قالت صحيفة The Guardian البريطانية إنها اطلعت على خطابات ظلت سرية في الهند منذ عقود، حول كشمير المتنازع عليها مع باكستان، تستطيع الكشف من خلالها عن أن كبار الجنرالات في الجيش حثّوا جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء في الهند بعد الاستقلال، على الموافقة على وقف إطلاق النار مع باكستان في عام 1948.
المراسلات الواردة من القائد العام آنذاك، الجنرال السير فرانسيس روبرت روي بوتشر، سوف تحمل تداعيات سياسية هائلة بالنسبة للحكومة القومية الحالية في دلهي، التي شوهت قرار نهرو بالتوصل إلى تسوية حول وضع كشمير المتنازع عليها، ووصفت إياه بـ"التخبط" غير المطلع، وفق الغارديان.
واستخدمت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، هذه الحجة لتبرر إلغاء الوضع الخاص لكشمير في 2019، وتشديد قبضتها على المنطقة.
"الجيش يحتاج إلى راحة"
غير أن سلسلة من الخطابات -التي حرصت إدارة مودي على إبقائها سرية- بيَّنت أن نهرو كان يتصرف في واقع الأمر استناداً إلى مستشاره الأكثر ثقة في الجيش، والذي حذَّر من أن الهند لن تستطيع تحمُّل استمرار العملية العسكرية في كشمير لوقت طويل، وأن هناك حاجة إلى تسوية سياسية.
في رسالته المؤرخة في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1948، التي أرسلها إلى نهرو، حذَّر بوتشر من الإرهاق بين القوات الهندية في كشمير، مضيفاً أن اتخاذ "قرار عسكري شامل لم يعد ممكناً".
وأضاف: "يُظهر أفراد الجيش نقطتي ضعف: الافتقار إلى التدريب لدى كبار القادة، والتعب والضجر بين الرتب الأخرى… باختصار، يحتاج الجيش إلى راحة وإجازة وتدريب وإعادة تنشيط".
ورداً على ذلك، أثار نهرو مخاوفه من التقارير التي تقول إن باكستان كانت تنوي قصف المواقع الهندية جواً خلال أسابيع. وفي غضون ذلك، كانت باكستان تشيد الطرق لصيانة مواقعها والتقدم في مواقع جديدة.
حرب مع باكستان
وفي خطاب آخر مرسل إلى بوتشر ومؤرخ في 23 ديسمبر/كانون الأول 1948، كتب نهرو: "يتضح أمامي أننا لا نستطيع الاعتماد على بقاء باكستان في الوضع الدفاعي". وأضاف: "في حال مواصلة باكستان قصفها المستمر وعملياتها الهجومية وعجزنا عن إيقاف ذلك هناك، فثمة احتمالات كبيرة لنشوب حرب مع باكستان".
وفي خطاب لاحق مُؤرخ في 28 ديسمبر/كانون الأول، أوضح بوتشر موقفه تماماً قائلاً: "إنني أخشى من أننا لا نستطيع اتخاذ قرار عسكري لوقف كل عمليات بناء الطرق من جانب باكستان. هل لي أن أقترح نهجاً سياسياً من أجل هذه المشكلة".
يشار إلى أن الحرب انتهت في 1 يناير/كانون الثاني عام 1949 باتفاق وقف إطلاق النار، الذي نظمته الأمم المتحدة، وبعدها منح نهرو ولاية جامو وكشمير وضعاً خاصاً يجعلها منطقة حكم ذاتي.
تغيير الوضع في كشمير
وعلى مدى العقود اللاحقة، خاضت باكستان والهند ثلاث حروب حول قضية كشمير والنزاع الحدودي المترتب على هذه المشكلة. لكن الإجراءات المكفولة في المادة 370 من الدستور الهندي التي وضعها نهرو، اعتبرها أبناء كشمير ضرورية لحماية حقوقهم في المناطق التي تسيطر عليها الهند في الولاية ذات الأغلبية المسلمة، وأيضاً للحد من التوترات مع باكستان ذات الأغلبية المسلمة.
لكن في عام 2019، أعلنت دلهي تحت الإدارة القومية الهندوسية لمودي، إلغاء الحكم الذاتي الدستوري للولاية بشكل رسمي؛ في محاولة من جانبها لضمها كلياً إلى الهند. وأدى هذا القرار إلى تشديد قبضة الحكومة على المنطقة، وأثار حالة غضب واستياء.
بينما برر حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم القرار عن طريق التلميح بأن نهرو ارتكب خطأ، وألقوا اللوم عليه في عدم السيطرة على مزيد من الأراضي من القوات الباكستانية، إذ قال أميت شاه، وزير داخلية الهند، في 2019، إن قرار التوصل إلى تسوية بوساطة أممية كان "أكبر أخطاء" نهرو، وانتقد القرار واصفاً إياه بـ"خطأ الهيمالايا".
لكن أوراق بوتشر، بحسب الاسم الذي تُعرف به في الهند، تشير إلى أن نهرو تصرَّف استناداً إلى نصيحة مطلعة من ضباطه في الجيش.
يشار إلى أن بوتشر، الذي كان ضابطاً بريطانياً، اختير عن طريق الهند بعد استقلالها ليصير قائد الجيش الهندي، بسبب معرفته وإلمامه بأحوال العمليات العسكرية الهندية وقدرته على سد الفجوة بين أفراد القوات البريطانية والهندية. وشغل هذا المنصب بين عامي 1948 و1949، حتى تقاعد، وكان آخر ضابط عسكري غير هندي يشغل منصباً رفيعاً في الجيش.
وثائق "حساسة"
كانت صحيفة الغارديان كشفت في فبراير/شباط الماضي، أن حكومة مودي كانت تسعى لمنع رفع السرية عن بعض أوراق بوتشر، ووصفتها بأنها "حساسة".
وقالت وثيقة حديثة صادرة عن وزارة الخارجية الهندية، اطلعت عليها الصحيفة البريطانية، إن محتوى هذه الأوراق يجب ألا تُرفع عنه السرية بعد.
خلال العقود العديدة السابقة، ظلت هذه الأوراق في نيودلهي داخل متحف ومكتبة نهرو التذكارية، الذي يعد هيئة مستقلة تحت إشراف وزارة الثقافة الهندية منذ عام 1970. وعلى مدى السنوات الماضية، بذل النشطاء محاولات عديدة غير ناجحة لرفع السرية عن هذه الأوراق.
كذلك يُحتفظ بنسخ من أجزاء مراسلات بوتشر في متحف الجيش الوطني بلندن. وأوضحت صحيفة الغارديان في ختام تقريرها، أنها تواصلت مع وزارة الخارجية الهندية؛ من أجل التعليق على الموضوع.