وصلت الشحنة الأولى من المساعدات الدولية إلى السكان المكروبين في شمال غرب سوريا، الخاضع لسيطرة المعارضة، الخميس، 9 فبراير/شباط 2023، فكان ذلك بمنزلة الانتصار الصغير لمئات الآلاف الذين طال انتظارهم أياماً للمساعدة في انتشال الضحايا المدفونين تحت الأنقاض، والعون لإيجاد السكن الآمن والطعام للمتضررين من الزلزال الذي تعرضت له المنطقة، بحسب ما أفادت صحيفة The New York Times الأمريكية.
لكن الناجين وعمال الإنقاذ والأطباء عبّروا عن خيبة أملهم لوصول المساعدات بعد ضيق الوقت المتاح للإنقاذ وفواته، فضلاً عن أن المساعدات التي جاءت في الشاحنات الست التي أمدَّتهم بها الأمم المتحدة، كانت قد جُمعت قبل وقوع الزلزال، ومن ثم افتقرت إلى بعض الإمدادات التي كانوا في أمسّ الحاجة إليها، مثل الطعام، وجلبت مواد أقل أهمية.
بدوره، قال محمد الشبلي، المنتمي إلى مجموعة "الخوذ البيضاء" للدفاع المدني، "لو جاءت فرق الإنقاذ الدولية إلى سوريا في الساعات الأولى عقب الزلزال أو حتى في اليوم الثاني، لكان لدينا أمل كبير في إخراج الضحايا الذين كانوا تحت الأنقاض أحياء".
وطالب الشبلي الأممَ المتحدة وقادة العالم بإرسال عمال إنقاذ وآليات حفر ثقيلة لنقل الأنقاض، واصفاً المساعدات التي وصلت المنطقة بأنها لا نفع منها للسكان الذي لجأوا إلى الحفر بأيديهم للبحث عن الناجين وإخراج جثامين أحبابهم. وأضاف مستنكراً وهو يغالب دموعه: "أي نفع يعود للأطفال [القتلى] تحت الأنقاض من الحفاضات؟!".
وأثَّر الزلزال في مساحة واسعة من شمال غرب سوريا، وامتدت آثاره إلى المناطق التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد والمناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة على مشارف الحدود التركية.
فيما انتشرت فرق الإنقاذ، التي تعمل بلا توقف منذ وقوع الزلزال يوم الإثنين، في جميع أنحاء البلاد في سباق مع الزمن لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الضحايا، وقال الشبلي: "بعض الناس شاركونا وصاياهم الأخيرة من تحت الأنقاض. فهم يطلبون منا نقل رسائل الوداع لأحبابهم، ويخبروننا بأسمائهم، ثم يموتون".
وتعثرت قافلة المساعدات التابعة للأمم المتحدة في الطريق إلى سوريا بسبب التي الأضرار التي لحقت بالطرق جراء الزلزال، والتي عطَّلت أيضاً وصول العمال المحليين الذين يتحققون من المساعدات وينقلونها.
دخلت القافلة من تركيا إلى سوريا من خلال معبر باب الهوى الحدودي، الذي لا يزال منذ سنوات الممر الوحيد لمساعدات الأمم المتحدة في مناطق المعارضة السورية. وقال متحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الشاحنات كانت تحمل مواد إيواء وسلعاً غير غذائية.
وقال ينس ليرك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، إن "الشحنة الأولى اختبار" لمرور المساعدات، والغاية منها التحقق من أن الطرق سالكة. وقال إن المنظمة تأمل في إيصال أكبر قدر ممكن من المساعدات إلى شمال غرب سوريا في أقرب وقت ممكن.
فيما قالت الأمم المتحدة إن ما يقرب من 11 مليون شخص في سوريا تضرروا جراء الزلزال، ويعتمد نحو 4 ملايين منهم على وكالات الإغاثة لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية مثل المياه النظيفة وإمدادات الطعام.
وكرر الأطباء السوريون نداءات الاستغاثة المطالبة بتقديم مزيد من المساعدات عاجلاً، لا سيما وأن الحرب الأهلية التي أعقبت الثورة السورية منذ 10 سنوات قد دمرت نظام الرعاية الصحية في البلاد، وقد وجدوا أنفسهم الآن في غمار أزمة إنسانية جديدة.
في السياق، قال الدكتور محمد الأبرش، الجراح، البالغ من العمر 60 عاماً، في مدينة إدلب، إنهم استقبلوا مئات الجرحى منذ يوم الإثنين، وقد "كنا نعاني نقص الإمدادات قبل الزلزال، ولم يزدنا الزلزال إلا حاجة إليها".
من جهة أخرى، قال الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، 8 فبراير/شباط، إنه سيعمل مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لإيصال المساعدات إلى جميع المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والنظام في سوريا، بعد أن تقدمت حكومة بشار الأسد بطلب رسمي للمساعدة.
في الوقت ذاته، حث مسؤولون في النظام السوري على رفع العقوبات الغربية، التي قالوا إنها تعرقل وصول المساعدات إلى سوريا، لكن الاتحاد الأوروبي رفض هذا الادعاء، وقال إن العقوبات تتضمن استثناء للمساعدات الإنسانية.
يأتي ذلك فيما عارض نظام الأسد المساعي المبذولة لإرسال المساعدات مباشرة إلى مناطق المعارضة، وأصرّ على مرور جميع المساعدات عبر الحكومة في دمشق.