كشف تحقيق أجرته صحيفة Haaretz الإسرائيلية، استناداً إلى بيانات الطيران المتاحة للجمهور، أنه على مدار السنوات السبع الماضية، هبطت 92 رحلة شحن جوية تابعة لشركة "سيلك واي" الأذربيجانية في قاعدة عوفدا الجوية شمال إيلات، وهي المطار الوحيد في إسرائيل الذي يمكن أن تُنقَل من خلاله المتفجرات إلى الداخل والخارج.
الصحيفة قالت إن طائرة شحن أذربيجانية هبطت، الخميس 2 مارس/آذار 2023، في قاعدة عوفدا ذاتها، وبعد ساعتين من وجودها على الأرض، كالعادة، أقلعت الطائرة القديمة من طراز إليوشن 76، وحلقت فوق وسط إسرائيل، واستمرت شمالاً فوق تركيا ثم إلى الشرق، عائدةً إلى موطنها الأصلي في باكو، عاصمة أذربيجان.
تحالف استراتيجي
كان لإسرائيل تحالف استراتيجي مع أذربيجان على مدى العقدين الماضيين، وتبيع إسرائيل أسلحة للدولة ذات الأغلبية الشيعية الكبيرة بمليارات الدولارات، وفي المقابل، تزود أذربيجان، حسب المصادر، إسرائيل بالنفط والوصول إلى إيران.
وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الأجنبية، سمحت أذربيجان للموساد بإنشاء فرع أمامي لمراقبة ما يحدث في إيران، جارة أذربيجان في الجنوب، وأعدت حتى مطاراً يهدف إلى مساعدة إسرائيل في حال قررت مهاجمة المواقع النووية الإيرانية.
وذكرت تقارير منذ عامين أن عملاء الموساد الذين سرقوا الأرشيف النووي الإيراني قاموا بتهريبه إلى إسرائيل عبر أذربيجان. ووفقاً لتقارير رسمية من أذربيجان، باعت لها إسرائيل على مر السنين أنظمة الأسلحة الأكثر تقدماً، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والدفاع الجوي وأنظمة الحرب الإلكترونية وطائرات كاميكازي المسيَّرة وغيرها.
تعتبر شركة سيلك واي واحدة من أكبر شركات الشحن الجوي في آسيا، ووفقاً للوثائق الرسمية فهي تعمل كمقاول من الباطن لوزارات الدفاع المختلفة حول العالم. وتشغل الشركة ثلاث رحلات أسبوعية بين باكو ومطار بن غوريون الدولي مع طائرات شحن بوينغ 747، وفي العام الماضي كانت ثالث أكبر شركة شحن أجنبية من حيث الحجم في مطار بن غوريون.
92 رحلة جوية
لكن الأرقام التي كُشِفَ عنها لأول مرة تُظهِر أنه منذ عام 2016، هبطت طائرات إليوشن 76 التابعة للشركة 92 مرة على الأقل في مطار عوفدا، وهي وجهة غير عادية لطائرات الشحن المدنية.
وشركة سيلك واي هي واحدة من شركات الطيران القليلة جداً التي تهبط في مطار عوفدا، فعلى مر السنين هبطت طائرات تابعة لعدد قليل من شركات الطيران في أوروبا الشرقية في هذا المطار وحملت معها متفجرات وأقلعت من هناك.
كانت شركة سيلك واي في القلب من تقرير استقصائي في وسائل الإعلام التشيكية في عام 2018، والذي ذكر أن الأسلحة المحظورة للبيع لأذربيجان نُقِلَت رغم حظر الأسلحة -في صفقة مُتبادَلة عبر إسرائيل.
وقالت مصادر في صناعة الطيران إن قانون الطيران الإسرائيلي يحظر النقل الروتيني للمتفجرات من مطار بن غوريون؛ لأنه يقع في قلب منطقة مكتظة بالسكان، مضيفة أن المطار الوحيد الذي يسمح باستيراد وتصدير المتفجرات منه هو قاعدة القوات الجوية الإسرائيلية في عوفدا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2013، وقَّع رئيس سلطة الطيران المدني الإسرائيلية، جيورا روم، على إعفاء يسمح لطائرات سيلك واي بنقل شحنات متفجرات، "مصنفة كمواد خطرة ممنوع الطيران"، من عوفدا إلى مطار عسكري في ضواحي باكو.
هذا الاستثناء، الذي نُشر في ذلك الوقت على الموقع الإلكتروني لسلطة الطيران المدني، يتطلب شروط أمان صارمة، ويتضمن قائمة بالطائرات الأذربيجانية المسموح لها بنقل المتفجرات من عوفدا إلى أذربيجان.
وهبطت طائرات سيلك واي (وغيرها) في عوفدا ما يقرب من 100 مرة منذ إصدار التصريح. فيما تكشف البيانات عن تسارع وتيرة الرحلات الجوية إلى باكو، خاصة في منتصف عام 2016 وأواخر عام 2020 ونهاية عام 2021 -والتي تتزامن مع فترات القتال في ناغورنو قره باغ.
يذكر أن أذربيجان وأرمينيا خاضتا حرباً على هذه المنطقة المتنازع عليها بينهما عدة مرات منذ بداية القرن العشرين، لا سيما منذ حصول كلا البلدين على استقلالهما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وقد هبطت بعض هذه الرحلات في عوفدا بعلامة الاتصال الرسمية لوزارة الدفاع الأذربيجانية. وفي عام 2016، مُنحت شركة سيلك واي إعفاء آخر سمح لها بالاستمرار في الهبوط في إسرائيل -رغم أن طائراتها لم تفِ بمعايير ضوضاء الطيران الإسرائيلية- فقط حتى تتمكن من مواصلة الطيران إلى عوفدا.
علاقات "قوية" بين أذربيجان وإسرائيل
حقيقة أن كلا البلدين يعتبران إيران تهديداً مباشراً عزز العلاقات بينهما. أعلنت أذربيجان استقلالها في أكتوبر/تشرين الأول 1991، وافتتحت إسرائيل -التي كانت من أوليات الدول التي اعترفت بالدولة الجديدة- سفارتها في باكو في عام 1993.
ويعتمد الاقتصاد الأذربيجاني بشكل أساسي على النفط والغاز، وكجزء من تحالفها الاستراتيجي، أصبحت أكبر مورد للنفط لإسرائيل. تشير التقديرات إلى أن حوالي نصف النفط الذي تستورده إسرائيل يأتي من أذربيجان.
خلال السنوات الأولى من استقلالهما، اعتمدت كل من أرمينيا وأذربيجان على ترسانة الأسلحة السوفييتية، لكن وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي للسلام، تغير الوضع منذ عام 2016 وأصبحت إسرائيل الآن مسؤولة عما يقرب من 70% من أسلحة أذربيجان.
تكنولوجيا إسرائيلية في أذربيجان
وتُظهِر العديد من التقارير الرسمية والبيانات ومقاطع الفيديو من أذربيجان أن إسرائيل قامت بتصدير مجموعة واسعة جداً من الأسلحة إلى البلاد -بدءاً من بنادق تافور الهجومية وصولاً إلى الأنظمة الأكثر تطوراً مثل الرادار والدفاع الجوي والصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ الباليستية والسفن ومجموعة واسعة من الطائرات المسيَّرة، لأغراض الاستخبارات والهجوم.
وقدمت الشركات الإسرائيلية أيضاً تكنولوجيا تجسس متقدمة، مثل أنظمة مراقبة الاتصالات من شركة فيرينت، وبرامج التجسس بيغاسوس من مجموعة NSO -الأدوات التي استُخدِمَت ضد الصحفيين ومجتمع المثليين ونشطاء حقوق الإنسان في أذربيجان أيضاً، وفق الصحيفة.
فيما لعبت الأسلحة الإسرائيلية دوراً مهماً عندما استؤنف القتال ضد أرمينيا في حرب الأيام الأربعة بين البلدين في أبريل/نيسان 2016، وخاصة خلال حرب ناغورنو قره باغ الثانية في عام 2020، وكذلك في المعارك خلال عام 2022.
يقول معهد ستوكهولم الدولي للسلام إن صادرات الدفاع الإسرائيلية إلى أذربيجان بدأت في عام 2005 ببيع أنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة من قبل شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية التي يبلغ مداها 150 كيلومتراً.
وزودت الشركة، التي حصلت عليها شركة أنظمة إلبيط في عام 2018، صواريخ مدفعية خفيفة LAR-160 بمدى يصل إلى 45 كيلومتراً، والتي، وفقاً لتقرير من هيومن رايتس ووتش، استخدمتها أذربيجان لإطلاق الذخائر العنقودية المحظورة على المناطق السكنية في ناغورنو قره باغ.
وفي عام 2007، وقعت أذربيجان عقداً لشراء أربع طائرات مسيَّرة لجمع المعلومات الاستخبارية من أنظمة الدفاع الجوي. كانت تلك الأولى من صفقات عديدة بمليارات الدولارات في 2008 و2011 و2013 و2014 و2016 و2017 و2019 و2020.