قالت صحيفة The New York Times الأمريكية، في تقرير نشرته السبت 11 فبراير/شباط 2023، إن مدينة أنطاكية التركية قامت بتشييد منظومة طبية سريعة جديرة بالثناء. بعد أن دمر زلزال يوم الإثنين 5 فبراير/شباط 2023 المستشفيات والمنازل على السواء، ما أعجز فرق الطوارئ في 10 مقاطعات عن تقديم الرعاية المناسبة للأشخاص المتضررين من المباني المنهارة.
كذلك، ولتكاتف الجهود لإنقاذ المواطنين من أسفل الركام، شيّد متطوعون من تركيا والعالم منظومة رعاية صحية جديدة مؤقتة وسط الدمار. وفي حين أُرسل المصابون بجروح بالغة إلى المستشفيات التي لم تتضرر في المقاطعات الأخرى لتلقي العلاج، ظهرت المستشفيات الميدانية في قلب منطقة الزلزال لعلاج الإصابات الطفيفة والأمراض التي تعقب الكوارث. وحتى الحيوانات الأليفة التي تم إنقاذها من تحت الأنقاض تتلقى رعاية طبية من المتطوعين في مستشفى بيطري مؤقت في أنطاكية.
مستشفى ميداني في أنطاكية لمواجهة الزلزال
توقفت سيارة إسعاف أمام مجموعة خيام حمراء تؤدي الآن دور المستشفى الرئيسي في مدينة أنطاكية المدمرة، صبيحة يوم الجمعة 10 فبراير/شباط. وكانت تحمل سيدة اُنتشلت من تحت أنقاض منزلها بعد قضائها ما يقرب من 100 ساعة تحتها. ورغم الكسر في إحدى ساقيها، وإصابتها في رأسها جراء سقوط كتلة خرسانية عليها، كانت محتفظة بوعيها وقادرة على الكلام.
هذه المعجزات باتت روتينية للأطباء في هذا المستشفى الميداني، الذي شُيّد على عجل في موقف للسيارات، لكنها لم تكن كافية أبداً. فمع انتشال أموات أكثر من الأحياء من تحت الأنقاض، تزداد المستشفيات ندرة كل يوم.
يقول خليل كباداي (25 عاماً) وهو ممرض في قسم الولادة، أي الخيمة الحمراء اللون، الذي ترك كل شيء وقدم من مدينة أزمير التركية ليتطوع: "الأفلام الدرامية لن تعني لك شيئاً لو أخبرتك بما مررت به ورأيته خلال الخمسة أيام الماضية".
استنفار بين أطباء تركيا بسبب الزلزال
يقول الدكتور فيريت كيليتش (38 عاماً)، وهو طبيب في غرفة الطوارئ في مستشفى حكومي في إسطنبول تطوع للمساعدة يوم الإثنين: "نحن، الفرق الصحية، هنا منذ خمسة أيام دون استحمام أو قضاء حاجة. لكن هذا ليس مهماً، إنقاذ الحياة هو ما يهمنا".
في حين قدم الدكتور كيليتش من إسطنبول على متن طائرة مليئة بالأطباء والممرضات المتطوعين. وأتت طبيبة بيطرية وصديقها من أنقرة وفي نيتهما مساعدة البشر، لكن انتهى بهما الأمر إلى علاج الحيوانات الأليفة. وانطلق جراح هندي وفريقه الطبي إلى تركيا، ضمن الفرق الطبية التي قدمت من أنحاء العالم لمساعدة ضحايا الزلزال.
قال ممتاز بويوكوكين (27 عاماً)، وهو طبيب متدرب من مدينة قونية التركية: "حين سمعت الأخبار، قلت لنفسي إنه لا يمكنني البقاء في المنزل". وقال إنه منذ وقع الزلزال يمضي وقته في بناء المستشفيات المؤقتة في مدرسة في مدينة إسكندرونة الساحلية، حيث توقف أحد مستشفيين عن العمل.
في المقابل، أثّرت حالة الطوارئ على حياة كثير من العاملين في المجال الطبي في المنطقة أيضاً، وهذا في أحيان كثيرة منعهم من المساعدة. ففي مدينة بازارجيك، القريبة من مركز الزلزال، تمكَّن خمسة أو ستة فقط من أفراد طاقم الإسعاف الثلاثة عشر- وهو واحد من اثنين فقط في البلدة- من العمل بعد يوم الإثنين، حسبما قال أحد المسعفين الذي فقد كثيراً من أقاربه. وانشغل البقية بدفن أفراد في عائلاتهم أو البحث عن أماكن جديدة ليعيشوا فيها.
في حين قال المسعف إيمري توكغوزلو: "لم أتمكن من العودة إلى العمل. أنا منشغل بعائلتي منذ وقع الزلزال".
لمّ شمل عائلات المصابين
مع تراجع حجم الفوضى والصدمات عن الأيام الأولى التي أعقبت الكارثة، أصبح كثيراً ما يقع على عاتق الأطباء ليس علاج جروح المرضى فقط وإنما محاولة لم شملهم بأفراد عائلاتهم أيضاً، على افتراض أنهم على قيد الحياة: الآباء والأمهات الذين فرّقهم الزلزال عن الأبناء، والأبناء عن الأشقاء، والحيوانات الأليفة عن أصحابها، وقليل منهم ينجح في العثور على مفقوديه بمفردهم، لأن الكهرباء وخدمات الهاتف المحمول لا تزال شحيحة.
في سياق متصل، تتدفق موجات جديدة من المصابين: أناس من قرى ريفية، علقوا في الطرق المغطاة بالثلوج أو المتضررة، ولم يتمكنوا من الوصول إلى المساعدة حتى الآن؛ وأناس كانوا منهمكين في البحث عن أقاربهم الذين غطتهم الأنقاض أو عن مركز إيواء لعلاج جروحهم الطفيفة؛ وأناس أصيبوا أثناء عودتهم إلى منازلهم غير المستقرة لاستعادة أغراضهم. وظل كثير من الناس، بعد أن أصبحوا دون مأوى فجأة، طوال الأسبوع، دون علاجات للأمراض المزمنة مثل الربو والسكري وارتفاع ضغط الدم.
قلق بسبب نوم الأهالي في البرد
قال الأطباء في مقاطعة هطاي، وأنطاكية أكبر مدنها، إنهم قلقون أيضاً من الآثار الصحية للنوم في البرد لأيام، الذي تعرض له كثير من النازحين بعد الزلزال.
إذ يعيش مئات الآلاف في خيام مزدحمة دون دورات مياه أو استحمام أو صابون أو طعام مغذٍّ، والظروف مهيأة لانتشار الأمراض المعدية. ويعمد الناس إلى إشعال كل ما تصل إليه أيديهم ليدفئوا أنفسهم في درجات الحرارة المنخفضة، وهذا أصابهم بسعال مستمر جراء الدخان. ويقول الأطباء إن غياب دورات المياه، وحتى دورات المياه المتنقلة، جعل الناس يشربون كميات أقل مما ينبغي لتجنب الاضطرار لقضاء حاجتهم في العراء، وهذا أدى إلى إصابتهم بالجفاف.
في حين يتوجه عديد من الناجين الذين لم يجدوا لهم مأوى إلى العيادات المؤقتة الصغيرة مثل التي يديرها الحزب الشيوعي التركي على الجانب الغربي من أنطاكية لعلاج الأمراض اليومية والإصابات الطفيفة.
جاءت الطبيبة، أصلهان تشاكال أوغلو (45 عاماً)، إلى أنطاكية من العاصمة أنقرة. وقالت إنها وفريقها كانوا في البداية مصعوقين من حجم الكارثة، وهي مشكلة كان حلها الوحيد الاستمرار في العمل. وقالت: "شعور مؤلم أن تعرف أن كثيرين تحت المباني المنهارة ولا يمكنك الوصول إليهم وإنقاذهم. لكننا الآن ننظم أنفسنا ونؤدي واجبنا".