شهد لبنان حالة من الجدل بعدما أعلن الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) بشكل صريح دعم ترشيح سليمان فرنجية (حليف حزب الله وصديق بشار الأسد) للرئاسة في لبنان، وسط تساؤلات حول السبب الحقيقي وراء هذا الإعلان في هذا التوقيت.
وفتح هذا الإعلان الباب على نقاشات فعلية حول ما إذا كان حزب الله وحليفه الشيعي (حركة أمل) قد قاما بإحراق مراكب سليمان فرنجية، عبر إظهار أنه مرشح الحزب في ظل رفض كل القوى المسيحية الرئيسية في البلاد وصوله إلى الرئاسة.
فيما اعتبر مراقبون أنه وبإعلان الحزب ترشيح فرنجية، فإن المحور الموالي لإيران يريد الذهاب إلى تسوية عبر هذا التصعيد السياسي الكبير.
بالإضافة إلى عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت ولقائه مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وإبلاغه رفض بلاده وصول فرنجية للرئاسة.
سليمان فرنجية.. وفتح باب التسوية
أوضح مصدر دبلوماسي عربي لـ"عربي بوست" أن حزب الله وبموقفه التصعيدي عبر إعلان دعم شخصية لا تحظى بتوافقات داخلية ولا بحجم تمثيلي ولا برضى عربي دولي، فإنه يفتح الباب أمام الحوار والنقاش لإيجاد اسم جديد للرئاسة، أو القبول بقائد الجيش جوزيف عون، وخاصة أن الأمين العام للحزب حسن نصر الله ترك المجال مفتوحاً للحوار والتفاهم على اسم جديد.
وأشار المصدر إلى أن الحزب كان قد أبلغ جهتين خارجيتين، الأولى غربية والثانية عربية، أنه يفضل التوافق على مرشح رئاسي يقدم له ضمانات حول السلاح والصواريخ الدقيقة، ويكون "للآخرين حصة به" كذلك، أي يرضي معظم الأطراف المسيحية والمسلمة ولا يكون رئيساً لصالح طرف واحد.
وعليه فإن الحزب نفسه أبلغ دبلوماسيين فرنسيين وعرب أنه لا "فيتو" لديه على قائد الجيش جوزيف عون في حال حصلت توافقات عليه، ما يعزز فرضية مفادها أن التصعيد بالترشيح يهدف لجر القوى الأخرى للنقاش والحوار بالتوازي مع الاجتماعات الإقليمية والدولية الجارية حول لبنان وتحديداً الدول الخمس (الولايات المتحدة وقطر والسعودية وفرنسا ومصر).
وكانت هذه الدول الخمس التقت في باريس يوم 6 فبراير/شباط الماضي ووضعت خارطة طريق حيال لبنان وملف الرئاسة. وبحسب المصدر، كان اتجاه القوى العربية والدولية، ولاسيما المشاركين في اجتماع باريس الخماسي، تزكية قائد الجيش العماد جوزف عون، باعتباره مرشحاً توافقياً ويحظى بثقة الجميع في الداخل والخارج.
وبحسب المصدر الدبلوماسي العربي، فإن الموقف السعودي الرافض لوصول سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، سوف يتعزز أكثر في الأيام القادمة، إضافة إلى أن الإعلام السعودي بدأ منذ أيام حملة موجهة ضد وصول فرنجية للرئاسة.
هذا الموقف – بحسب المصدر – مدعوم أمريكياً وعربياً، وهناك تطابق أمريكي مع وجهة النظر السعودية، وهو ما يجعل الحزب مرتبكاً في مواجهة الشروط الواضحة جداً، وهي أن لا مساعدات في لبنان اقتصادياً، إلا من خلال انتخاب رئيس للجمهورية خارج إرادة الحزب، على حد قوله.
السيناريوهات المقبلة
وكشف مصدر حكومي لبناني رفيع لـ"عربي بوست" أن الحل الآخر لدفع سليمان فرنجية للانسحاب من المنافسة سيكون بالتحضير لجلسة رئاسية مقبلة لا تحصل على النصاب المطلوب، ولا يستطيع من خلالها فرنجية الحصول على 65 صوتاً المطلوبة لوصول رئيس للجمهورية، ما سيدفع فرنجية لإعلان الانسحاب وفتح المجال أمام الحوار على اسم جديد للرئاسة.
فيما السيناريو الآخر، والذي يفضله رئيس مجلس النواب نبيه بري -وفق المصدر الحكومي- أن يفشل المجلس بالانعقاد وإصرار القوى المسيحية (القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وحزب الكتائب) على مقاطعة الجلسات بالتوافق مع الحزب التقدمي الاشتراكي وتكتل نواب التغييريين بالإضافة للنواب السنة، ما قد يزيد أمد التعطيل ويدفع فرنجية عبر الضغوطات المحلية والخارجية لإعلان الانسحاب.
في هذا المسار يعتقد الصحفي المقرب من حزب الله عماد مرمل، أنه كان لافتاً بخطاب حسن نصر الله الأخير الذي تبنى فيه ترشيح فرنجية، أن الأمين العام للحزب لم يطرح فرنجية في إطار التحدّي أو المواجهة، بل ترك الأبواب مفتوحة للنقاش والتفاهم، سواء مع "التيار الوطني الحر" أو مع القوى الأخرى.
جاء ذلك عبر دعوته من جهة إلى حوار محصور بالبند الرئاسي، وتأكيده من جهة أخرى أنّ نصاب الثلثين هو ممر إلزامي لانتخاب رئيس الجمهورية في الجلسة الأولى كما الثانية، وهذا يعني أنّ انتخاب فرنجية يتطلب غطاءً داخلياً واسعاً، إما بالاقتراع له وإما بالحضور لتأمين النصاب.
ويشير مرمل إلى أن تثبيت مبدأ الثلثين من قِبل نصر الله كرّس شراكة التيار في الملف الرئاسي، بعد التسريبات حول إمكانية الحزب تجاوز حليفه المسيحي، بل إن الحزب أقرّ حتى لخصومه بحق تعطيل النصاب، في دلالة إضافية إلى الحاجة لنسج أوسع مظلة تفاهم ممكنة لانتخاب الرئيس.
حزب الله وطرح المقايضة
في إطار متصل يشير المصدر الدبلوماسي العربي إلى أن حزب الله وعقب اجتماع باريس الخماسي أرسل رسالة للدول العربية المشاركة في الخلية الخماسية.
مفاد تلك الرسالة أنه يقبل بتولي السفير نواف سلام رئاسة الحكومة مقابل الموافقة على انتخاب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية في لبنان.
وبحسب المصدر، فإن الرد كان واضحاً وصريحاً وهو رفض إعادة تجربة الموافقة على رئيس جمهورية مقابل رئيس الحكومة، خاصة أن تجربة كل من سعد الحريري ونجيب ميقاتي كرؤساء حكومة مع رئيس جمهورية موالي لحزب الله كانت فاشلة وكرست سطوة الحزب على قرارات الدولة؛ لذا فإن الحزب قرر الانتقال لخطة التصعيد بهدف فرض سقف للتسوية مع الأطراف الأخرى.
لا يبقى أمام الحزب سوى خيار الذهاب إلى التعاطي ببراغماتية، عبر العودة إلى فرنجية بمعادلة أنه مرفوض من قِبل جهات داخلية وخارجية، والذهاب إلى الموافقة على أسماء أخرى. إذ لم يعد هناك أي آلية أخرى لذلك. وهو ما تقوم به بعد الأطراف كوليد جنبلاط والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الذين يحاولون السعي للبحث عن آلية وصيغة واضحة في كيفية الاتفاق على اسم الرئيس، والمبادرة تجاه الحزب وبرّي، باقتراحه عليهما اختيار أسماء أخرى غير فرنجية.
المعطى الخارجي
بالمقابل، يشير المحلل السياسي ربيع دندشلي إلى أن هناك من يحاول ربط ما يجري داخلياً على أنه أحد مسارات التصعيد لفرض فرنجية في ظل التوترات بين إيران وإسرائيل.
وأوضح دندشلي أن وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة من الممكن أن تلجأ للحرب بهدف الالتفاف على الأزمة الداخلية في إسرائيل، خاصة في ظل محاولات الضغط على إيران، وما حدث جرى في العراق مؤخراً عبر إجراءات تشديد مالي تتعلق بضبط التحويلات، انعكست سلباً على الوضع الإيراني.
هذا دفع إيران إلى الموافقة على نشر كاميرات مراقبة في مواقع نووية، بالإضافة إلى فتح قنوات التفاوض مع دول الخليج عبر رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي والحالي محمد شياع السوداني.
وعليه وربطاً بلبنان، أشار دندشلي إلى أن حزب الله لم يتمكن من تحقيق مكاسب من اتفاق ترسيم الحدود البحرية، لا اقتصادياً ولا مالياً، ولا حتى بتغيير نظرة القوى الدولية تجاهه والتعاطي معه على أنه طرف يمكن التوصل معه لحل سياسي ومالي في لبنان، وهو ما يجعل الحزب يلوح بالتصعيد.