المعتدلون يُطالبون بالإصلاحات والمتشددون يرفضونها.. كواليس الصراع داخل المؤسسة السياسية في إيران

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/23 الساعة 18:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/23 الساعة 18:14 بتوقيت غرينتش
صراع بين الإصلاحيين والمتشددين في إيران لإنهاء الاحتجاجات الاجتماعية (رويترز)

أثار إعدام إيران عليّ رضا أكبري، رئيس هيئة المعلومات والعمليات في الجيش بين عامي 1998 و2003، نائب وزير الدفاع في عهد علي شمخاني، كثيراً من الخوف بين السياسيين الإيرانيين، الذين اعتبروا إعدامه رسالة لكل من كان يُساند طرحه.

مصدر مقرب من الرجلين، علي أكبري وعلي شمخاني، أشارا لـ"عربي بوست" إلى أن "تنفيذ حكم الإعدام في هذا التوقيت رسالة لبعض المسؤولين داخل طهران، وأدركنا أن من المحتمل أن يكون علي شمخاني هو المقصود بالتهديد، لأنه أثار غضب كثير من أنصار المؤسسة السياسية من المتشددين".

وقال المتحدث إن "أكبري كان مقرباً من شمخاني على المستويين المهني والشخصي، كما أن شمخاني كان يأمل أن يستطيع أكبري الحصول على تخفيف لحكم الإعدام، الصادر بحقه منذ 3 سنوات، في الاستئناف".

المطالبة بالإصلاحات

وأضاف المصدر نفسه، أن "شمخاني يُؤمن بضرورة إحداث إصلاحات داخل الهيكل السياسي، وتحدَّث مع خامنئي أكثر من مرة في الأشهر الأخيرة، عن ضرورة هذه المسألة، لكن جبهة التحمل تقف عائقاً أمامه".

في السياق نفسه، يقول سياسي إيراني معتدل لـ"عربي بوست"، إن "شمخاني ليس وحده من يدافع عن الإصلاحات، لكن هناك أيضاً لاريجاني، وقاليباف، ومحسن رضائي، وعدد من السياسيين الإصلاحيين والمعتدلين، لكنهم يواجهون معارضة شرسة من قبل جبهة التحمل".

ومع توسُّع الاحتجاجات المُناهضة للحكومة والتي اندلعت في أغلب المدن الإيرانية، بعد وفاة مهسا أميني واستمرارها 4 أشهر، اقترح بعض المسؤولين البارزين بإيران إجراء بعض الإصلاحات في النظام السياسي الحاكم.

مسؤول إيراني مقرب من علي شمخاني، السكرتير العام للمجلس الأعلى الإيراني، قال لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إن "شمخاني كان من أوائل المسؤولين الذين تحدثوا مع المرشد الأعلى؛ لإقناعه بإجراء بعض الإصلاحات، من أجل احتواء غضب الشارع".

وكان علي شمخاني قد اجتمع مع عدد من السياسيين الإصلاحيين البارزين؛ لمناقشتهم في خطوات إجراء إصلاحات تُرضي الإيرانيين، وتهدئ من غضب الاحتجاجات المنتشرة في الشوارع.

ويترأس علي شمخاني، المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الهيئة التي تجمع بين السلطات المدنية والعسكرية في البلاد، وتتخذ قرارات مهمة بشأن السياسة الداخلية والخارجية ولا يحق لأي جهة رفضها، سوى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي.

معارضة المتشددين للإصلاحات تُوسع الصراع

بعد انتشار الاحتجاجات في إيران وزيادة قوتها، رفع المتظاهرون لافتات تطالب بتغيير النظام السياسي بأكمله، كان من الطبيعي أن نشهد ردود فعل السياسيين الإصلاحيين الإيرانيين، الذين تم تهميشهم بالكامل في السنوات الأخيرة، للمطالبة بالإصلاح.

لكن المثير للدهشة أنه في هذه المرة، لم يكن فقط الإصلاحيون هم من يطالبون بالتغيير، لكن انضم إليهم عدد من السياسيين والمسؤولين المحافظين المعتدلين الذين يُطلق عليهم في إيران اسم "الأصوليين".

فعلى سبيل المثال، طالب علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق ومستشار المرشد الأعلى الإيراني للسياسة الخارجية حالياً، بضرورة إجراء بعض التعديلات على قانون الحجاب الإلزامي، مقارنة بقانون حظر أطباق الأقمار الصناعية الذي يتم تجاهله إلى حد كبير.

ولم يكن علي لاريجاني، السياسيّ المؤثر، والمنحدر من عائلة سياسية كبيرة، والذي تحوَّل من التشدد السياسي إلى الاعتدال في السنوات الأخيرة، وتم استبعاده في الانتخابات الرئاسية لعام 2021، وسط دهشة كثيرين، هو الوحيد الذي طالب بالتنازل عن قانون الحجاب الإلزامي.

الشرطة في إيران تحذر من عدم ارتداء الحجاب في السيارات - Istock
الشرطة في إيران تحذر من عدم ارتداء الحجاب في السيارات – Istock

أيضاً دافع محمد باقر قاليباف، قائد القوات البحرية في الحرس الثوري سابقاً، ورئيس البرلمان الإيراني الحالي، عن إجراء تغييرات كبيرة بالنظام السياسي الحالي الحاكم في الجمهورية الإيرانية.

يقول نائب برلماني مقرب من قاليباف لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إن "قاليباف يُمثل المحافظين الجدد، الذين يُريدون الحفاظ على استمرار النظام ويدعم إجراء الإصلاحات في إيران، وقابل المرشدَ الأعلى مرات عديدة في الأشهر الأخيرة؛ في محاولة قوية للحصول على موافقة منه".

لكن على ما يبدو، لاقت محاولات كل من قاليباف ولاريجاني ومسؤولين محافظين معارضة شديدة، من ناحية "جبهة تحمل استقرار الثورة الإسلامية"، التي تضم أقوى السياسيين الأصوليين المتشددين والمقربين من المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي.

يقول سياسي إيراني أصولي معتدل، ومقرب من دوائر صنع القرار داخل إيران، لـ"عربي بوست"، إن "جبهة التحمل من أشد المدافعين عن الوضع السياسي الحالي، ومن أشرس المعارضين لكلٍّ من لاريجاني وقاليباف، لذلك من الصعب على أي منهما إقناع خامنئي بالتغييرات السياسية المطلوبة من قبل الشعب".

وجبهة تحمل/استقرار الثورة، هي جماعة سياسية تأسست في عهد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، بعد انقسامات قوية بين السياسيين المحافظين، خاصةً النواب الأصوليين في البرلمان، وتضم عدداً كبيراً من رجال الدين والسياسيين والمسؤولين المتشددين.

يقول السياسي الإيراني المعتدل لـ"عربي بوست"، إن "أعضاء جبهة التحمل من أشد وأقرب المناصرين للنظام الحالي ولعلي خامنئي، والمرشد الأعلى يضعهم في اعتباراته، ولا يريد إغضابهم، من خلال الموافقة على إجراء أي تغييرات، خاصةً مسألة قانون الحجاب الإلزامي".

وكانت جبهة تحمل/استقرار الثورة الإسلامية، الداعم الأقوى والرئيسي للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في أثناء خوضه الانتخابات الرئاسية في عامي 2017 و2021، وبعد فوزه بالانتخابات تغلغلوا إلى كثير من المناصب الهامة والوزارية داخل حكومة إبراهيم رئيسي.

يقول محلل سياسي مقرب من المؤسسة السياسية الإيرانية، لـ"عربي بوست"، إن "جبهة التحمل سيطرت على أغلب مراكز القوى في الحكومة والمؤسسات القضائية والأمنية، كما أنهم على خلاف كبير مع قاليباف ولاريجاني".

وأضاف المتحدث أن "أعضاء الجبهة لن يسمحوا لأي أحد منهما بإقناع خامنئي بإجراء التغييرات والتنازل لمطالب المتظاهرين، وهم راضون عن الوضع الحالي، ويشعرون بأن أي شخص يطالب بإجراء الإصلاحات في إيران يطمح إلى الإطاحة بهم، خاصةً أن الوضع الآن حساس ودقيق مع كبر عمر خامنئي".

ماذا عن خامنئي؟

من الواضح أن المسؤولين السياسيين المعتدلين في إيران يواجهون معارضة شرسة من قبل المتشددين، لكن في الوقت نفسه يدركون أن الفاصل بينهم هو المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، لذلك فان جميع محاولاتهم لإجراء بعض التغييرات على النظام السياسي الحاكم، متركزة في إقناع المرشد الأعلى، لكن الأمور لم تسِر جيداً.

يقول مصدر مقرب من مكتب المرشد الأعلى الإيراني لـ"عربي بوست"، إن "خامنئي لا يريد إغضاب أنصاره في جبهة التحمل، لذلك أخبر كلاً من قاليباف ولاريجاني بأن يتوصلا إلى حل وسط مع جبهة التحمل".

وأضاف المتحدث أن "هناك موافقة غير مباشرة من قِبل المرشد الأعلى، على بعض الإصلاحات التي تحدَّث عنها رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، ومستشاره للسياسة الخارجية علي لاريجاني، لكنه طلب مزيداً من الوقت لدراستها، في الوقت نفسه تكون الأمور قد سهلت مع جبهة التحمل".

ومن بين الأمور التي أبدى المرشد الأعلى موافقته المبدئية عليها، مسألة قانون الحجاب الإلزامي، كما أخبر المصدر السابق "عربي بوست"، لكنه لم يرغب في الخوض بأي تفاصيل تخص هذا الأمر، قائلاً: "من المبكر للغاية مناقشة هذا الأمر الآن، هناك العديد من الخطوات التي يجب اتخاذها، قبل مناقشة هذا الأمر".

ومن الواضح، من حديث المصادر الإيرانية المختلفة، أن مسألة إجراء تغييرات في النظام السياسي الحاكم لإيران، لم تعد بعيدة المنال بشكل كبير كما في السنوات الماضية، وهذا هو المكسب الذهبي للاحتجاجات المستمرة منذ منتصف سبتمبر/أيلول 2022.

وعلى الأقل قد سمح المرشد الأعلى الإيراني بمناقشة مسألة إمكانية إجراء إصلاحات في إيران مع عدد من المسؤولين المحافظين، الذين لم يتحدثوا سابقاً عن هذه الإصلاحات، بشكل مباشر وعلني كما فعلوا في الآونة الأخيرة، لكن في الوقت نفسه تبقى مهمة صعبة أمامهم وهي إقناع المتشددين الذين يشكلون جزءاً كبيراً من أنصار علي خامنئي، بهذا الأمر.

يقول المحلل السياسي الإيراني، المقرب من المؤسسة السياسية في طهران، لـ"عربي بوست"، إن "لاريجاني قاليباف وآخرين يُطالبون بضرورة إجراء الإصلاحات في إيران للحفاظ على النظام، وفي الوقت نفسه يعرفون مدى صعوبة المهمة، خاصةً أن أنصار النظام من المتشددين لا يثقون بأي أحد يتحدث عن إجراء إصلاحات، كما أن التوقيت صعب، فهم في مرحلة التحضير لخليفة خامنئي، ويرغبون في أن يكون واحداً منهم".

كما جادل المتحدث بأن قضية إعدام علي أكبري كانت من ضمن الصراع الداخلي بين المتشددين من جبهة التحمل والمعتدلين أمثال شمخاني وقاليباف ولاريجاني، فيقول: "هناك احتمال كبير جداً بأن المتشددين هم من دفعوا نحو إعدام أكبري في هذا التوقيت بالذات؛ لإرسال رسالة إلى المطالبين بالإصلاحات من الشخصيات المحافظة، مفادها أن على عليهم جميعاً الخوف على مناصبهم ومصالحهم، وأنهم القوة الأكبر داخل النظام".

واختتم المصدر ذاته حديثه لـ"عربي بوست"، قائلاً: "المهمة صعبة للغاية، وليس لديَّ يقين بقدرة قاليباف ولاريجاني، وحتى أعضاء من الحرس الثوري المعتدلين، على تنفيذها، لا بد من تدخل مباشر من قِبل السيد خامنئي".

“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى. 

نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”

تحميل المزيد