قالت صحيفة The Financial Times البريطانية، إن السلطات في إيران أغلقت صحيفة محلية لمدة أسبوع في فبراير/شباط 2023، بعدما سلطت الضوء على ارتفاع أسعار اللحوم في البلاد، حيث اعتبرت السلطات الموضوع "أشد حساسية" من قضية الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ سبتمبر/أيلول الماضي على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني.
وقالت "فايننشيال تايمز" إن السلطات أغلقت صحيفة "سازانديجي" الإصلاحية لأكثر من أسبوع، بعد أن نشرت حول ارتفاع أسعار لحم الضأن قبيل عيد رأس السنة الإيرانية "النوروز"، المنتظر هذا الشهر، مشيرة إلى أن النظام في إيران يخشى من أن تؤدي أزمة تكاليف المعيشة إلى موجة أخرى من المعارضة.
حقيقة يومية ملموسة
في السياق، قال الصحفي الإيراني أكبر منتجبي، الذي يعمل في "سازانديجي"، وهو يتحدث لـ"فايننشيال تايمز" في غرفة الأخبار الخالية بمقر الصحيفة المغلقة: "الكتابة حول الاحتجاجات كانت كتابة حول أحلام الإيرانيين بالحرية والمساواة، لكن الكتابة عن اللحم كانت تسلط الضوء على حقيقة يومية ملموسة، ونُظر إليها بكل وضوح على أنها أشد حساسية".
وأوضح: "ارتُئي أن عنوان (مقالنا) الفرعي كان أسوأ. فقد قال: "اللحم يُستبعد من الحمية الغذائية الخاصة بالطبقة العاملة والطبقة المتوسطة".
يذكر أن منظمة "مراسلون بلا حدود" قالت إن النظام ألقى القبض على ما لا يقل عن 70 صحفياً خلال الاحتجاجات التي اندلعت في سبتمبر/أيلول الماضي.
أزمة اقتصادية في إيران
لكن في الوقت الذي تقلصت فيه الاضطرابات المدنية، يتواصل تدهور المصاعب الاقتصادية لملايين الإيرانيين، حيث فقد الريال الإيراني أكثر من ثلث قيمته هذا العام، بينما ارتفع التضخم بنسبة 47.7% في فبراير/شباط الماضي.
وفي مواجهة هذه الخلفية الاقتصادية العسيرة، تعتقد الجمهورية الإسلامية أن الأعداء -الممثلين في الدول الغربية مثل الولايات المتحدة بجانب جماعات المعارضة في الخارج- يستخدمون مزيداً من الطرق التقليدية وغير التقليدية، التي تتضمن المعلومات، للإطاحة بالنظام في إيران.
وقال أحد المحللين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لفايننشيال تايمز: "تعلم السلطات أن احتجاجات الشوارع انتهت من على السطح فقط. يُخشى أن يكون الاقتصاد الفتيل التالي. يريدون السيطرة على نشر المعلومات لإحباط ذلك التهديد".
"فشل في الحرب الإعلامية"
صحيح أن التلفزيون الحكومي لا يزال يبث الحملات الدعائية للسلطات، لكن كثيراً من الإيرانيين لديهم تطبيقات الشبكات الخاصة الافتراضية VPN، التي تسمح لهم بتجاوز القيود المفروضة على الإنترنت وعلى تطبيقات التواصل الاجتماعي. كذلك تُتاح على نطاق واسع المحطات التلفزيونية الأجنبية التي تبث عبر الأقمار الصناعية، مع أنها غير قانونية.
بدوره، قال رحيم صفوي، المستشار العسكري للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، في فبراير/شباط الماضي إن الجمهورية لم تكن "متأخرة فحسب في الحرب الإعلامية.. بل إننا قد فشلنا" فيها. وأضاف: "علينا أن نخرج من المواقع الدفاعية ونستعد لتنويع نهجنا الهجومي".
عندما اندلعت الاحتجاجات، حظرت السلطات الدخول إلى موقع إنستغرام وتطبيق واتساب، لكن الإيرانيين يستخدمون تطبيقات VPN، لدرجة أن شركة ميتا استطاعت أن تبلغ في فبراير/شباط الماضي عن أن الوسوم المرتبطة بالاحتجاجات استُخدمت لأكثر من 160 مليون مرة في إنستغرام.
يعتقد المحللون أن المتشددين الإيرانيين استخدموا الاحتجاجات حجةً لتشديد القيود على استخدام الإنترنت. بينما كان هذا التركيز على منصات التواصل الاجتماعي يعني أن الصحف تُركت وحدها في العموم، مع الأخذ في الحسبان تأثيرها المحدود.
تأثير الصحيفة
في حديثه مع صحيفة هام ميهان، قال المحلل الإصلاحي عباس عبدي إن إغلاق صحيفة سازانديجي بسبب عنوان إخباري يتعلق بلحم الضأن كشف عن أن المؤسسة السياسية "تفتقر إلى استيعاب مفهوم وسائل الإعلام".
وأضاف: "بسبب السياسات الكارثية المتعلقة بوسائل الإعلام، صارت الصحافة في هاوية، وقدرتها على التأثير في الرأي العام محدودة للغاية. التأثير الذي أحدثه تقرير اللحم كان مساوياً لتأثير قرصة البعوضة على الفيل".
توجد عشرات الصحف والوكالات الإخبارية الإصلاحية في إيران، وغالبيتها تُدار عن طريق الساسة، لكن الصحفي، أكبر منتجبي، أشار إلى أن تغطيتهم "تُقرأ وتؤخذ على محمل الجد عن طريق الساسة"، بينما لا يقرأ غالبية الأشخاص العاديين الصحيفة إلا عندما يُسلط الضوء على قصة إخبارية ما على منصات التواصل الاجتماعي.
خطوط حمراء
وأوضح محرر صحيفة سازانديجي أنه لم يتلقَّ قط خطابات من المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو أعلى جهة أمنية في البلاد، فيما يتعلق بما يُسمح بنشره وما لا يُسمح بنشره.
ومع أن منتجبي علم أن تسليط الضوء على تراجع سعر الريال الإيراني وارتفاع أسعار العملات الذهبية كان خطاً أحمر، فلم يكن لديه أدنى فكرة عن أن النشر حول اللحم الأحمر يتجاوز ذلك الخط أيضاً.
وقال منتجبي إن الرسوم الكاريكاتيرية لقادة الدول المجاورة يُوصى بعدم نشرها، "لكننا نشرنا رسوماً عن بوتين منذ حربه ضد أوكرانيا أكثر من 12 مرة".
صحيح أن الصحيفة استأنفت عملها منذ السبت 4 مارس/آذار الجاري وتواصل الكتابة عن القضايا المثيرة للجدل، لكن منتجبي لم يكن متأكداً إذا كانت الصحيفة سوف تخضع لجلسة استماع إضافية أم لا. وبرغم ذلك، يصر الصحفي الإيراني على أن الصحيفة لا يزال لديها دور فعال عليها الاضطلاع به.
وأضاف أن الصحافة في إيران ربما لا توفر الكثير من "لقمة العيش للصحفيين، لكنها تبقى وظيفة محترمة"، مشيراً إلى أنه "عندما تُغلَق الصحيفة، تكسب مزيداً من المصداقية لأن هذا بلد المفارقات".