تترقب الساحة السياسية اللبنانية الآن تبعات الاتفاق السعودي الإيراني، الذي يمكن أن يشكل محوراً لتطورات كبيرة قادمة في البلاد، حيث القاعدة الرئيسية للوجود الإيراني على البحر المتوسط، عبر قوة ونفوذ "حزب الله" وحلفائه الآخرين في لبنان.
وتترقب الأطراف السياسية إمكانية أن يُسهم هذا الاتفاق في حل الأزمة السياسية القائمة، وتحديداً إمكانية الاتفاق على رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة، حتى وإن كان البعض يرى أن هذا الأمر قد يستغرق بعض الوقت لإتمامه.
مصادر خاصة لـ"عربي بوست" كشفت كواليس بعض التحركات الإيرانية والسعودية في لبنان المرتبطة بهذا الاتفاق، وما يمكن أن ينجم عنه من اتفاقات.
حزب الله وخلفيات الاتفاق
خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان وسوريا، وضع المسؤول الإيراني أمين عام حزب الله حسن نصر الله في تطورات الحوار الدائر بين إيران والسعودية، خاصةً بعد دخول الصين كطرف وسيط عقب القمم الصينية- العربية التي جرت في الرياض.
وبحسب مصدر مقرب من قيادة حزب الله، فإن زيارة عبد اللهيان الأخيرة، وما تبعها من زيارة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني، إلى بيروت، وضعتا الحزب في مجموعة تفاصيل، أبرزها أن الحوار مع السعودية جرى تفعيله برعاية صينية-روسية، وبدفع من بعض الدول الصديقة الأخرى.
كذلك فإن المسؤولين في إيران عرضوا على الحزب تطورات الحوارات القائمة بين النظام السوري مع الدول العربية، بهدف إعادة سوريا للجامعة العربية، وتفعيل حضورها السياسي والاقتصادي، من خلال حوار مع عدد من الدول الخليجية، لاسيما السعودية.
حوار سعودي مع الثنائي الشيعي؟
ومن هذا المنطلق، جرت في الأسابيع الماضية حوارات بعيدة عن الإعلام بين المستشار السياسي لرئيس البرلمان نبيه بري، الوزير السابق علي حسن خليل، وبين السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، لبحث الملف الرئاسي، والتي يتطلع فيه بري لدور سعودي ينهي الفراغ ويفتح الباب أمام حلول سياسية.
وأشار مصدر حكومي رفيع لـ"عربي بوست"، إلى أن حوار بري مع السفير بخاري، والذي تُرجم بزيارة الأخير لمقر بري يوم الإثنين، 13 مارس/آذار، هو حوار الثنائي أمل وحزب الله مع السعودية، "هذا الحوار هو تمهيد لحوار مرتقب بين الرياض وحزب الله في ملفات لبنان وسوريا والمنطقة"، بحسب المصدر.
وأشار المصدر إلى أن اللقاءات الجارية بين بري ومستشاره وبين سفير السعودية في لبنان يحمل أهدافاً متعددة، وهي محاولة تجاوز مسألة التوتر السنّي الشيعي في لبنان والعالم العربي، والدخول في مرحلة من مراحل التهدئة السياسية والميدانية.
زيارة بري إلى الرياض
بحسب المصدر فإن بري يستعد لإجراء زيارة للرياض، بهدف لقاء مسؤولين سعوديين ونقاش الملف الرئاسي، لاقتناعه مع حزب الله أن أي حل يهدف لانتشال لبنان من أزمته الاقتصادية بحاجة فعلياً لإقناع الدول الخليجية بالعودة لدعم لبنان، على غرار انعكاسات المصالحة التركية-السعودية.
وذكر أن بري وحزب الله نقلا خلال اليومين الماضيين عبر دبلوماسيين فرنسيين وعراقيين رسائل إيجابية إلى السعودية، عنوانها الفعلي جاهزية الأطراف المعرقلة للمسار السياسي للجلوس والتحاور والتوصل لتسوية سياسية تشجع الخارج على العودة للبنان.
كذلك فإن بري- وفق المصدر- كان قد تلمّس بعض المؤشرات الإيجابية حول الحوار السعودي الإيراني. ومن هذا المنطلق أعلن موقفه في حفل افتتاح المبنى الجديد للسفارة الإيرانية في بيروت، حينما شدد على تعويل لبنان على استعادة العلاقات الإيرانية السعودية.
وهو موقف ينطلق مما لدى برّي من معلومات متقاطعة حيال التقارب بين طهران والرياض.
ترشيح سليمان فرنجية
هذه الوقائع هي التي دفعت رئيس مجلس النواب وأمين عام حزب الله للخروج في إعلان ترشيح سليمان فرنجية، على قاعدة أن ترشيح فرنجية جاء قبل إبرام الاتفاق في بكين، في محاولة لفتح مسار سياسي جديد، يقوم على ضرورة التوافق بين الأطراف المحلية على مرشح رئاسي.
واستكمل بموقف وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أمس، حين دعا للاعتماد على التوافقات اللبنانية، في إشارة لعدم وجود ربط في كل الملفات.
احتمالات وخيارات حزب الله
في هذا الإطار يوضح مصدر حكومي لبناني مطلع، أن الاحتمالات أمام حزب الله وحلفائه ومرشحه باتت أضيق بعد الاتفاق.
فخطوة ترشيح سليمان فرنجية قائمة على أن الترشيح استبق الاتفاق، وبالتالي لا بد من التفاوض على هذا الأساس، للوصول إلى توافق داخلي، أو بنتيجة انعكاسات الاتفاق وتداعياته، التي تحتاج إلى مزيد من النضج.
فيما يعتقد المصدر أن تكون خطوة ترشيح حليف حزب الله "الأسد" مبنية على محاولة تكريس واقع سياسي، يفرض على القوى مبدأ المقايضة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.
لكن يمكن أن يتغير هذا بفعل هذه التطورات الكبرى، خاصة أن وزير الخارجية السعودي أعلن اليوم أن الاتفاق لا يعني التوافق على كل الملفات المشتركة.
وهذا الاحتمال سيشكل مزيداً من الإحراج لفرنجية، في ظل وجود رفض مسيحي عارم له، كذلك رفض المعارضة والسنة ووليد جنبلاط انتخابه، والحديث عن عرقلة وتعطيل أي جلسة قد يرتبها الحزب لإيصال فرنجية في سياسة الأمر الواقع، خاصة أن في حزب الله أصواتاً تشير إلى الدفع بانتخاب فرنجية كأمر واقع على الأطراف الداخلية والمحلية والتعامل معه.
إشارات خارجية ترفض فرنجية
واستتباعاً لهذه المواقف يصر مصدر دبلوماسي عربي، في حديثه لـ"عربي بوست"، على أن الموقف السعودي والعربي والأمريكي الرافض لفرنجية يتطابق مع نظرة مشتركة للفاتيكان، ومن خلفه البطريركية المارونية في لبنان.
هذا سيفرض على حزب الله مقاربة أخرى لكيفية إنجاز الاستحقاق، خصوصاً في حال استمر الضغط المسيحي في مواجهة فرنجية، واستمر موقف البطريركية المارونية وباقي القوى المعارضة على حاله.
وفي هذا الاطار، يكشف المصدر لـ"عربي بوست" عن انعقاد اجتماع في الرياض منذ يومين، ضمَّ الخلية الخماسية الدولية المرتبطة بلبنان، وتضم عن السعودية المستشار في الديوان الملكي نزار العالولا، وعن الولايات المتحدة مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، وعن فرنسا مستشار الرئيس لشؤون الشرق الأوسط باتريك دوريل، وعن دولة قطر مساعد وزير الخارجية لملفات الشرق الأوسط محمد عبد العزيز الخليفي، وكذلك هناك ممثل عن مصر.
وأشار المصدر إلى أن حالةً من التكتم تلفّ مخرجات الاجتماع، إلا أن ما تسرّب عنه هو التأكيد على ضرورة دعم الاستقرار الأمني، عبر استمرار الدول المشاركة بدعم الجيش، في ظل المخاطر الكبرى التي تضرب الواقعين الاقتصادي والمعيشي، واستمرار تدهور العملة المحلية.
وبحسب المصدر فإن الحاضرين أكدوا دعمهم للطرح السعودي القائل إن لعودة سياسة الدعم للبنان اقتصادياً، مجموعة شروط لا بد من تحقيقها، عبر الدخول ببرامج صندوق النقد الدولي، أسوة بكل الدول التي تعرضت لانهيارات اقتصادية، ووصولاً إلى انتخاب رئيس وحكومة لبنانية خارج إطار القوى التقليدية المسؤولة عن الأزمة، بمن فيهم فرنجية.
كل تلك المؤشرات بحسب المصدر تدل على شيء واحد، وهو عدم شمول الاتفاق بين السعودية وإيران الملف اللبناني بشكل واضح، يظهر بالمواقف المتتالية للأطراف اللبنانية الحليفة للمملكة.