كشف تقرير لمنظمة الشفافية الدولية، الثلاثاء 7 فبراير/شباط 2023، عن امتلاك مجهولين بينهم شخصيات مقربة من روسيا، آلاف العقارات في بريطانيا رغم العقوبات التي فرضتها لندن على موسكو؛ بسبب الحرب في أوكرانيا.
يأتي التقرير رغم محاولات الحكومة البريطانية منذ بداية الحرب الأوكرانية في 24 فبراير/شباط 2022، وقف تدفق الأموال الروسية المشبوهة إلى المملكة المتحدة.
وأوضح أن قرابة 52 ألف عقار في بريطانيا يملكها مستثمرون مجهولون بينهم "مقربون من الكرملين".
شركات سرية
وبحسب التقرير الذي نشرته وكالة الأنباء الفرنسية ولم تنشره بعد المنظمة على موقعها في الإنترنت أو منصاتها الأخرى، فإن قيمة العقارات تبلغ أكثر من 6,7 مليار جنيه إسترليني ، أي نحو 8,1 مليار دولار أمريكي.
تشمل العقارات التي يملكها مقربون من الكرملين مبانيَ فاخرة في لندن، تم شراؤها "بأموال مشبوهة" عبر "شركات أوف شور سرية (ما وراء البحار)".
يستخدم مصطلح شركة خارج الحدود "Offshore Company" لوصف شركة تم تأسيسها أو تسجيلها في مركز مالي خارج حدود الوطن، أو في ملاذ ضريبي أو تشترك في تصنيع أو خدمات أعمال تجارية خارج حدود البلاد.
ووفقاً لتقرير منظمة الشفافية، فإن أكثر من خُمس الأموال، أو 1,5 مليار جنيه، التي استثمرت في العقارات داخل المملكة المتحدة "يشتبه بأنها من روسيا"، أو لجهات "تخضع لعقوبات أو لمقربين من الكرملين".
بريطانيا والأموال الروسية
تقول بريطانيا إنها تشن حملة منذ العام الماضي، استهدفت الأموال الروسية المتدفقة من شركات وهمية وملاذات ضريبية، وآخرها ما أطلقته الحكومة في أغسطس/آب 2022، من سجل جديد "للكيانات الخارجية"، يطالب الشركات الأجنبية بإعلان المستفيد النهائي من أي ممتلكات تستحوذ عليها في المملكة المتحدة.
أكثر من 18 ألف شركة خارجية تمتلك مجتمعة نحو 52 ألف عقار في بريطانيا وويلز، بحسب التقرير، الذي تابع بأن تلك الشركات "إما تجاهلت القانون بالكامل أو قدمت معلومات تجعل من المستحيل على العامة معرفة من يملكها".
وأفاد بأن "هذا يشمل الشركات التي يُقال إنها مملوكة لفاسدين وأوليغارشيين (رجال أعمال مقربون من الكرملين) أو أفراد خاضعين للعقوبات".
ووصفت المنظمة بريطانيا بأنها لا تزال "مركزاً" للأموال غير الشرعية، وحضَّت على "مزيد من الإجراءات الحكومية".
بريطانيا "مركز للأموال القذرة"
من جانبه، قال مدير السياسات في المنظمة، دانكين هايمز، إن "الشفافية بشأن من يملك حقاً العقارات هنا هي أمر حيوي لمعالجة دور بريطانيا كمركز عالمي للأموال القذرة".
وعن عدد الشركات التي تلتفّ على القانون في المملكة المتحدة، قال: "تكشف تحليلاتنا أن هناك عدداً كبيراً جداً منها لعدم معرفة وجودها أو لأن السلطات تتجاهلها تماماً".
وحذر من أنه "دون تحرك من البرلمان لسد الثغرات في القانون والتطبيق الفعال، فإن هذا الإصلاح الواعد سيفشل في تحقيق هدفه المتمثل في توفير أماكن أقل لإخفاء الثروات الفاسدة".
ولم يصدر تعليق بعد من الحكومة البريطانية أو الكرملين على تقرير منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية.
يُذكر أن تقارير إعلامية غربية عدة صنَّفت لندن في عام 2022 بأنها "عاصمة للأموال القذرة" في العالم، وفق وصف أطلقته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وذكرت "FT" حينها أن بريطانيا لم تغضّ الطرف فقط عن الأموال الروسية، ولكنها رحبت بها، في إشارة إلى ثروات رجال الأعمال الروس المعروفين بطبقة "الأوليغارشية الروسية" الذين جنوا أرباحا طائلة بعيد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991.
توصف بريطانيا بأنها مركز مالي منفتح، إلا أنها تفتقد بحسب الصحيفة قواعد عملية وواضحة في مجال التدقيق المالي، مؤكدة غياب القدرة على التحقق من المعلومات والمعطيات الخاطئة وإزالتها من السجل.
وعن مسؤولية الحكومات البريطانية المتعاقبة في استفحال هذه الظاهرة، قالت إن التحول الكبير في هذا الإطار بدأ في عهد رئيسة الوزراء الراحلة، مارغريت تاتشر، عندما قررت تحرير قطاع الخدمات المالية.
وتدفق الأثرياء الروس إلى العاصمة البريطانية منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا. وكان بعضهم يبحث عن بيت مستقر لثروة مشروعة، وحاول البعض الاستفادة من منافع الضريبة، وبحث آخرون عن طرق لتبييض أموالهم التي حصلوا عليها في ظروف لا تُعد إجرامية إلا أنها تظل فاسدة في أعين الغربيين.
ولدى لندن سلسلة من البيوت الراقية وهي مناسبة لحزم المال الجاهزة للتبييض. بالإضافة لصناعة ظهرت حول هذه الثروات من محامين ومحاسبين ومصرفيين ومهنيين في مجالات أخرى منحوا التأكيدات السرية والمكلفة أيضا، ما دفع بوكالة الجريمة الوطنية إلى القول إن بريطانيا لديها مشكلة غسيل أموال تصل إلى 100 مليار جنيه في العام.