بينما خرج ملايين الفرنسيين للاحتجاج على مشروع إصلاح التقاعد الذي تحاول حكومة الرئيس ماكرون فرضه، بدأت الحكومة المغربية تختبر مدى قابلية المواطنين لقبول الإصلاح، الذي تعتزم إجراءه في أنظمة التقاعد في المغرب، خاصة فيما يتعلق برفع سن التقاعد إلى 65 عاماً، وسط رفض من النقابات العمالية في المملكة.
يأتي ذلك بعد أن اقترحت دراسة أنجزها مكتب دراسات بطلب من الحكومة المغربية، نهاية عام 2022، رفع سن التقاعد في المغرب إلى 65 سنة في القطاعين العام والخاص، مع العلم أن سن التقاعد حالياً بالقطاع العام محدد بـ63 سنة، وفي القطاع الخاص بـ60 سنة.
كما أوصت الدراسة بضرورة رفع نسبة الاشتراكات في القطاعين العام والخاص لمواجهة أزمة نفاد احتياطيات أنظمة التقاعد، التي يهددها الإفلاس، وفق ما ذكرته تقارير إعلامية محلية.
الحكومة تتجه لرفع سن التقاعد في المغرب
بينما لم تطرح الحكومة المغربية مشروع إصلاح أنظمة التقاعد للتشاور مع النقابات قبل تحويله للبرلمان، تراهن وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح علوي، على طي ملف التقاعد قبل سبتمبر/أيلول المقبل، مؤكدة على أنه لا توجد حلول سهلة للإصلاح الذي تعتبر أنه لا يهم فقط سن التقاعد والمساهمات، بل يشمل صناديق التقاعد.
حيث ذكرت الوزيرة خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي)، الثلاثاء، 7 فبراير/شباط 2023، أن اجتماعين عقدا مع النقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب حول إصلاح نظام التقاعد، حيث تم مدهم بخلاصات الدراسة التي أُنجزت قبل 4 أعوام حول تشخيص وضعية أنظمة التقاعد.
أضافت الوزيرة المغربية أن اجتماعاً سيُعقد في فبراير/شباط الجاري بهدف تحيين معطيات تلك الدراسة التي أنجزت قبل 3 أعوام، قبل الشروع في مارس/آذار المقبل في تدارس سيناريوهات إصلاح التقاعد في المغرب، وفق ما نقله موقع "SNRT news" المغربي.
كما شددت وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية على أنه لا توجد حلول سهلة لإصلاح أنظمة التقاعد، حيث تؤكد على ضرورة بذل جهود من قبل الدولة والنشيطين والمتقاعدين والأجيال المقبلة بهدف الوصول إلى الإصلاح.
بينما أشارت إلى أن التدابير التي اتُّخذت في السابق لم تفض إلى الوصول إلى حلول كافية، مؤكدة أن الحكومة عاقدة العزم على مباشرة النقاش مع جميع الفرقاء من أجل إيجاد حلول لأنظمة التقاعد في المغرب.
فيما عبرت عن أسفها لأن منظومة التقاعد التي ستكون موضوع إصلاح لا تهم سوى 42% من المغاربة. وأشارت إلى 58% من المغاربة غير مشمولين بأنظمة التقاعد، مؤكدة أن ذلك سيأتي ضمن الإصلاح الشمولي للتغطية الاجتماعية في الأعوام الثلاثة المقبلة.
كما قالت إن الصناديق الثلاثة المتمثلة في الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تعاني من عجوزات تقنية.
النقابات ترفض خطة الحكومة
رد النقابات العمالية في المغرب على الخطة الحكومية بشأن إصلاح أنظمة التقاعد في المغرب لم يتأخر كثيراً، حيث عبر الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الميلودي موخاريق، الأربعاء، 8 فبراير/شباط، عن رفض نقابته لتوجه الحكومة إلى رفع سن التقاعد إلى 65 سنة.
موخاريق قال في تصريح نقله موقع "هسبريس" إن الاتحاد المغربي للشغل: "يرفض رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، ويرفض كذلك الزيادة في الاقتطاعات، لأنها تضرب القدرة الشرائية، كما يرفض تخفيض معاشات التقاعد الضعيفة أصلاً، التي لا تضمن للمتقاعد العيش اللائق، إذ يجد نفسه يتسول أمام الشركة التي كان يشتغل بها".
بينما أشار المسؤول النقابي المغربي أن الاتحاد المغربي للشغل لم يتوصل بأي دعوة من الحكومة قصد عقد لقاء ومناقشة إصلاح أنظمة التقاعد في المغرب، وقال: "لم نتوصل بأي دعوة، لم نتوصل بعد بأي دعوة، سواء لمناقشة هذا الموضوع أو غيره من المواضيع التي لها ارتباط بالحركة النقابية".
من المرتقب أن تعقد الحكومة المغربية يوم 14 فبراير/شباط الجاري اجتماعاً بحضور ممثلين عن الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب. وسيعرف الاجتماع تقديم الحكومة عرضاً حول الوضعية الحالية لصناديق التقاعد قبل عرض رؤيتها للإصلاح المرتقب.
دراسة "مثيرة للجدل"
خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022، سلمت وزارة الاقتصاد والمالية المغربية نتائج دراسة أجراها مكتب خاص بطلب من الحكومة حول صناديق التقاعد في المغرب، لكن سرعان ما تم تسريب مضامين الدراسة والإصلاحات التي تنوي الحكومة تطبيقها.
حسب نتائج الدراسة، فإن الهدف من هذا الإصلاح هو ضمان ديمومة منظومة التقاعد على المدى الطويل، وإرساء العدالة والحفاظ على الحقوق المكتسبة، والحفاظ على الاحتياطيات، نظراً لأهميتها في تمويل الاقتصاد. ورأت نتائج الدراسة أن هذه الإصلاحات تروم إلى تعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد للتقاعد في المغرب.
كما أوضحت الدراسة أن نظام المعاشات المدنية للموظفين الحكوميين سيستنفد احتياطياته، التي تقدَّر بـ68 مليار درهم (6.8 مليار دولار)، بحلول سنة 2028، فيما سيستنفد نظام التقاعد في القطاع الخاص احتياطياته المقدرة بـ61 مليار درهم (6.1 مليار دولار) في سنة 2038.
بينما أشارت إلى أنه من أجل الوفاء بالتزاماته، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد (مؤسسة تدبر تقاعد الموظفين) حوالي 14 مليار درهم (1.4 مليار دولار) سنوياً لتمويل عجز النظام، ما لم يتم إصلاحه.
فيما كانت لجنة وطنية كُلفت منذ سنوات بوضع تصور لإصلاح أنظمة التقاعد في المغرب قد أوصت باعتماد منظومة القطبين لنظام المعاشات المدنية. وفي سنة 2016 تم تطبيق إصلاح جزئي برفع سن التقاعد للموظفين الحكوميين إلى 63 سنة، ورفع المساهمات في النظام من 20 إلى 28%، مما مكن من تأجيل أفق استدامة النظام من 2022 إلى 2028.