في مسألة الحجاب الإلزامي المفروض على النساء الإيرانيات منذ عام 1981.
قبل نهاية عام 2022، صرح المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، أنه تم تجميد دوريات الإرشاد، ومنذ ذلك الوقت يقول إيرانيون إنهم يشهدون تساهلاً في إنفاذ قانون الحجاب الإلزامي في إيران، حيث تنشر باستمرار صوراً لنساء وفتيات بدون حجاب في الشوارع والأماكن العامة. بالاضافة إلى اختفاء دوريات الإرشاد (شرطة الأخلاق) من الشوارع.
هذا الأمر لم يعجب المتشددين من رجال الدين والمسؤولين في إيران، من بينهم علم الهدى، ممثل المرشد الأعلى في مدينة مشهد الدينية المهمة، لينتقد الأوضاع الأخيرة فيما يخص الحجاب.
بمتابعة خطب علم الهدى، في صلوات الجمعة، كان فيها استنكار كبير منه تجاه النساء اللواتي يسرن في الشوارع بدون حجاب، ليقول في إحدى خطبه: "إن السلطات في طهران متخاذلة، بشأن تطبيق قانون الحجاب الإلزامي، وعلى المسلمين أن يطبقوا التقيد به بأيديهم".
في خطبة أخرى، هتف المصلون خلال خطبته: "الموت لغير المحجبات". في عمل نادر الحدوث في إيران.
خطب وتصريحات علم الهدى النارية، والمناهضة للسلطات وغير المحجبات، تأتي مع تصاعد خطاب المتشددين في إيران على إثر الاحتجاجات، لا سيما حوادث تسميم الطالبات في المدارس التي حدثت في الآونة الأخيرة، وكان يقف وراءها أشخاص متشددون دينياً.
وصرحت مصادر أمنية لـ"عربي بوست"، في تقرير سابق، أنه تم القبض على بعض المتهمين وأنهم يتبعون جماعة متطرفة دينية، أثارت قلق بعض قادة الحرس الثوري، خاصة الداعين منهم لإجراء بعض الإصلاحات لاحتواء غضب الشارع.
في هذا السياق، قال مصدر أمني إيراني رفيع المستوى في حديثه لـ"عربي بوست"، دون الرغبة في الكشف عن هويته، نظراً لحساسية الموضوع: "من خلال التقارير الأمنية الدورية التي يتم تقديمها لقادة الحرس الثوري، أثارت تصريحات علم الهدى استياءهم، ووجد البعض منهم أنها تحرِّض على العنف والتطرف داخل المجتمع الإيراني والديني، وهذا لم يتم قبوله".
بحسب المصدر ذاته، فإن القلق المتنامي لدى قادة الحرس الثوري وخاصة في مدينة مشهد من تصريحات وخطب رجل الدين المتشدد والمؤثر، علم الهدى، وصل إلى حد إبلاغ المرشد الأعلى للبلاد بهذا القلق.
هل يقيل خامنئي "علم الهدى"؟
"أيها الإخوة والأخوات، الأمر متروك لكم جميعاً للتصدى لهذه القضية"، كانت هذه الكلمات من آخر خطبة جمعة لعلم الهدى، معلناً أسفه لأن الأجهزة الأمنية والسلطات المركزية في العاصمة الإيرانية طهران، "متقاعسة" عن تطبيق قانون الحجاب الإلزامي، وفق تعبيره.
وصلت تصريحات وخطب علم الهدى من مدينة مشهد إلى مكتب المرشد الأعلى في طهران، وتواصل "عربي بوست" مع مصدر مقرب من مكتب خامنئي ليعلق على الأمر، فقال دون الرغبة في ذكر اسمه: "بالتأكيد السيد خامنئي على علم بتصريحات علم الهدى الأخير".
أضاف: "بالطبع وصلته رسائل القلق من قادة الحرس الثوري، وأستطيع القول إنه يدرس الأمر بعناية شديدة في هذه الأيام".
في السياق ذاته، في حديثه لـ"عربي بوست"، قال رجل دين مقرب من دوائر صنع القرار في طهران لـ"عربي بوست": "أعلم جيداً أن المرشد الأعلى يعرف حجم الضرر الناتج عن تصريحات علم الهدى وأمثاله من المتشددين، خاصة في هذا التوقيت، لأن تصريحاتهم تضر بسمعة البلاد بأكملها".
وقال: "عندما تتعارض هذه التصريحات مع قرارات المؤسسة السياسية، سيكون بالتأكيد هنا إجراء قوي".
عند سؤال المصدر ذاته حول إمكانية قيام خامنئي بإقالة رجل دين كبير ومؤثر مثل علم الهدى، أجاب قائلاً: "لا أنكر أن أمر إقالة علم الهدى تردد داخل مكتب المرشد الأعلى في الآونة الأخيرة كثيراً، وهذا الأمر لم يكن مطروحا من قبل، لكن هل ستتم إقالته بالفعل أو لا، في اعتقادي أن الأمر صعب في الوقت الحالي".
لكن رجل دين إيراني ثانياً، رفيع المستوى، ويعمل لدى المؤسسة السياسية، عارض فكرة استبعاد إقالة علم الهدى، قائلاً لـ"عربي بوست"، دون الرغبة في الكشف عن هويته: "الجميع يلاحظ التغييرات الإيجابية في نهج المؤسسة السياسية سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي، بالتحديد فيما يخص مسألة تطبيق قانون الحجاب الإلزامي، وهذا يعني أن هناك نية جديدة لدى القيادة الإيرانية في تهدئة الأوضاع، في حين أن علم الهدى ومؤيديه من الممكن أن يكونوا عقبة في تنفيذ هذه التغييرات الإيجابية".
وأضاف أيضاً أن "التكهنات داخل مؤسسة القيادة بإقالة علم الهدى كبيرة، وآخذة في التزايد، وأعتقد تنفيذ إقالته ليس بالأمر الصعب على المرشد الأعلى".
بينما لم يرغب المصدر المقرب من مكتب خامنئي، نفي أو تأكيد التكهنات بإقالة رجل الدين المتشدد، علم الهدى، قائلاً لـ"عربي بوست": "القيادة منفتحة على جميع الآراء، سواء المتشددة أو الإصلاحية. المسألة الآن تنحصر في دراسة إيجابيات وسلبيات قرار مثل إقالة علم الهدى".
لكن على ما يبدو، أن هناك حالة من التردد بخصوص حسم أمر إقالة علم الهدى من عدمه، عبّر عنها المصدر المقرب من مكتب خامنئي، قائلاً لـ"عربي بوست": "هناك بعض الحيرة من اتخاذ قرار نهائي في هذا الأمر. الأيام القادمة قادرة على حسم هذا التردد".
رسالة إلى رئيسي
بالعودة إلى مسألة إقالة علم الهدى، يقول رجل الدين الإيراني من مدينة مشهد، لـ"عربي بوست": "هناك انقسام حاد بين الدوائر المتشددة في إيران، خاصة بعد الاضطرابات الأخيرة، وضعف حكومة إبراهيم رئيسي، وهم الداعمون الأساسيون لها، وعلم الهدى واحد من منهم، لذلك من الممكن أن تكون إقالته رسالة لتهديد نفوذهم".
لكن المصدر ذاته قال: "هذا لا يعني أنه من الصعب التخلي عن علم الهدى وإقالته من منصبه، لكن في الوقت ذاته لا بد أن تدرك القيادة العليا في طهران أن للأمر تبعات عليها احتواؤها، لعدم فقدان أهم داعميها من المعسكر المتشدد، وإثارة الانقسامات أكثر".
من هو أحمد علم الهدى؟
أصبح أحمد علم الهدى ممثل المرشد الأعلى الإيراني في العتبة الرضوية في عام 2016، وهي المؤسسة التي تقوم بالإشراف على ضريح الإمام علي بن موسى الرضا، الإمام الثامن لدى الشيعة الاثني عشرية، وهو من كبار رجال الدين الشيعة في مدينة مشهد الإيرانية.
عُرف عن علم الهدى تشدده وتصريحاته المناهضة للإصلاح في إيران، خاصة في عهد الرئيس السابق الإصلاحي محمد خاتمي (1997: 2005).
بالرغم من كونه لم يلعب أي دور في الثورة الإيرانية عام 1979، إلا أنه استطاع التقرب من المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، وهو والد زوجة الرئيس الحالي، إبراهيم رئيسي، وسبق أن كان عضوا في مجلس خبراء القيادة.
يقول رجل دين بارز في مدينة مشهد الإيرانية، وعلى علم بتاريخ علم الهدى، لـ"عربي بوست": "استطاع علم الهدى من خلال تبنيه وتأييده لكل آراء المؤسسة السياسية تحت قيادة خامنئي، الوصول إلى أعلى المناصب، والتقرب من الدوائر المؤثرة في النظام، بالرغم من عدم امتلاكه لأي تاريخ ثوري قبل الثورة".
ازدادت قوة ونفوذ علم الهدى في مدينة مشهد لدرجة كبيرة، بالتحديد بدءاً من عام 2016، فكان البعض يعتبره هو الحاكم الفعلي للمدينة، بعد عدد كبير من السنوات من منعه لإقامة أي مناسبات فنية أو حفلات موسيقية في المدينة الدينية، وظل لسنوات يتصدر عناوين الصحف المحلية في إيران، بحسب المصدر ذاته.
تناول "عربي بوست" في تقارير سابقة كذلك، كيف ألغيت الحفلات الموسيقي والمناسبات الفنية في مدينة مشهد الإيرانية، قبل إقامتها بدقائق قليلة، بتحريض من علم الهدى.
يقول رجل دين بارز في مدينة مشهد في حديثه لـ"عربي بوست": "علم الهدى كان أقوى من الشرطة في مدينة مشهد، وكانت السلطات والمؤسسات المختصة تعطي للمناسبات والحفلات الفنية تصاريح لإقامتها، وفي غضون دقائق معدودة، يقوم علم الهدى بإلغائها، إنه صاحب اليد العليا في مدينة مشهد".
أشار المصدر السابق إلى أن طموح علم الهدى يتخطى السيطرة على مدينة مشهد، قائلاً: "يردد البعض أن علم الهدى يرغب في منصب القيادة بعد وفاة خامنئي، لكن في اعتقادي، أنه يُدرك صعوبة تحقيق هذا الحلم".
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة.
نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”