قدمت الطبيبة وخبيرة التعذيب والصدمات سوندرا كروسبي مجموعة من أكثر التفاصيل العلنية وحشية، حول استخدام وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية، لممارسة "التغذية الشرجية" على سجناء في سجن غوانتانامو، وهي ممارسة سيئة السمعة، وظلت سراً لفترة طويلة، حتى بعد الكشف عن طرق التعذيب الأخرى.
صحيفة New York Times قالت، الجمعة 24 فبراير/شباط 2023، إن الخبيرة أدلت بشهادتها خلال جلسات الاستماع التمهيدية في خليج غوانتنامو الأسبوع الماضي، وأوضحت أن شهادة كروسبي التي اختارتها المحكمة جاءت ضمن جهود الدفاع المطولة لفريق المحامين الخاص بعبد الرحيم النشيري.
النشيري متهم بالتورط في تفجير المدمرة "يو إس إس كول" عام 2000، وسعى محاموه إلى الحيلولة دون استخدام الاعترافات التي أدلى بها للمحققين الفيدراليين سابقاً خلال المحاكمة النهائية، بدعوى أنها اعترافات ملوثة بالتعذيب.
الخبيرة كروسبي رفعت خلال شهادتها أنبوباً مصمماً لوضعه داخل القصبة الهوائية للمرضى، ثم قالت -بناءً على سجلات الوكالة التي رُفِعَت عنها السرية- إن موظفي السجن من وكالة الاستخبارات المركزية أدخلوا أنبوباً مثله بالضبط داخل شرج النشيري في مايو/أيار عام 2004، وأضافت أن موظفي الوكالة استخدموا محقنةً لحقن مخفوق غذائي غني بالبروتين إلى داخل جسمه.
كذلك أشارت كروسبي في شهادتها إلى أن النشيري كشف في عام 2013 عن واقعةٍ جرت له في خليج غوانتانامو قبلها بعدة سنوات، حيث سحبه موظفو وكالة الاستخبارات المركزية من زنزانته، وجرّدوه من ثيابه، وقيّدوا معصميه وكاحليه، ثم أجبروه على الانحناء فوق كرسي ليُدخلوا السائل إلى جسمه.
طلب النشيري ألا تتحدث إليه عن ذلك الأمر ثانية. كما لم يحضر جلسة المحاكمة التي ناقشت فيها الأمور مطولاً يوم الخميس، 23 فبراير/شباط 2023، وأضافت كروسبي خلال شهادتها: "لقد كان حدثاً معذباً، ومؤلماً، ومخزياً، وفاضحاً جداً جداً. لقد شعر وكأنه يتعرض للاعتداء الجنسي بالاغتصاب العنيف".
تُشير الصحيفة الأمريكية إلى أنه مرّ عام آخر قبل أن تعثر الدكتورة سوندرا على ما يدعم تلك الرواية، ففي ديسمبر/كانون الثاني عام 2014، نشرت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما ملخصاً من 500 صفحة لدراسةٍ سرية أُجرِيَت من أجل مجلس الشيوخ.
كانت تدور الدراسة حول برنامج "المواقع السوداء" المزعوم لوكالة الاستخبارات المركزية، وكشفت تلك الوثيقة عن ممارسات الوكالة التي تستخدم "الإمهاء الشرجي" و"التغذية الشرجية" لعقاب السجناء.
من جانبها، دافعت وكالة الاستخبارات المركزية عن ممارستها آنذاك باعتبارها "من الإجراءات الطبية السليمة"، لكن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان أدانت الممارسة حينها باعتبارها "اعتداءً جنسياً يتنكر في صورة علاج طبي".
كذلك رفضت الوكالة في الأسبوع الماضي، التعليق على الأوصاف التي نُسِبَت إليها في المحكمة، ولم ترد المتحدثة باسم الوكالة على شهادة سوندرا، التي قالت فيها إن النشيري أخبرها بتعرضه للاغتصاب شرجياً باستخدام عصا المكنسة، أثناء احتجاز الوكالة له عارياً داخل زنزانة مع تقييد يديه بالأصفاد فوق رأسه.
من جانبهم، يجادل محامو الدفاع بأن هذه الشهادة تأتي متسقةً مع الدعاوى القضائية الأخرى، كما يرون أنها كافية لإقناع القاضي باستثناء التصريحات التي أدلى بها السجين للمحققين عام 2007، بعد وقتٍ قصير من نقله إلى غوانتانامو لمحاكمته، أو تكفي لاستبعاد احتمالية صدور حكم الإعدام ضده.
كروسبي قالت في شهادتها أيضاً: "لقد تركوا الأنبوب داخله لمدة 30 دقيقة للمساعدة في امتصاص القولون"، لكنها أعربت عن رفضها لتلك العملية باعتبارها باطلة، وأردفت أن المكمل الغذائي السائل "كان سيفعل كما تفعل الحقنة الشرجية بالضبط، قبل أن يطرده الشرج".
بدوره، أشاد دانيال جونز، الذي قاد الأبحاث في تحقيق مجلس الشيوخ، بشهادة كروسبي، قائلاً إنها تتسق مع النتائج التي توصل إليها فريقه، حيث تشاور فريقه مع خبراء طبيين ووجدوا أن ممارسة التغذية أو الإمهاء الشرجي ليست لها أي علاقة بالرعاية الصحية.
أضاف جونز: "ناقش ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمر باستمرار على أنه آلية لعقاب المحتجزين والتلاعب بهم، وكتبوا أنهم يفعلون ذلك للسيطرة على المحتجز بالكامل أو المساعدة في تصفية ذهن الشخص. ولم يتعرض أي موظف طبي أو ضابط في الوكالة للمساءلة على تلك التصرفات مطلقاً".
يُذكر أنه كان هناك 40 معتقلاً عندما تولى الرئيس الديمقراطي جو بايدن منصبه في عام 2021، وقال بايدن إنه يأمل في إغلاق المنشأة. ويحظر القانون على الحكومة الاتحادية نقل معتقلي غوانتانامو إلى سجون البر الرئيسي للولايات المتحدة.
كان خبراء مستقلون مفوضون من الأمم المتحدة، قد حثّوا في يناير/كانون الثاني 2022، على إغلاق سجنها العسكري في غوانتانامو، معتبرين أنه مكان "لانتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان".
تُشير صحيفة "واشنطن بوست" (Washington Post) الأمريكية إلى أن كل الرؤساء الأمريكيين فشلوا في الوفاء بوعودهم بإغلاق معتقل غوانتانامو الذي وصفته بأنه من بقايا فترة حزينة في تاريخ الولايات المتحدة، وسردت بعض الحلول التي بإمكانها أن تشكل مخرجاً لواشنطن من هذا المأزق الذي يسيء لسمعتها عالمياً.
"واشنطن بوست" أكدت -في مقال لهيئة التحرير- أن إنشاء هذا المعتقل "العار" كان "خطأ جسيماً"، مبرزة أن إدارة الرئيس جو بايدن جعلت المسافة أقرب إلى إغلاقه نهائياً من خلال تفريغه من المعتقلين داخله.