أكد مصدر سوري دبلوماسي لـ"عربي بوست"، أن "الاجتماع الرباعي" الذي كان من المزمع أن تستضيفه موسكو للحوار بين تركيا والنظام السوري جرى تأجيله إلى أجل غير مسمى، مؤكداً تعثر المرحلة الثانية من المحادثات بين الجانبين قبل أن تبدأ، والتي ترعاها روسيا وتشارك فيها إيران.
ربط المصدر بين الأسباب المعلنة عن تأجيل اللقاء، والانتخابات التركية التي ستجري بعد نحو شهرين من الآن، كاشفاً عن أن رئيس النظام السوري بشار الأسد "يماطل ببدء المرحلة الثانية من الحوار إلى حين معرفة نتائج الانتخابات في تركيا".
تأجيل اللقاء جاء بعد شروط أعلن عنها رئيس النظام السوري بشار الأسد، تلخصت بـ"وضع جدول أعمال واضح للجولة الثانية من الحوار"، على أن يتضمن شرط انسحاب القوات التركية بالكامل من الأراضي السورية.
وضع الأسد شروطه على طاولة موسكو، الأربعاء، 15 مارس/آذار 2023، قبيل يوم من بدء المحادثات مع أنقرة، خلال زيارته لروسيا.
اللقاء لو تم بالفعل، لكان الأول من نوعه على صعيد دبلوماسي رفيع منذ قطع العلاقات بين تركيا والنظام السوري ما بعد 2011، لا سيما أنه كان سيجري على مستوى نواب وزراء الخارجية، تمهيداً للقاءات أعلى تجهز الأرضية للقاء يجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد.
ملفات الحوار بالنسبة لتركيا
صحيفة "صباح" التركية ذكرت من جهتها، الخميس، 14 مارس/آذار 2023، أي قبيل موعد بدء الحوار الذي جرى تأجيله لاحقا، أن أنقرة كانت ستطرح في الاجتماع "زيادة التعاون في مكافحة الإرهاب، ومواصلة محادثات اللجنة الدستورية".
وأشارت إلى أن نائب وزير الخارجية التركي كان سيركز في الحوار أيضاً على موضوع "تسهيل العودة الطوعية والمشرّفة للاجئين".
أضافت الصحيفة أن نائب وزير الخارجية براق أق تشابار، كان قد وصل بالفعل إلى موسكو حينها، من أجل حضور الاجتماع الرباعي، قبل تأجيل الحوار "لأسباب فنية".
"فترة استراحة"
لم تعلق أنقرة رسمياً على تأجيل الحوار ولم توجه انتقادات علنية لدمشق بسبب ذلك، والأمر ذاته بالنسبة لموسكو المستضيفة، التي كان موقفها الرسمي هو الاكتفاء بالصمت.
لكن صحيفة "فيدوموستي" الروسية، شددت على أن الجانبين، التركي والسوري، لم يتراجعا عن مسار الحوار، مفضلة وصف ما حصل بأن "عملية بناء الحوار دخلت في الوقت الحالي في فترة استراحة".
نقلت كذلك عن عمر جادجييف، الباحث في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قوله إن "أنقرة ودمشق لم تتخليا عن خطط تطبيع العلاقات، لكنهما قطعا فترة راحة".
عن فترة الراحة هذه، كشف المصدر السوري لـ"عربي بوست"، أن "دمشق تسببت بتأجيل الحوار للمرة الثانية، وكانت الأولى بحجة مشاركة إيران في المحادثات التي كانت ستجري بشكل ثلاثي بين تركيا والنظام السوري وروسيا فقط في شهر فبراير/شباط الماضي، إلا أنها مجدداً دفعت باتجاه تأجيل المحادثات، وهذه المرة بوضع شروط تعرف أن أنقرة سترفضها قبل البدء بأي حوار".
عن السبب وراء ذلك، أكد المصدر أن دمشق تحاول المماطلة بما يتعلق بالحوار مع أنقرة إلى ما بعد الانتخابات التركية التي ستجري في 14 مايو/أيار 2023.
السبب الآخر بحسب المصدر ذاته، رغبة الأسد بفرض وجود روسي مقابل انسحاب تركي من مناطق في الشمال السوري.
بهذا الصدد، كان الأسد قال من موسكو، إن "دمشق سترحب بأية مقترحات من روسيا لإقامة قواعد عسكرية جديدة، أو زيادة عدد قواتها في سوريا"، دون ربط مباشر بين ذلك ومطالبه بانسحاب القوات التركية.
الأمر ذاته علق عليه الباحث الروسي، بالقول إن عملية "التطبيع السياسي"، بين الجانبين متأثرة باقتراب موعد الانتخابات التركية، ولتطوير آليات جديدة للتفاعل".
كذلك قال أندريه زيلتين، كبير المحاضرين في المدرسة العليا للاقتصاد في روسيا، إن "الوقت الآن ليس مناسباً لأنقرة أو دمشق للتفكير في تطبيع العلاقات، فتركيا في خضم حمى انتخابية، وإذا فازت المعارضة التركية، التي لا تخفي توجهها نحو الغرب وحلف شمال الأطلسي، فإن شكل المحادثات مع الأسد سيتغير بشكل كبير".
متى يُستأنف الحوار؟
يتمسك الجانبان حتى الآن بموقفهما، إذ إن تركيا لا تتجاوب مع شروط مسبقة للحوار، في المقابل يشترط النظام السوري انسحاب القوات التركية بشكل كامل من شمال سوريا.
حول موعد جديد لاستئناف المفاوضات، أوردت صحيفة "جمهورييت"، أن "موعد اجتماع نواب وزراء الخارجية لم يعد واضحاً"، بعد شروط الأسد.
بالعودة للمصدر السوري، أكد أن الأولوية بالنسبة لدمشق في الحوار مع أنقرة هي خروج ما تسميها "القوات الأجنبية غير الشرعية من سوريا، وإنهاء أشكال الاحتلال الكاملة"، مؤكداً أن هذا يمثل شرطاً للنظام السوري لإنجاح الحوار ودفعه إلى أن يتناول العلاقات السياسية بين الجانبين.
عكس ذلك تصريح الأسد لقناة "روسيا اليوم"، الذي جاء فيه إن "الوفد التركي اقترح من أجل الاجتماع الرباعي، ألا يكون هناك جدول أعمال للقاء، وألا يكون هناك أي توقعات"، متسائلاً: "ما الهدف من اللقاء إذاً؟".
وأضاف: "نحن نصرّ إما أن يكون هناك جدول أعمال واضح، أو أن نقوم بالتأكيد على بند الانسحاب".
أما صحيفة "الوطن" شبه الرسمية، فقالت إن "الاجتماع لن يُعقد حتى تحصل دمشق على الضمانات، ومنها جدولة انسحاب القوات التركية من سورية".
وقال الأسد: "إذا تحقق شرط الانسحاب، قد يكون هناك لقاء اليوم أو ربما غداً، فالتوقيت ليس مشكلة، لكن اللقاء لن يكون قبل تحقق الشروط".
مسار الحوار
وكان الحوار بين تركيا والنظام السوري بدأ نتيجة للاتصالات التي أُجريت في يناير/كانون الثاني بين الجانبين، وأعلنا حينها بدء مسار دراسة فنية استعداداً لاجتماع وزراء خارجية أنقرة ودمشق في موسكو، ليكون الأول من نوعه منذ 2011 في حال إتمامه بالفعل.
تمثلت المرحلة الأولى من الحوار، بأول لقاء ثنائي رفيع المستوى بين أنقرة ودمشق منذ بداية الحرب في سوريا 2011، وكان بين وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ورئيس الاستخبارات حقان فيدان من جهة، ووزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس، ورئيس الاستخبارات حسام لوقا من جهة أخرى.
وجرى اللقاء حينها في موسكو، في 28 ديسمبر/كانون الأول 2022.
أما المرحلة الثانية، فجرى تأجيلها مجدداً الخميس، 16 مارس/آذار 2023، بعد تأجيل مشابه في فبراير/شباط 2023، إثر الزلزال المدمر الذي ضرب كلاً من سوريا وتركيا 16 من الشهر ذاته، إلى جانب رغبة طهران في المشاركة في الحوار.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة.
نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”