وصفَ مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي السابق، قاسم سليماني بلوحة "رامبرانت" الفنية التي سيصعب على إيران إيجاد بديل لها، وذلك بعد تنفيذ اغتياله بقرارٍ صادرٍ من إدارة ترامب في يناير/كانون الثاني 2020.
وأفرد بومبيو الذي كان يشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، فصلاً كاملاً من كتابه المنشور حديثاً "Never Give An Inch"، للحديث عن الأسباب التي دعتهم آنذاك إلى اتخاذ هذا القرار، قائلاً إنه كان وراء التوصية بقتلِ الجنرال الإيراني شخصياً.
أسباب استهداف سليماني وقادة الشرق الأوسط
اعتبر مايك بومبيو في كتابه المنشور حديثاً، أن إدارة ترامب ورثت إخفاقات الإدارة التي سبقتها -في عهد أوباما- في الملفّ الإيراني، فقد أمضى أوباما فترته في محاولة استرضاء الإيرانيين وأعطى آية الله المال والوقت ومهّد الطريق لبرنامج الأسلحة النووية، وفقاً لتعبيره.
وقال بومبيو إن سياسة أوباما و"أحلامه" بتحسّن السلوك الإيراني مع الاسترضاء والمدفوعات أبدت فشلها الواضح، إذ استمرّت السيطرة الإيرانية الكاملة على الشرق الأوسط، وتابع النظام الإيراني سرّاً مساره في العمل النووي المحظور في ظل الاتفاق النووي، وهو ما دفع إدارة ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق والقيام بحملة مكثفة من الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على إيران.
وتابع بومبيو باستذكار عام 2019، حين بدأ الاقتصاد الإيراني بالترنّح بسبب العقوبات الاقتصادية، مستذكراً ردّ النظام الإيراني على تدهور الحال ومُعتبراً أن قادة النظام الإيراني تصرّفوا كأنهم "خارجون عن القانون"، وذلك بزرعهم الألغام في السفن التي ترفع أعلاماً دولية، وتخصيبهم اليورانيوم علانية، وتصرفهم بطريقة تحثّ الدول على التراجع عن ممارسة الضغوط ضدها.
واعتبر بومبيو أن قائد قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري قاسم سليماني، كان "المدير لدفّة الإرهاب الإيراني"، وقال بومبيو إنه كان معنيّاً بدراسة حالة سليماني حتى قبل أن يترأس وكالة المخابرات المركزية، وشبّه "وجهه العسكري" وحضوره ببطل دعايات "الرجل الأكثر إثارة للاهتمام في العالم" المروّجة لأحد المشروبات الكحوّلية.
وقال بومبيو إن سليماني زرع "الخوف الحقيقي" في قلوب قادة الشرق الأوسط، وإنه كان وراء عدد لا يحصى من التفجيرات والاغتيالات وزعزعة الاستقرار، مؤكداً أنه السبب وراء مقتل أكثر من ستمئة جندي أمريكي خلال حرب العراق.
وفي هذا السياق، استدل بومبيو على مدى امتداد سلطة سليماني في الشرق الأوسط، بإيراده لمجريات أحد الأحاديث بينه وبين رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، وذلك عند استضافة الأخير له في قصرِه عام 2017.
وذكر بومبيو أنه طرح على العبادي سؤالاً عما إذا كان للعراق أن يتوقّف عن استيراد الكهرباء من إيران في حال قدمت الولايات المتحدة الأمريكية دعماً مالياً بالمقابل؟ والخيار الثاني أن العراق سيتعرض لخطر العقوبات الأمريكية على شبكته الكهربائية الوطنية.
وقال بومبيو إن رئيس الوزراء العراقي العبادي نظر إليه بمنتهى الجدية وقال: "السيد المدير، عندما تغادر سيأتي قاسم سليماني ليراني. ربما تأخذ مني أموالي، لكنه سيأخذ حياتي نفسها".
"سليماني يتذوق الانتقام الأمريكي"
قال بومبيو في فقرةٍ جاءت بعنوان "سليماني يتذوق الانتقام الأمريكي"، إن إدارة ترامب توقعت أن مقتل سليماني سيجعل إيران تتوجه بسرعة لاستبداله بـ"الخيار التالي الأفضل"، لكن بومبيو زعم أنه لا يمكن لإيران أن تجد أحداً يقارب سليماني بمزيج "السلطة والعقل والوحشية والقبول العام" لديها، ومشبّهاً قيمته بلوحات رامبرانت الفنية العصيّة على الاستبدال.
وتابع بومبيو بالقول بأنه كان هو من اقترح على ترامب اغتيال سليماني باعتباره هدفاً عسكرياً مشروعاً: "سليماني يسافر من بيروت إلى دمشق إلى بغداد. إنه يسافر في رحلات تجارية ونحن نعرف مسار رحلته"، ومضيفاً أن قرار الاغتيال جاء بعد حادثة مقتل المتعاقد العسكري الأمريكي نورس وليد حماد إثر هجوم صاروخي من ميليشيات موالية لإيران على قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة كركوك شمال العراق في ديسمبر/كانون الأول 2019.
ووفقاً لبومبيو، أطلع وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر ورئيس الأركان مارك ميلي، ترامب على خطة الاغتيال، وأوضح بومبيو لترامب بعدها أنهم سيتواصلون مع الإيرانيين مباشرة بعد الضربة؛ لتوضيح أنها ليست محاولة لقطع رأس النظام، لكنهم مستعدون للتصعيد في حال استدعى الأمر.
وقال بومبيو إن ترامب وافق على الفور قائلاً: "هيا بنا"، لكن بعد النهوض تذكر بومبيو فأعقب بالقول: "سيدي الرئيس، تذكير آخر، سنوجه صاروخاً من مسافة ستة آلاف ميل ليضرب مطاراً دولياً. لم نقم بشيء مماثل من قبل".
ووصف بومبيو أن مسألة المخاطر المحتملة على المدنيين وتعقيدات موقع الضربة باعتبارها "فكرة متأخرة" جاءته عند الحديث مع ترامب، وأضاف أنه كان مرتاحاً للمخاطر المحتملة، لأن خطتهم تتضمن السيطرة على المجال الجوي لأهم خمس دقائق، ولن يتعرض للأذى أحد من المدنيين ما عدا من هم على متن طائرات سليماني التجارية.
وأضاف بومبيو أن الخطة كانت تتعمد استهداف سليماني بعد نزوله من الطائرة، ودخوله لسيارته و"ابتعاده قدر الإمكان عن تلك الطائرة" وقبل مغادرة المطار.
حُددت خطة الاغتيال لتُنفّذ في 3 يناير/كانون الثاني 2020، وأبلغ ترامب الشركاء المعنيين وضمنهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويشمل ذلك إسرائيل والشركاء في الخليج العربي.
وبعد ذلك، يصف بومبيو لحظات الاغتيال، حيث كان بومبيو مع إسبر وميلي في البنتاغون وترامب في فلوريدا، كان أفراد الاستخبارات الأمريكية يتعقّبون سليماني في تحركاته، وعند هبوط سليماني في المطار بعد منتصف الليل بتوقيت بغداد في 3 يناير/كانون الثاني 2020، حيث استقبله نائب الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس استقبال الأبطال، كانت طائرة أمريكية دون طيار من طرازMQ-9 Reaper تتعقب كل تحركاتهما من الأعلى، وبعد مغادرة سيارة سليماني للمطار أمطرته الطائرة الأمريكية بصواريخ هيلفاير التي استُخدمت في اغتيالات أمريكية سابقة.
عواقب الغارة على إدارة ترامب
يطرح مايك بومبيو في آخر الفصل السؤال الذي يتردد عند الحديث عن حادثة اغتيال قاسم سليماني، وهو: ما عواقب هذه الغارة؟ هل نجحت محاولة الأمريكيين لردع طهران؟ وهل كان من الأفضل استرضاء الإيرانيين؟
ويذهب بومبيو للتأكيد مجدداً أن هذه الخطوة كانت من أفضل ما يفتخر به ضمن مسيرته، وأن المشككين فيها يجانبون الصواب تماماً.
ويبرر بومبيو ذلك بأن "الأفعال الجريئة" التي أقدمت عليها إدارة ترامب أدت في الواقع إلى "خفض تصعيد الموقف"، بدلاً من إشعال حرب جديدة.
واعتبر أن اغتيال سليماني "حمى أرواح الأمريكيين من إرهابي كان يدبّر لمزيد من الأذى في الأيام والساعات التي سبقت وفاته"، وأن الاغتيال أوصل رسالةً لإيران، مفادها أن استمرار العدوان ستكون له عواقب وخيمة.
وأضاف بومبيو في النهاية، أنه يعلم أن النظام الإيراني ما يزال متعطشاً للانتقام من أمراء الحرب المبجلين لديه، مُذكّراً بتصريح رئيس إيران إبراهيم رئيسي، في أحد خطاباته السابقة، والذي قال فيه: "إذا لم يُحاكَم ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو محاكمةً عادلة لارتكابهما جريمة اغتيال القائد سليماني، فإن المسلمين سيثأرون لشهيدنا".
ولذلك، يقول بومبيو إنه ما يزال يتوقّع الانتقام الإيراني حتى اليوم وإنه وعائلته في الحقيقة يتخذون بعض الاحتياطات الأمنية في تفاصيل حيواتهم اليومية، حتى بعد مضيّ أكثر من سنة ونصف من تركه لمنصبه، ويعود ذلك لمعرفة الأمريكيين بأن لدى إيران وحزب الله القدرة على الوصول بأذرعهم حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية.