أكد محامون عن القيادي في حركة النهضة التونسية، نور الدين البحيري، الأربعاء 15 فبراير/شباط 2023، أنه صدر قرار بحبسه، وذلك بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، إلا أنهم ندّووا بذلك على اعتبار أنه صدر على خلفية تصريحات له خلال وقفة احتجاجية، ما يعني ضرباً لحرية الرأي في البلاد.
في حين لم تُصدر السلطات القضائية في تونس بياناً بخصوص قرار حبس البحيري، وزير العدل الأسبق، أكد عضو فريق الدفاع عن البحيري، سامي الطريقي، أن القرار يأتي على خلفية تصريحات أدلى بها القيادي في النهضة خلال احتجاج سابق، في 8 يناير/كانون الثاني 2023، كانت قد دعت إليه جبهة الخلاص المعارضة.
وقال عبر صفحته في "فيسبوك"، إن قرار حاكم التحقيق بالمحكمة الابتدائية متعلق كذلك بتدوينة، كان قد دعا فيها إلى التظاهر، في مسيرة 14 يناير/كانون الثاني 2023.
عبّر الطريقي عن استغرابه بأن الإحالة كانت جزائية، على أساس الفصل 72، أي من أجل التآمر على أمن الدولة، التي تصل عقوبتها إلى الإعدام.
بشأن الحالة الصحية للبحيري، الذي يبلغ من العمر 64 عاماً، قال: "نُعلم الرأي العام بأن البحيري طلب علاجه وعرضه على الفحص الطبي، باعتبار أن كتفه مكسورة ورجله تعاني من جروح"، مضيفاً أن الطبيبة المباشرة في مركز الإيقاف أشارت إلى ضرورة التدخل الطبي فوراً.
وأضاف: "رغم ذلك، تم الامتناع عن نجدته، وقضى قاضي التحقيق بإيداعه السجن في ملف يرتقي إلى مصاف المهزلة".
وأكد أن قضية البحيري "تكتسي خطورة من حيث مصادرة الحق في التعبير عن الرأي، ومن حيث تفاهة القرائن وانتقاء الأركان القانونية مطلقاً"، على حد تعبيره.
الاعتداء على البحيري أثناء الاعتقال
من جانبه، أوضح المحامي، عضو هيئة الدفاع أيضاً عن البحيري، مختار الجماعي، لوكالة الأناضول، أن قرار الحبس يأتي انطلاقاً من تصريح للبحيري خلال فعالية لجبهة الخلاص الوطني، يوم 8 يناير/كانون الثاني 2023، غرب العاصمة تونس، دعا فيه إلى "مقاومة الانقلاب مقاومة حضارية سلمية".
وكشف الجماعي عن أنه "وقع الاعتداء على البحيري خلال إيقافه" من العناصر الأمنية.
وذكر أن "البحيري طلب من حاكم التحقيق عرضه على الفحص الطبي، الأمر الذي رفضه الأخير، وأمر بإيداعه السجن".
وقال المحامي سمير ديلو، العضو كذلك في هيئة الدفاع عن البحيري، إن "الشرطة اقتحمت بيت نور الدين البحيري، واعتدت على زوجته واعتقلته".
وشدد على أن القرار بالحبس جاء على خلفية تصريحات للبحيري وليس على خلفية "تدليس وثائق" قضائية.
كذلك جاء في بيان لحركة النهضة، أنها "تحمّل سلطة الانقلاب مسؤولية تدهور صحة البحيري، بعد العنف والمعاملة اللاإنسانية التي تعرض لها خلال اعتقاله، ورفض علاجه أو حتى مجرد عرضه على الفحص الطبي".
النهضة التونسية تندد
في بيانها، الذي حمل اسم رئيس الحركة راشد الغنوشي، رفض الأخير اتهام نائبه المعتقل بـ"التآمر على الدولة".
وأدانت بشدة "سياسة التنكيل والتشفي التي طالت الأستاذ البحيري، وتطالب بإطلاق سراحه فوراً".
جاء في بيانها أيضاً: "تؤكد الحركة أنه لا صحة لما تم ترويجه حول إصدار بطاقة إيداع بالسجن بحق البحيري، بخصوص تدليس مضامين أحكام ذات صبغة قضائية، وأن بطاقة الإيداع جاءت على خلفية تصريح أدلى به البحيري بوقفة احتجاجية، ما يندرج ضمن الحقوق والحريات الدستورية في حرية التعبير والمعارضة والتظاهر السلمي المدني ضد نظام الانقلاب".
وصف البيان التهمة الموجهة للبحيري بـ"الزائفة"، وبأنها تهدف لـ"توسيع دائرة الاستهداف لتطال نقابيين وسياسين ورجال أعمال وإعلاميين، وليست سوى محاولة يائسة من نظام انقلابي عاجز للتغطية على الفشل في تحسين الأوضاع المعيشية المتدهورة، واهتراء المقدرة الشرائية للمواطنين، وتأزم الأوضاع على كل المستويات، وذلك باعتماد سياسات تكميم الأفواه وترهيب الشعب".
اعتبرت أيضاً أن ما يجري "تمهيد لمزيد من تفقير الشعب، واستباق للزيادات القريبة القادمة في الأسعار، التي تضمنها قانون النّهب الجبائي لسنة 2023″، على حد قولها.
في ختام البيان، طالبت الحركة بـ"الإفراج الفوري عن المعتقلين، والكفّ عن استهداف المعارضين للانقلاب، بعد تأكّد خلوّ الملفات من أي إدانات، وتلفيق التهم بغاية التشفي والتنكيل والانتقام وتكميم الأفواه".
إدانة أممية للاعتقالات في تونس
على صعيد الإدانات، أصدر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، تصريحات، الثلاثاء 15 فبراير/شباط 2023، تُندد بـ"تزايد القمع" في تونس، إثر موجة اعتقالات استهدفت سياسيين بارزين وشخصيات أخرى.
أعرب تورك في تصريحات نقلها المتحدث باسمه، جيريمي لورانس، خلال إيجاز صحفي في جنيف، عن قلقه إزاء "حملة القمع المتزايدة ضد المعارضين السياسيين والمجتمع المدني في تونس".
وقال: "نشعر بالقلق كذلك من أن بعض المعتقلين قد حوكموا أمام محاكم عسكرية، بسبب انتقادهم الحكومة"، داعياً السلطات التونسية إلى "الوقف الفوري لمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية".
طالب المفوض الأممي السلطات في تونس، بـ"احترام معايير الإجراءات القانونية، والمحاكمة العادلة، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين تعسفياً"، بمن فيهم أي شخص محتجز على خلفية ممارسته لحريته في الرأي أو التعبير.
الخارجية التونسية ترفض الانتقادات الحقوقية
في المقابل، رفض وزير الخارجية التونسي الجديد، نبيل عمّار، هذه الانتقادات، واعتبرها "متسرعة وغير دقيقة".
وقال في تصريح لوكالة "تونس إفريقيا للأنباء" الرسمية، إن "تصريحات بعض الجهات الأجنبية بخصوص الإيقافات الأخيرة متسرعة، وغير دقيقة، ومجانبة للصواب، وتمس استقلالية القضاء التونسي".
وأضاف الوزير التونسي أن الاعتقالات الأخيرة كانت بسبب "قضايا خطيرة تتعلق بالأمن القومي" للدولة التونسية، ولا علاقة لها بالنشاط السياسي أو الحقوقي أو الإعلامي.
تعليق سعيّد
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد، قال في أول تعليق له على موجة الاعتقالات التي تنفذها الشرطة منذ أيام، إن بعض المعتقلين يتحملون المسؤولية "عن نقص الغذاء وارتفاع الأسعار"، متعهداً بالمضي قدماً بنفس القوة والتصميم "لتطهير البلاد".
وقال سعيّد إن "الإيقافات الأخيرة أظهرت أن عدداً من المجرمين المتورطين في التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، هم وراء أزمات توزيع المواد الغذائية ورفع أسعارها".
وسبق أن اعتقلت قوات الأمن البحيري ومدير إذاعة موزاييك نور الدين بوطار، الإثنين 13 فبراير/شباط 2023.
وكان المحامي والسياسي التونسي غازي الشواشي، قد قال حينها للأناضول، إن القضاء يلاحق 7 أشخاص بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، منهم عبد الحميد الجلاصي (قيادي سابق بحركة النهضة)، وكمال لطيف (رجل أعمال)، وخيام التركي (قيادي سابق بالتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات)".
وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلنت السلطات وضع البحيري قيد الإقامة الجبرية بـ"شبهة إرهاب"، على خلفية استخراج وثائق سفر ومنح الجنسية التونسية بـ"طريقة غير قانونية"، قبل أن يتم رفعها يوم 8 مارس/آذار 2022، ليبقى على ذمة التحقيق.
في المقابل أعربت جماعات حقوقية عن قلقها المتزايد بشأن الحريات السياسية في تونس، منذ سيطرة سعيّد على معظم السلطات في عام 2021، وتحركاته لتولي السلطة النهائية على القضاء.
ويتهم سياسيون الرئيس سعيد بانقلاب يهدف إلى تفكيك الديمقراطية التي جلبتها ثورة 2011، فيما نفى سعيد ذلك قائلاً إن تحركاته كانت مشروعة وضرورية لإنقاذ تونس من الفوضى، ووعد بدعم الحقوق والحريات.
فيما اعتقلت السلطات، خلال الأشهر القليلة الماضية، عدداً من معارضي سعيّد السياسيين، أو فتحت تحقيقات معهم.