قالت وزارة الخارجية الأمريكية، في تقريرٍ أُرسل إلى الكونغرس، الثلاثاء 31 يناير/كانون الثاني 2023، إن روسيا انتهكت معاهدة ستارت الجديدة، المتعلقة بتخفيض الأسلحة النووية طويلة المدى، وذلك من خلال رفضها السماح بإجراء عمليات التفتيش الميدانية، ورفض طلبات واشنطن من أجل الاجتماع لمناقشة الشواغل المتعلقة بامتثال موسكو للاتفاقية، بحسب ما نقلت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
تمثل نتائج تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، التي تقول إن موسكو في حالة "عدم امتثال" للمعاهدة، المرة الأولى التي تتهم فيها الولايات المتحدة روسيا بانتهاك المعاهدة، التي دخلت حيز التنفيذ في 2011.
أضافت الخارجية الأمريكية أن غياب عمليات التفتيش رفع من صعوبة التحقق من عدد الرؤوس الحربية التي نشرتها روسيا بموجب المعاهدة.
تهديد التعاون النووي
تأتي هذه النتائج في خضم مخاوف من احتمالية أن تؤدي التوترات الحادة حول غزو روسيا أوكرانيا، إلى تهديد آفاق التعاون حول مراقبة الأسلحة والتفاوض على اتفاقٍ لمتابعة المعاهدة، يمكن أن يسري بعد انتهاء معاهدة ستارت الجديدة في عام 2026.
وتحرص إدارة بايدن على المحافظة على معاهدة ستارت الجديدة، التي تعد آخر اتفاقية رئيسية تنظم التنافس النووي بين القوتين، وتضغط على روسيا من أجل تصحيح أوضاعها على صعيد هذه الانتهاكات.
بدوره، قال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية، لصحيفة "وول ستريت جورنال": "ثمة مسار واضح لمعاودة الامتثال هنا، ونحن نواصل تثمين المعاهدة بقوة. كلا المثالين على عدم الامتثال يمكن تصحيحه بسهولة".
روسيا تلقي اللوم على أمريكا
كان المسؤولون الروس على علم بأن وزارة الخارجية الأمريكية كان من المقرر لها أن ترفع في وقت قريب تقريرها إلى الكونغرس الأمريكي حول عدم امتثال موسكو لمعاهدة ستارت الجديدة، وسعوا إلى إلقاء اللوم على الولايات المتحدة بسبب تراجع التعاون لتطبيق الاتفاقية.
وخلال حديث مع الصحيفة الروسية Kommersant في الأسبوع الماضي، قال سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، إنه كان من الصعب معالجة شواغل واشنطن "ما دامت الولايات المتحدة لا تعيد حساباتها في نهجها شديد العدائية تجاه روسيا".
تعليق عمليات التفتيش
وعُلقت عمليات التفتيش في مارس/آذار 2020 بناء على اتفاق مشترك في أعقاب انتشار جائحة كوفيد-19. لكن التوترات حول أوكرانيا لاحقاً تلقي بظلالها على المعاهدة. فعندما سعت الولايات المتحدة لاستئناف عمليات التفتيش في أغسطس/آب 2022، امتنعت روسيا.
ويقول تقرير وزارة الخارجية الأمريكية إنه برغم أن روسيا ذكرت تعقيدات تنفيذ عمليات التفتيش في خضم الجائحة، فإن رفض موسكو ينبع من عدم رضاها عن استجابة الولايات المتحدة للغزو الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا.
وقد تفاقمت المشكلات عندما سعت الولايات المتحدة لمناقشة شواغلها حول استئناف عمليات التفتيش في جلسة اللجنة الاستشارية الثنائية لمعاهدة ستارت الجديدة، التي تأسست لمناقشة تطبيق بنود المعاهدة.
كان من المخطط عقد الاجتماع في مصر في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن المسؤولين الروس انسحبوا في اللحظة الأخيرة، ولم يتفقوا على موعد جديد، وهو ما تقول عنه وزارة الخارجية الأمريكية إنه مثال ثانٍ على "عدم الامتثال".
تحذير من "خروقات"
لكن المشرعين الجمهوريين حذروا من أن الانتهاكات الروسية قد تعقبها خروقات لبنود المعاهدة أشد وطأة، مما قد يمكِّن موسكو من توسيع قوتها، وقالوا إن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في حاجة إلى الاستعداد لتعديل حجم قوتها استجابة لذلك.
في السياق، قال النائب الجمهوري مايك روجرز، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب: "ليس هناك الآن معاهدة واحدة لم تنتهكها، أو لا تنتهكها، روسيا. تحتاج هيئة الأركان المشتركة إلى افتراض أن روسيا تخرق، أو سوف تخرق، حدود معاهدة ستارت الجديدة. أريد أن أرى الخطط للكيفية التي سوف ترد بها الولايات المتحدة".
وقالت لين روستن، المسؤولة الأمريكية الكبيرة السابقة، التي تشغل الآن منصب نائبة رئيس مبادرة التهديد النووي غير الربحية التي تركز على القضايا الأمنية: "تمثل هذه المرة الأولى التي أستطيع تذكرها، والتي تُعَرقَلُ فيها عملية التطبيق الروتينية للمعاهدة بسبب التوترات السياسية الأوسع، بدلاً من عزلها (عن هذه التوترات)".
أضافت: "ومع السيطرة على الجائحة، فإن الإخفاق في استئناف عمليات التفتيش الخاصة بالمعاهدة يبدو غير مبرر وغير مقبول".
فيما قال داريل كيمبل، الرئيس التنفيذي لرابطة الحد من الأسلحة الأمريكية غير الحزبية المستقرة في واشنطن، إن الصعوبات يمكن أن تجسد مشكلات أمام التفاوض على أي اتفاق محتمل لمتابعة المعاهدة.
وأوضح كيمبل: "سوف تنتهي ستارت الجديدة بعد 1101 يوم بالضبط. كلما أعاق بوتين المشاركة الناجعة في دبلوماسية السيطرة على الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة، زادت احتمالية أن تُترك كلتا الترسانتين النوويتين الأمريكية والروسية غير مقيدة للمرة الأولى منذ عام 1972".