خلصت دراسة جديدة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه "خطراً استراتيجياً"، يتمثل في مشكلات واسعة النطاق في صناعة الأسلحة الأمريكية، وهو ما قد يعوق قدرة الجيش الأمريكي على خوض حرب طويلة الأمد ضد الصين، وفق ما ذكرته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
في تقرير نشرته الصحيفة الأمريكية، الإثنين 23 يناير/كانون الثاني 2023، فإنه رغم تعهد واشنطن بإرسال أكثر من 27 مليار دولار من المعدات والإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا، في حربها ضد روسيا، فإن ذلك كشف عن "خطر استراتيجي" قد تواجهه الجيش الأمريكي.
فقد سلّطت دراسة أعدها سيث جونز، نائب الرئيس الأول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية- وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن العاصمة- الضوءَ على تراجع مخزونات الأسلحة لمستوى منخفض، وكيف تفتقر شركات الدفاع الأمريكية إلى الاستعداد اللازم لتجديدها بسرعة.
حيث قال سيث جونز في مقابلة: "أرى أنَّ المحصلة النهائية هي أنَّ القاعدة الصناعية الدفاعية ليست مستعدة للبيئة الأمنية الموجودة الآن". وأضاف الخبير الأمريكي أنَّ الصناعة تعمل الآن بطريقة "أكثر ملاءمة لبيئة زمن السلم".
كما أشار جونز إلى أنَّ الدراسة، التي عكست مدخلات من كبار المسؤولين العسكريين والدفاعيين والكونغرس والصناعة، وغيرهم من المسؤولين الحكوميين، أظهرت السرعة التي ستنفد بها ذخائر الجيش الأمريكي في صراع محتمل مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
بينما تساءل: "كيف تردع الخصم بفاعلية إذا لم يكن لديك مخزون كاف من أنواع الذخائر التي ستحتاجها لسيناريو من نوع صراع مضيق تايوان والصين؟".
نقص مخزونات الجيش الأمريكي
على مدار الأعوام العشرين الماضية أو ما يزيد، خاض الجيش الأمريكي حرباً غير نظامية في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى، وهي استراتيجية كثيفة القوات، لكن الصراع في أوكرانيا هو حرب تقليدية إلى حد كبير تعتمد أكثر على الأسلحة الثقيلة.
قد يكون الصراع المحتمل مع الصين في المحيطين الهندي والهادئ مختلفاً اختلافاً كبيراً عن الحرب البرية، التي تدور رحاها في أوكرانيا، لكنه مع ذلك سيُعوِّل بعمق على مخزونات الأسلحة الأمريكية، على حد تعبير الصحيفة الأمريكية.
وفقاً لنتائج الدراسة، تؤثر مشكلات القاعدة الصناعية، التي يرجع جزء منها نتيجة إجراءات التعاقد العسكرية القديمة والبيروقراطية البطيئة، في القدرة على إنشاء رادع موثوق به في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أو مواجهة الصين في صراع عسكري.
كما قال التقرير: "هذه النواقص ستجعل من الصعب للغاية على الجيش الأمريكي الاستمرار في صراع طويل الأمد، كما تسلط الضوء على أنَّ القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية تفتقر إلى القدرة الكافية على الاندفاع لحرب كبرى".
سرعان ما أظهر معدل استهلاك الأوكرانيين للأسلحة التحديات التي قد تواجهها القاعدة الصناعية الأمريكية في نزاع ممتد على تايوان. وذكرت الدراسة، على سبيل المثال، أنَّ عدد صواريخ جافلين المحمولة على الكتف التي أرسلتها واشنطن إلى أوكرانيا، منذ أغسطس/آب الماضي، يساوي حوالي سبع سنوات من الإنتاج، بناءً على معدلات الإنتاج المالية لعام 2022.
أضافت الدراسة أنَّ عدد أنظمة ستينغر المضادة للطائرات المقدمة إلى كييف تمثل تقريباً نفس عدد الأنظمة التي صدّرتها واشنطن إلى الخارج على مدار الأعوام العشرين الماضية. في غضون ذلك، أدت أكثر من مليون طلقة من عيار 155 ملم أُرسِلَت إلى أوكرانيا، إلى تقليص الإمدادات العسكرية الأمريكية، والتي تقول الدراسة إنها الآن منخفضة.
مخزونات غير كافية زمن الحرب
وفقاً للدراسة أيضاً، فإنَّ مخزونات المنصات؛ مثل نظام هاربون للدفاع الساحلي، الذي يُنظَر إليه على أنه جزء مهم من استراتيجية الدفاع لتايوان، تعتبر متوسطة، رغم أنَّ المخزونات الحالية قد لا تكون كافية في زمن الحرب.
حيث جاء في الدراسة: "يشير تاريخ التعبئة الصناعية إلى أنَّ القاعدة الصناعية الدفاعية ستستغرق سنوات لإنتاج وتسليم كميات كافية من أنظمة الأسلحة والذخائر المهمة، وإعادة رسملة المخزونات التي استُخدِمَت".
إضافة إلى ذلك، أعرب القادة العسكريون في الجيش الأمريكي عن إحباطهم المتزايد بشأن القاعدة الصناعية في الأشهر الأخيرة. وانتقد الأدميرال داريل كودل، رئيس قيادة قوات الأسطول الأمريكي، تأخر صناعة الدفاع في توريد الأسلحة.
عندما سُئِل عن الموازنة بين استعداد الجيش الأمريكي وتزويد أوكرانيا بمساعدات بمليارات الدولارات: "لست متسامحاً مع حقيقة أنهم لا يسلّمون الذخائر التي نحتاجها".
بينما تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من إرسال مليارات الدولارات من الأسلحة إلى أوكرانيا منذ الهجوم الروسي العام الماضي، يتوقع مخططو البنتاغون أنه لا يمكن إعادة إمداد تايوان بسهولة بعد بدء الصراع؛ لأنه من المحتمل أن تحاصر القوات الصينية الجزيرة.
تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن هناك بالفعل تراكماً يزيد عن 19 مليار دولار من واردات الأسلحة الأمريكية المتأخرة إلى تايوان، بناءً على المبيعات المعتمدة منذ عام 2019.
اللوائح الحكومية "عفى عليها الزمن"
ركّزت دراسة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية على الإدارة الأمريكية، التي فشلت في التكيف، وظلت "تتجنب المخاطرة، وتفتقر للفاعلية، وبطيئة"، عندما يتعلق الأمر بالقاعدة الصناعية.
كما ترى الدراسة أنَّ اللوائح الحكومية التي تحكم المبيعات العسكرية الأجنبية عفى عليها الزمن، وقالت إنَّ العملية بالقواعد الحالية قد تستغرق من 18 إلى 24 شهراً.
فيما أوضح التقرير: "في محاولة لمنع التكنولوجيا العسكرية من الوقوع في أيدي الخصوم، وضعت الولايات المتحدة نظاماً تنظيمياً بطيئاً للغاية في العمل مع دول خط المواجهة الحاسمة".
استشهدت الدراسة بأحد الأمثلة التي أدى فيها قرار تقديم نظام أسلحة، لم تكشف عن اسمه، إلى تايوان باستخدام عملية المبيعات العسكرية الخارجية الأمريكية إلى إضافة عامين إلى تاريخ التسليم؛ ما يعني أنَّ الأمر استغرق أربع سنوات للوصول إلى الجزيرة باحتساب أنَّ وقت الإنتاج عامان. وحذرت الدراسة: "هذا فرق مهم وإشكالي بالنظر إلى التوترات المستمرة في مضيق تايوان".
اختلاف الوضع عن حرب أوكرانيا
في هذا الصدد، قال نائب الرئيس الأول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية سيث جونز، إنَّ المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أنَّ نوع الأسلحة التي تحتاجها تايوان للقتال يختلف في كثير من الحالات عمّا أُرسِل إلى أوكرانيا، إلا أنَّ الصراع في أوروبا كشف عن انشقاقات داخل القاعدة الصناعية، وداخل قدرات الإدارة لمواجهة المشكلة.
في الوقت نفسه، لا يزال يتعين على الإدارة الأمريكية التكيف مع ما يعتقد جونز وآخرون أنها عقلية زمن الحرب، التي تتطلب خفة الحركة الحكومية والكفاءة، لتمكين صناعة الدفاع من إنتاج المزيد من الأسلحة.
على الجانب الآخر، ضخت حكومة الصين استثمارات كبيرة في السنوات الأخيرة في التحديث العسكري.
بينما أوصى جونز بأن تعيد الولايات المتحدة تقييم متطلباتها الإجمالية من الذخيرة، وحث الكونغرس على عقد جلسات استماع بشأن هذه المسألة. وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي الجنرال مارك ميلي، قد صرح في نوفمبر/تشرين الثاني، بأنَّ مثل هذه الجهود جارية بالفعل.
فيما تقترح الدراسة أيضاً إعادة تقييم المتطلبات الأمريكية لتجديد مخزوناتها، وإنشاء احتياطي ذخيرة استراتيجي وتحديد خطة شراء ذخيرة مستدامة لتلبية المتطلبات الحالية والمستقبلية لقوات الجيش الأمريكي.