تنتظر دول الخليج مزيداً من التحقق بشأن سعر الصرف الذي ستستقر عليه العملة المصرية، بالإضافة إلى دلائل ملموسة على أن الحكومة تلتزم ما وعدت به من إصلاحات اقتصادية عميقة، قبل الوفاء بالتعهدات التي قطعتها لإرسال مليارات الدولارات من الاستثمارات التي صارت مصر في أمَسّ الحاجة إليها.
وكالة Bloomberg الأمريكية قالت إن السعودية وقطر وبقية حلفاء الخليج خصصوا أكثر من 10 مليارات دولار لمصر، التي اشتدت حاجتها إلى النقد الأجنبي، وطرحت من أجل ذلك حصصاً للبيع في مجموعة من الشركات المملوكة للدولة. ومع ذلك، لم يصل إلا جزء ضئيل من هذا التمويل حتى الآن، فيما أرجعت مصادر مطلعة الأمر إلى أن المسؤولين الخليجيين يراقبون ما ستصل إليه قيمة العملة المحلية في أعقاب 3 تخفيضات شهدتها خلال العام الماضي.
دول الخليج تتحقق من مصر!
وأضافت المصادر للوكالة الأمريكية أن دول الخليج تريد أن تتحقق من جدية مصر في تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها صندوق النقد الدولي لتأمين قرض بقيمة 3 مليارات دولار .
فيما قال صندوق النقد الدولي الشهر الماضي إن التمويل الخليجي "حاسم" لقدرة مصر على سد فجوة التمويل التي تشير البيانات إلى أنها تبلغ 17 مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة.
ومع ذلك، فإن دول الخليج لا تتصدق على مصر بهذه الاستثمارات، وإنما تفعل ذلك؛ لأنها لطالما رأت مصر أحد المحاور الأساسية في النظام الإقليمي، ومركزاً حيوياً لطرق الطاقة والتجارة.
وفي وقت سابق ذكرت وكالة Bloomberg أن المحادثات بين السعودية ومصر بشأن شراء "البنك المتحد" قد توقفت لخلافٍ بينهما في كيفية تقييم الصفقة. وقالت المصادر إن التقلبات الشديدة في سعر الصرف تصعِّب تقدير قيمة الأصول، ما يعني أن بعض الصفقات قد يستغرق إتمامها وقتاً أطول مما كان متوقعاً في البداية. وقد تعهدت السلطات المصرية بإقرار سعر مرن للجنيه، إلا أن الانخفاضات الحادة لقيمته أعقبها مدة طويلة نسبياً من الاستقرار.
في سياق التعليق على الأمر، قال زياد داوود، خبير وكالة Bloomberg في اقتصاد الأسواق الناشئة، إن حالة "الانتظار والترقب" من المستثمرين الدوليين قد تزيد من الضغوط على الجنيه المصري. ويمكن أن تمتد آثار ذلك إلى الديون؛ لأن نقص التمويل الأجنبي وضعف العملة المحلية يزيدان أعباء الخدمة على الديون الخارجية.
لما طلبت مصر مساعدةً عاجلة العام الماضي، أودعت قطر والسعودية والإمارات 13 مليار دولار في البنك المركزي المصري. لكن الحكومة المصرية قالت إن البلاد تحتاج إلى الاستثمار الأجنبي المباشر بدلاً من المساعدات. ومن هنا، ورد الاقتراح ببيع أسهم في 32 كياناً حكومياً، منها 3 بنوك ("القاهرة" و"العربي الإفريقي" و"المصري المتحد") خلال عام 2023.
محادثات جادة لمصر
ويشار إلى أن مصر بدأت محادثات جادة العام الماضي لجذب استثمارات بقيمة 2.5 مليار دولار في حصصٍ بعدة شركات مملوكة للدولة، منها "فودافون مصر"، أكبر مشغل لشبكات الهاتف المحمول في البلاد. وقالت المصادر إن المحادثات مع جهاز قطر للاستثمار مستمرة. وقال مصدران إن حجم الصفقة قد يختلف بتغيُّر تقييم الأصول بعد أحدث تخفيض لقيمة العملة في يناير/كانون الثاني.
وفي العام الماضي، اشترى صندوق الثروة السيادية السعودي حصصاً مملوكة للدولة في 4 شركات مصرية مدرجة في البورصة مقابل 1.3 مليار دولار. ووافق صندوق الثروة السيادي في أبوظبي على صفقة بملياري دولار شملت شراء حصة بلغت نحو 18% من أسهم البنك التجاري الدولي، أكبر بنك مدرج في البورصة.
لكن يبدو أن القوى الخليجية، التي فتحت الباب أمام الودائع النقدية والتخفيض في أسعار النفط خلال الأزمات السابقة، صارت عازمة على بلوغ عوائد ملموسة من استثماراتها في البلاد. وقد يؤدي ذلك إلى تمديد مشاركتها في القطاع الخاص المصري، الذي لطالما اشتكى من أنه يواجه منافسة غير عادلة من مؤسسات الدولة، لا سيما التابعة للجيش، وهو ما كان له تأثير كبير في حرمان البلاد من الاستثمارات الأجنبية.