قام رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، بثلاث زيارات إلى العاصمة الإيرانية طهران، منذ شهر فبراير/شباط 2023، وكانت الأخيرة في بداية مارس/آذار، ما يثير تساؤلات عن أسباب تكرار هذه الزيارات، لا سيما أنه لم يعد في منصبه رئيساً للحكومة، وفي وقت يتعرض فيه لهجوم من الإطار التنسيقي المقرب من إيران، ورد فعل "غاضب" من رئيس الحكومة الحالي محمد السوداني.
الهجوم الذي يتعرض له الكاظمي، يتمثل بمذكرات اعتقال صدرت من المحكمة الاتحادية العليا العراقية، بحق عدد من مستشاريه وأعضاء مكتبه، لاتهامهم في قضية عُرفت في وسائل الإعلام المحلية العراقية باسم "سرقة القرن".
المذكرات القضائية تمثل أكبر قضية فساد تم الكشف عنها في العراق، من خلال سرقة 2.5 مليار دولار أمريكي من مصرف حكومي عراقي، أثناء ولاية الكاظمي.
زيارة الكاظمي الأخيرة إلى إيران، وصدور مذكرات اعتقال بحق مسؤوليه السابقين في العراق، يتزامنان معاً، الأمر الذي أثار تكهنات بوجود علاقة بين الحدثين، وهو ما يحاول "عربي بوست" تقديم إجابة عليه في هذا التقرير.
"التفاوض مع الخصوم"
خلال زياراته الثلاث، التقى رئيس الوزراء العراقي السابق بعدد كبير من المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، وانتشرت أنباء في وسائل الإعلام تقول إن الكاظمي في إيران من أجل الإدلاء بشهادته، بخصوص اغتيال الولايات المتحدة للقائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، ونائب قائد الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، في يناير/كانون الثاني 2020.
كان الكاظمي كذلك يترأس جهاز المخابرات العراقية الوطنية في الوقت الذي قامت فيه إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، باغتيال سليماني والمهندس، بالقرب من مطار بغداد الدولي، من خلال ضربة بطائرة من دون طيار.
لكن هذه التكهنات السابق ذكرها "لا أساس لها من الصحة"، بحسب الدبلوماسي الإيراني الذي كان حاضراً لاجتماعات الكاظمي مع المسؤولين الإيرانيين في طهران، والذي تحدث لـ"عربي بوست".
وقال: "هذه شائعات غير صحيحة، توجد لجنة تحقيق إيرانية عراقية مشتركة، بخصوص اغتيال سليماني والمهندس، ولكن ليس هذا سبب زيارة الكاظمي لإيران".
أوضح المصدر الدبلوماسي الإيراني أن "الكاظمي جاء إلى طهران بدعوة إيرانية مسبقة، بعد أن أبدى رغبته في التحدث مع المسؤولين الإيرانيين فيما يخص ملف التفاوض مع الرياض".
هذا الدور سبق للكاظمي أن قام به خلال رئاسته للحكومة في العراق، حيث استضاف وأشرف على 5 جولات من الحوار بين إيران والسعودية، منذ عام 2021، لإنهاء حالة القطيعة الدبلوماسية والسياسية بينهما التي أعلنت عنها الرياض في يناير/كانون الثاني 2016، بعد اقتحام عدد من الإيرانيين لمنشآتها الدبلوماسية في طهران، احتجاجاً على إعدام السلطات السعودية رجل الدين الشيعي السعودي المعارض نمر النمر.
لكن توقفت جولات الحوار الإيراني السعودي، التي استضافها الكاظمي في قاعة بمطار بغداد الدولي، بتركه منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وإلى الآن لم يستطع الجانبان الإيراني والسعودي مواصلة استئناف الحوار، لا سيما في عهد رئيسي الذي يعد من التيار المحافظ المتشدد في إيران.
أخبر الكاظمي المسؤولين الإيرانيين خلال إحدى زياراته، بأنه مستعد لمواصلة وساطته لاستئناف الحوار السعودي الإيراني، في أي وقت، بحسب مسؤول حكومي إيراني مقرب من الرئيس الإيراني.
وقال المصدر الخاص لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، لأنه غير مخول له التحدث لوسائل الإعلام، إن "الكاظمي يتمتع بعلاقات طيبة مع الرياض، خاصة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفي حقيقة الأمر لا تنكر طهران دوره الكبير في تسهيل الحوار بين البلدين".
لفت كذلك إلى أن القيادة الإيرانية رحبت برغبة الكاظمي بالقيام بجهد يؤدي إلى استئناف الحوار السعودي الإيراني بإشرافه من جديد.
رئيس الوزراء العراقي السابق، يسعى أيضاً إلى "تأمين حوار آخر بين إيران وعدد من الأطراف الدولية والإقليمية"، بحسب مصدر مقرب من الكاظمي، الذي أوضح لـ"عربي بوست"، أن الأخير "من خلال علاقاته الجيدة مع الولايات المتحدة والدول الإقليمية، لديه قدرة على التوسط لإقامة حوار إيراني مع الولايات المتحدة والدول العربية".
أكد المصدر أن هذا العرض قدّمه الكاظمي مباشرة إلى المسؤولين الإيرانيين الذين رحبوا بالأمر.
بحسب الدبلوماسي الإيراني الذي كان حاضراً لاجتماعات الكاظمي مع المسؤولين الإيرانيين، في العاصمة طهران، فإن الاقتراح الذي أشار إليه المصدر السابق، نال بشكل مبدئي، موافقة من المسؤولين الإيرانيين.
أوضح المصدر ذاته لـ"عربي بوست" أن "الكاظمي اقترح في اجتماعاته مع رئيسي، وعبد اللهيان، تسهيل حوار أيضاً بين إيران ومصر، وإيران والأردن، بالإضافة إلى اقتراحه إمكانية نقل الرسائل بين طهران وواشنطن فيما يخص مسألة استئناف المفاوضات النووية".
الكاظمي وقضية الفساد
لكن زيارات الكاظمي المتكررة لطهران، وبالأخص الأخيرة في بداية شهر مارس/آذار 2023، لم تكن فقط لعرض مساعدات وقدرات رئيس الوزراء العراقي السابق، للوساطة وتسهيل الحوار بين إيران وأطراف أخرى، وإنما حملت مطلباً شخصياً ومهماً.
في هذا الصدد، يقول مصدر أمني إيراني، كان حاضراً لاجتماعات الكاظمي مع مسؤولي وزارة المخابرات الإيرانية التي تُدير الملف العراقي في طهران، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، نظراً لحساسية الموضوع: "يتعرض الكاظمي لهجوم كبير في بغداد، بعد الحديث عن تورط أعضاء من مكتبه في قضية فساد، في حين أخبر الكاظمي المسؤولين الإيرانيين أنه تلقى تهديدات من بعض خصومه السياسيين، طالباً الدعم من طهران".
بحسب المصدر، فإن التهديدات التي تعرض لها الكاظمي، تبدو خطيرة، لا سيما أنه ناقش مع المسؤولين الإيرانيين، مسألة إقامته في العاصمة العراقية بغداد، "لكن الإيرانيين حاولوا طمأنته فيما يخص هذه المسألة".
في السياق ذاته، أشار المصدر المقرب من الكاظمي، إلى إقامته الأخيرة في إمارة دبي تجنباً للتهديدات التي يقول إنه تلقاها، لكن لم يتمكن فريق "عربي بوست" من التحقق من مسألة إقامة الكاظمي في دبي، بشكل مستقل.
زيارات الكاظمي وغضب السوداني
رئيس الحكومة الحالي، محمد شياع السوداني، الذي تولى منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وصل إلى منصبه بدعم من الإطار التنسيقي الشيعي المقرب من إيران.
خلال الأيام القليلة الماضية، وبعد آخر زيارة للكاظمي لطهران، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا العراقية، مذكرات اعتقال وتوقيف بحق عدد من المقربين من الكاظمي لتورطهم في قضية الفساد الكبرى، وهم: وزير المالية السابق في عهد الكاظمي، علي علاوي، والرئيس السابق لجهاز المخابرات العراقية الوطنية، رائد جوحي، وسكرتير مكتب الكاظمي أحمد نجاتي، والمستشار السياسي مشرق عباس.
تقارير إعلامية ربطت بين زيارات الكاظمي لطهران وقرار المحكمة الاتحادية العليا، ليعلق على ذلك سياسي عراقي شيعي مقرب من إيران، بالقول لـ"عربي بوست": "لا علاقة بين قرارات المحكمة الاتحادية العليا وزيارات الكاظمي لطهران".
وأضاف: "القضاء العراقي غير مسيس".
لكنه قال: "هذا لا ينكر غضب البعض من حلفاء إيران، وعلى رأسهم السوداني، مما استشعروه من قبول من جانب الإيرانيين للكاظمي".
تابع أيضاً بأن "الإيرانيين يعرفون مدى العداوة بين بعض حلفائها العراقيين وبين الكاظمي"، مؤكداً: "بصراحة، فإن الاعتقاد بأن إيران ستعيد الكاظمي لدائرة الاهتمام مرة أخرى، يثير القلق والغضب معاً لبعض الجهات الداخلية في العراق"، دون أن يسميها.
أما فيما يخص موقف السوداني من زيارات الكاظمي لطهران، يقول أحد مستشاريه لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه نظراً لحساسية الأمر: "الرجل شعر بأن الإيرانيين يتجاهلونه، في حين أنه يسعى جاهداً من أجل استئناف الحوار الإيراني السعودي".
عن السوداني أيضاً، قال: "هو يشعر أنه من غير اللائق أن تتم الاستعانة برئيس وزراء سابق متورط في قضية فساد، من أجل تحقيق مصلحة استئناف الحوار الإيراني السعودي".
ورفض المصدر ربط غضب السوداني من زيارات الكاظمي لطهران، بقرارات المحكمة الاتحادية العليا بحق توقيف عدد من المقربين وأعضاء مكتب رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي.
"إيران في حيرة بينهما"
عن موقف طهران، قال مسؤول أمني إيراني لـ"عربي بوست": "حكومة السوداني، حكومة حليفة، وتربطها علاقة جيدة بطهران، ومن مصلحة الجميع الحفاظ على هذه العلاقة الطيبة، وبالطبع جهود السوداني من أجل استئناف الحوار السعودي الإيراني معروفة لدى طهران، كما أن اقتراح الكاظمي للعب دور المحاور من جديد والتوسط مع الرياض لا يعني أبداً تقويض جهود رئيس الحكومة العراقي الحالي بهذا الصدد".
لكن المسؤول الأمني الإيراني أشار إلى نقطة مهمة في حديثه لـ"عربي بوست"، قائلاً: "لا أنكر وجود حيرة في طهران من مسألة قبول اقتراح الكاظمي بإحياء دوره كمحاور بين إيران والقوى الإقليمية والدولية، مقابل عدم تقويض جهود حكومة السوداني".
على عكس الكاظمي الذي كان يتمتع بعلاقات جيدة مع دول الخليج، واستطاع استضافة القوى الإقليمية في بغداد، وتسهيل الحوار الإيراني السعودي، فحتى الآن لم تتمكن حكومة محمد شياع السوداني، من استئناف الحوار، في حين يعبر سابقه عن أمله في أن يتمكن من توسيع الوساطة واستكمالها إلى حوار إيراني عربي.
أما عن الموقف السعودي: "هناك قلق فيما يخص التعامل مع حكومة السوداني المدعومة من الإطار التنسيقي الشيعي، المقرب من إيران، نظراً للتاريخ الطويل من عدم الثقة بين السعوديين والعراقيين المقربين من إيران"، بحسب المصدر.
من جهته، قال مسؤول عراقي في الحكومة الحالية لـ"عربي بوست": "السعوديون والإماراتيون مستعدون للتعامل مع حكومة السوداني، لكن بالطبع هناك قلق، لكنهم ينتظرون بادرة التعاون من رئيس الحكومة الحالي في العراق".
بدوره، كشف المسؤول الأمني الإيراني، لـ"عربي بوست"، عن وجود "اقتراح من المسؤولين الإيرانيين، بألا يتم رفض اقتراحات الكاظمي بشكل كامل، والانتظار لرؤية ما تستطيع حكومة السوداني إنجازه في هذا المجال، لكن حتى الآن من الممكن أن يتم تجميد اقتراح الكاظمي"، وفق قوله.
يشار إلى أن العاصمة العراقية بغداد استضافت 5 جولات من المحادثات بين إيران والسعودية، ولم تستأنف حتى الآن منذ وصول السوداني إلى رأس الحكومة في العراق.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة.
نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”