شارك مئات اللبنانيين، الأربعاء 22 مارس/آذار 2023، غالبيتهم عسكريون متقاعدون، في تظاهرة بوسط بيروت؛ احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية، قبل أن تفرقهم القوى الأمنية بإطلاق الغاز المسيل للدموع إثر محاولتهم اقتحام مبنى البرلمان.
وأعاد هذا التحرك إلى الأذهان التظاهرات غير المسبوقة التي شهدها لبنان في خريف 2019؛ احتجاجاً على بدء تدهور الأوضاع الاقتصادية والمطالبة برحيل الطبقة السياسية التي لا تزال تمسك حتى اليوم بزمام الأمور من دون أن تقدم أي حلول.
تجمّع المتظاهرون في ساحة رياض الصلح بوسط بيروت، مقابل السراي الحكومي. ورفع بعضهم الأعلام اللبنانية مرددين هتافات مناهضة للسلطة. وحمل أحد المتظاهرين بينما ارتدى زياً عسكرياً، لافتة كُتب عليها "نناشد المجتمع العربي والدولي أن يخلصونا من الطبقة الحاكمة الفاسدة"، ممهورة بتوقيع "متقاعدي الجيش اللبناني".
تخلل التظاهرة، التي استمرت ساعات قليلة، عمليات كر وفر بعد إطلاق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين من أجل تفريقهم، بعد تمكن مجموعة منهم من إزالة الأسلاك الشائكة والتقدّم باتجاه حرم السراي الحكومي، حسبما أفاد مراسلو وكالة فرانس برس في المكان.
وأصيب متظاهر بجروح في رأسه خلال إطلاق القنابل المسيلة للدموع، وعنصر من الجيش جراء رشق المتظاهرين للحجارة، وفق ما شاهد مراسلو فرانس برس.
فيما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان بوجود حالات إغماء في صفوف المتظاهرين، كما أكدت أن عناصر من الجيش فصلوا بين المتظاهرين والقوى الأمنية، لاحتواء التوتر بعد إطلاق القنابل المسيلة للدموع بكثافة.
وقالت النقيب المتقاعد منذ عامين أمل حمود (53 عاماً)، على هامش مشاركتها في التظاهرة: "خرجنا من المؤسسة العسكرية؛ على أمل أن نعيش برفاهية ونعلّم أولادنا (…) لكنهم حجزوا أموالنا في المصارف حتى بتنا نتسولها".
وأضافت: "الشعب يريد أبسط حقوقه ولقمة عيشه، لكنهم يضربونه بالقنابل المسيلة للدموع".
وقال العميد المتقاعد خالد نعوس (70 عاماً)، لـ"فرانس برس": "كان راتبي نحو أربعة آلاف دولار قبل الأزمة، وهو يعادل 150 دولاراً اليوم".
وأضاف: "نشعر بالذل بينما نحاول أن نعيش حياة كريمة، لأننا غير قادرين على تأمين مستلزمات منزلنا… بلغنا مرحلة اليأس، إذ أخذت المصارف تعويضات تقاعدنا ولم تبق لنا رواتب، ولهذا ننزل اليوم إلى الشارع".
تدهور مستمر
ويشهد لبنان منذ صيف 2019، أزمة اقتصادية صنّفها البنك الدولي بين الأسوأ منذ العام 1850، وتُعتبر الأسوأ في تاريخ لبنان. ويتزامن ذلك مع أزمة سيولة حادة وقيود مصرفية مشددة، لم يعد بإمكان المودعين معها الوصول إلى مدّخراتهم العالقة.
سجّلت الليرة، الثلاثاء، انهياراً تاريخياً مع تجاوز سعر الصرف عتبة 140 ألفاً مقابل الدولار، ما تسبّب بارتفاع أسعار السلع كافة، خصوصاً المحروقات والسلع والمواد الغذائية التي باتت تسعّر بالدولار بعد رفع الدعم عنها. وتوقّفت محطات بنزين عدّة عن بيع المحروقات.
وانخفض سعر الصرف، الأربعاء، إلى قرابة 110 آلاف مقابل الدولار، غداة إصدار مصرف لبنان تعميماً للحد من انهيار الليرة التي خسرت قرابة 98% من قيمتها.
يزيد الشلل السياسي الوضع سوءاً، في ظل فراغ رئاسي منذ أشهر، تدير خلاله البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزف.
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، فشل البرلمان اللبناني 11 مرة في انتخاب رئيس جراء انقسامات سياسية عميقة.
والتقى وفد من العسكريين المتقاعدين، في وقت لاحق، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لعرض مطالبهم، حسبما أوردت الوكالة الوطنية.
وقال متظاهر عرّف عن نفسه باسم حاتم (73 عاماً)، وهو أستاذ متقاعد من التعليم الثانوي د، لـ"فرانس برس": "أقبض راتبي بالليرة، وكل من ينالون رواتبهم بالليرة انهارت معيشتهم ولم يعد بإمكانهم توفير الحد الأدنى" من احتياجاتهم.
وأضاف: "كيف أعيش؟ يعادل راتبي مئة دولار بينما فاتورة المولّد مئة دولار!"، في إشارة إلى المولدات الخاصة التي تغطي ساعات انقطاع الكهرباء طوال اليوم وتطلب من الزبائن الدفع بالدولار أو وفق سعر صرف السوق السوداء.
وتابع حاتم: "بتّ مضطراً إلى أن أكون نباتياً باعتباري غير قادر على شراء اللحمة أو قارورة الغاز"، موضحاً أنه يتنقل منذ أسابيع سيراً على الأقدام في بيروت؛ لعجزه عن توفير الوقود لسيارته.