وصل عدد ضحايا الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا إلى أكثر من 50 ألف إنسان، بينما تمّ انتشال أكثر من 110 ألف إنسان من تحت الأنقاض. شارك في عمليات الإنقاذ تلك مسعفون ورجال إنقاذ وأطبّاء من دول عديدة حول العالم
تمرّ عملية الإنقاذ بمراحل معقّدة، بدايةً من فرق الإنقاذ التي تحاول الوصول لأيِّ إشارات من تحت الأنقاض حول وجود ناجين أحياء. وبعد تحديد المنطقة المتوقّع أن يكون فيها ناجون أحياء يبدأ الحفر للوصول لهم، ومع بداية الحفر يتم استدعاء الأطباء المسعفين ليقوموا بالفحوصات الضرورية اللازمة، أو لإعطاء الناجين بعض المهدِّئات.
وفي حالات الزلازل الكبرى؛ مثل الزلزال الأخير، تتكوَّن فرق الإنقاذ والأطباء من جنسياتٍ مختلفة، وبالتالي يحتاجون إلى مترجمين للتواصل فيما بينهم، أو للتواصل مع الناجين تحت الأنقاض.
قابلنا عدداً من الأطبّاء المسعفين في أبرز مدينتين تضرّرتا من الجنوب التركي: أنطاكية وكهرمان مرعش. حكوا لنا عن أبرز اللحظات التي مرّوا بها خلال محاولاتهم إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
صورة زوجها على هاتفي كان آخر ما تبقّى لها!
كانت عمليّات البحث عن ناجين لا زالت مستمرّة أمام أحد المربّعات السكنيّة التي تهدّمت بالكامل في كهرمان مرعش، عندما قابلنا "عمّار غوزي" وهو طبيب ألماني من أصل سوري.
كان عمّار في هذه اللحظات -في اليوم السابع من الزلزال- ينتظر أيّ نداءٍ من رجال الإنقاذ الذين ينقّبون عن أحياء تحت الأنقاض. هكذا تكون العمليّة: ما إن يجد المنقذون صوتاً أو إشارةً على وجود أي أحياء حتّى يبدأوا التنقيب للوصول لهم. بعد الوصول لهم يطلبون الأطباء ليقدّموا الإسعافات اللازمة. وكان عمّار أحد هؤلاء الأطبّاء.
"طلبني رجال الإنقاذ، فقد وجدوا إشارةً على وجود شاب تحت الأنقاض"، يحكي لنا عمّار عن أصعب موقف مرّ به. وصل عمّار تحت الأنقاض لكنّ الشاب كان متوفى، التقط عمّار صورةً له ليتعرّف أهله عليه، وما إن خرج حتّى وجد زوجته، امرأة عشرينية، لم تصدّق أنّ زوجها توفِّي حتّى رأت صورته على هاتف الطبيب عمّار.
"ظلّت تُقبّل صورته على هاتفي وهي منهارة، حتّى إنِّي تركته لها"، أراد عمّار أن يترك لها آخر ذكرى من زوجها: صورةً على هاتف طبيبٍ مُسعف جاء من ألمانيا تطوّعاً. ترك لها هاتفه لتحتفظ بصورة زوجها.
كان نبضه ضعيفاً..
أمّا "سما أكين" وهي طبيبة ألمانية من أصل تركي، فلم تتمالك نفسها من البكاء وهي تحكي عن شابٍّ عمره 24 عاماً. وصل له رجال الإنقاذ ووجدوه حياً، لكنّ نبضه كان ضعيفاً. ذهبت الطبيبة سما سريعاً، حاولت إسعاف الشاب بكلّ ما تستطيع، لكنّه كان يُسلم روحه "فعلنا ما بوسعنا، لكن للأسف، لم نستطع إنقاذه".
لم يتوقّف شعور الطبيبة سما "بالعجز" هنا فقط، بل كان الموقف الصعب هو رؤية انهيار أهله وهي تنقل لهم خبر وفاته بعدما عادت من تحت الأنقاض. "إنه لدمارٌ عظيم"، بهذه الكلمات الباكية وصفت التجربة التي عاشتها.
وصلنا إليها لكنّ الموت سبقنا إليها!
أمّا الطبيب الألماني "كولين بونزر" فقد كانت تجربته أخفَّ قليلاً من الطبيبة "سما"، فقد ساهم في إنقاذ 3 أشخاص من تحت الأنقاض، لكنّه أيضاً شعر بعجزٍ خاص في مشهدٍ آخر.
حصل رجال الإنقاذ على إشارات إلى احتمالية وجود بعض الأحياء أو الجثث في منطقةٍ ما من الأنقاض. بدأ الحفر على الفور واستدعوا الطبيب كولين. وصل رجال الإنقاذ جزئياً إلى مكان سيدةٍ حيّة، استطاع الطبيب أن يصل إلى "ذراع" السيدة، كانت واعيةً واستطاعت الشعور بذراعها عندما وصل لها. أعطاها حقنةً مهدِّئةً في ذراعها، ريثما يستطيع عُمّال الإنقاذ الحفر أكثر وإزالة الركام للوصول للسيدة وإنقاذها.
بينما يستمرُّ الحفر، وجدوا فتاتين، في الثالثة والرابعة من العمر، كانتا قد فارقتا الحياة، ربما كانتا ابنتيها. تشبَّثَ أمل المسعفين أكثر بإنقاذ المرأة عندما وجدا الطفلتين ميتتين.
كان لا يزال بينهم وبينها عوارض فولاذية. استمرّ الحفر واستخدم الحفّارون أدواتٍ لقصّ العوارض "كانت المسافة بيننا وبينها متراً واحداً تقريباً"، استطاع الحفّارون قطع العارضة الفولاذية أخيراً للوصول للسيدة، وما إن انقطعت العارضة حتّى سقطت المزيد من الأنقاض "رحلت السيدة بينما كنّا نحاول إنقاذها"، هكذا قال الطبيب والحسرة تملأ وجهه.
لم نستطع إنقاذهم حفاظًا على حياتنا
جاء "إندر يوريك" متطوعاً من بلجيكا، لديه أصول تركيّة ويعمل مترجماً بين المنقذين والأطباء والمسعفين من جنسياتٍ مختلفة (بالإنجليزية) والناجين الأتراك من تحت الأنقاض (بالتركيّة).
قابلناه أمام إحدى المربعات السكنية التي انهارت بالكامل، وصل إلى المنطقة المنكوبة رابع أيّام الزلزال "عملنا لأكثر من 30 ساعة ولم نستطع إنقاذهم".
وصل المسعفون إلى إشاراتٍ على وجود أحياء في إحدى بقع الأنقاض، بدأوا بالتواصل مع الضحايا أسفل الأنقاض، وبدأت عمليات الحفر للوصول لهم.
استمرّ العمل لأكثر من 30 ساعة متواصلة، لكن الذي منع المنقذين من استكمال عمليّة الإنقاذ أنّ بنايةً مجاورة كانت متضررة بشكلٍ كبير، ولو استمرّ الحفر كان يمكن أن تنهار، ويذهب المنقذون أنفسهم ضحايا عملية الحفر والإنقاذ التي يقومون بها.
توقّفت عملية الإنقاذ لإيجاد حلِّ للمبنى المُجاور المعرّض للانهيار في أيّ لحظة.
لم نستطع حتّى الآن التوثُّق مما إذا استطاع رجال الإنقاذ في هذا الموقع الوصول للضحايا أسفل الأنقاض، أم ظلّ البناء المجاور مُهَدِّداً لهم وللمنقذين على حدٍّ سواء.
"كأنّهُ الجحيم"
في اليوم التاسع من الزلزال قابلنا المهندس "رمضان" وفريقه، كانوا في طريق عودتهم إلى بلجيكا. أغلبهم مواطنون بلجيكيون أو ألمان، وأغلبهم أيضاً ذوو أصول تركيّة. فريق السيّد رمضان مهندسون ومترجمون، فهو يعمل في شركة هندسة بلجيكيّة-تركيّة، تركوا عملهم وجاءوا ليقدموا مساعدة فنيّة في عمليات الحفر للبحث عن ناجين تحت الأنقاض.
لم يشارك رمضان في أيّة عمليات إنقاذ، فأغلب الأماكن التي وصلوا لها كانت أماكن قديمة تهدّمت بشدّة من الزلزال؛ ولذلك لم يكن فيها ناجون.
لم يستطع حتّى الآن أن يتجاوز هذه المشاهد التي تعرّض لها كثيراً حيث يشرف على عمليّات الحفر.
"هل هناك أمل؟!" تسأله سيدة لديها ابنةٌ تحت الأنقاض، وهو نفس السؤال الذي يسألهُ أبٌ كلّ أسرته تحت الأنقاض "كان من الصعب أن نُعطي أجوبةً عن شيءٍ لا يمكن الإجابة عليه. في هذا الموقع الذي تواجدتُ فيه كان كأنّه الجحيم، لم نجد أحداً حياً!".