لم تكن مناسبة رأس السنة الأمازيغية في المغرب على مرّ التاريخ موعداً عادياً بالنسبة للمغاربة، بالنظر إلى ما يرمز إليه هذا اليوم من قيم الاعتزاز بالأرض ومنتوجاتها.
ورغم كل الاحتفالات الشعبية الواسعة المُقامة في كل المناطق، من خلال طقوس وعادات احتفالية وغذائية بالأساس، مازالت آمال الأمازيغ في المغرب معلَّقة لجعل رأس السنة الأمازيغية، أو "إيض ن يناير"، أو "حاگوزة" ، أو "إيخف أوسكواس"، عيداً رسمياً وإجازة مدفوعة الأجر.
هو مطلب يتجدد اليوم في العام الثاني من الحكومة الحالية، التي يترأسها عزيز أخنوش عن حزب التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي)، والتي وعدت بتسريع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وخصّصت صندوقاً مالياً لذلك.
ووجهت منظمات وجمعيات أمازيغية، رسالة مباشرة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس؛ للمطالبة بإقرار رأس السنة الأمازيغية الذي يصادف 13 يناير/كانون الثاني، عيداً وطنياً رسمياً، في الوقت الذي لم تعلن فيه الحكومة بعد عن أي احتفال رسمي بالمناسبة.
رسالة مباشرة لعاهل البلاد
تتضمن الرسالة التي وقعتها 45 منظمة وجمعية أمازيغية ومدنية وحقوقية ونسائية، بينها التجمع العالمي الأمازيغي (هيئة غير حكومية)، طلباً للعاهل المغربي الملك محمد السادس، بجعل السنة الأمازيغية الجديدة عيداً وطنياً وعطلة رسمية مدفوعة الأجر على غرار باقي الأعياد والعطل الرسمية.
وذكرت الرسالة، التي اطلع عليها "عربي بوست"، أن الاحتفال بـ"إيض يناير" أو رأس السنة الأمازيغية، يتزامن مع قرب "السنة الـ12 للاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية في دستور 2011، والسنة الرابعة من إصدار القوانين التنظيمية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وأكثر من 20 سنة على خطاب أجدير 2001 المرجعي الذي اعترف بأمازيغية المغرب".
العاهل المغربي، بعد سنوات قليلة من اعتلائه العرش، وتحديداً يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول 2001، اختار أن يلقي خطاباً من منطقة الأمازيغية الموجودة في جبال الأطلس المتوسط وسط المغرب.
هذا الخطاب بلور سياسة المملكة للنهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين وترسيخهما، من خلال إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي عُهد إليه أساساً تقديم الرأي للملك حول التدابير التي من شأنها الحفاظ على الثقافة الأمازيغية والنهوض بها في جميع تعابيرها.
وأشارت رسالة المنظمات والهيئات الأمازيغية كذلك، إلى خطاب الملك بمناسبة الاحتفال بثورة الملك والشعب لشهر أغسطس/آب 2021، والذي شدد فيه العاهل المغربي على أن "المغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من 12 قرناً، فضلاً عن تاريخها الأمازيغي الطويل، وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون".
إعادة الانتعاش للأمازيغية
هذه هي المرة الأولى التي يراسل فيها أمازيغ المغرب عاهل البلاد بشكل مباشر دون غيره، بعدما دقوا سابقاً أبواب المؤسسات الدستورية؛ وعلى رأسها رئاسة الحكومة.
وكان ذلك سواء في عهد حكومتي عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني (عن حزب العدالة والتنمية)، أو في ظل حكومة الملياردير الأمازيغي عزيز أخنوش الحالية.
يقول رشيد الراخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي: "اليوم اقتنعنا بأن ترسيم الأمازيغية في يد الملك، لهذا وجهنا له رسالة بشكل مباشر، باعتباره رئيس الدولة واستمرارها، والحَكم الأسمى بين مؤسساتها".
وأضاف المتحدث أن "الملك يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة".
وشدد الراخا، في حديثه لـ"عربي بوست"، على أن الأساسي اليوم هو "إصدار قرار يقر برسمية السنة الأمازيغية، وجعل المناسبة عيداً وطنياً لكل المغاربة، باعتبار الأمازيغية رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة بدون استثناء وفق الفصل الخامس من الدستور".
لهذا، "من شأن الإقرار برأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، أن يعيد الانتعاش للأمازيغية، تماشياً مع روح وفلسفة الدستور وانسجاماً مع ما جاء في القانون التنظيمي، وكذلك انسجاماً مع الخُطب الملكية بدءاً بخطاب أجدير وصولاً إلى الخطاب الأخير في ذكرى ثورة الملك والشعب، الذي تحدث فيه عن التاريخ الأمازيغي الطويل للمغرب"، يردف رئيس التجمع العالمي الأمازيغي.
مطلب يعزز تراكماً إيجابياً
ليس هناك ما يُوحي على المستوى الحكومي حتى الآن، بأن الأمور تتجه نحو الاحتفال الرسمي برأس السنة الأمازيغية 2973، باستثناء إشارة للوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، الأسبوع الماضي، في الندوة الصحفية التي تعقب مجلس الحكومة، إلى أن الأخيرة عازمة على الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، دون أن يوضح كيفية هذا الاحتفال.
وذكَّر بأن الحكومة قدمت الكثير، من أجل تفعيل الطابع الرسمي للغة، معتبراً أن "هذا الورش محسوم دستورياً وسياسياً، فيما يرى فاعلون أمازيغ مغاربة، أن كل ما تحقق مع الحكومة الحالية في مجال الأمازيغية، يظل ناقصاً في غياب جعل رأس السنة الأمازيغية مناسبة رسمية".
على مستوى تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإدماجها في عدد من القطاعات العمومية، أحدثت الحكومة صندوقاً مالياً خاصاً للمواكبة يستمد موارده من ميزانية الدولة، وضخه بميزانية تصل لمليار درهم بحلول عام 2025.
ويرى منسق جبهة العمل الأمازيغي (غير حكومية)، محيي الدين حجاج، أن "مسألة النقص ليست رهينة بإقرار رأس السنة الأمازيغية كمطلب من ضمن مطالب أخرى، بالنظر إلى التراكم الإيجابي الذي دشنته بلادنا في هذا المجال".
أضاف حجاج، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن هذا التراكم بطبيعة الحال "في نسق تصاعدي إذا وضعنا الأمر في سياقه التاريخي منذ الاستقلال إلى اليوم".
وأشار المتحدث إلى أن "مسألة رد الاعتبار للثقافة الأمازيغية لا ترتبط بمطلب فريد، واعتبار تحقيقه إتماماً لعملية ردّ الاعتبار للأمازيغية".
ولكن "تحقيق هذا المطلب الديمقراطي (أي إقرار رأس السنة الأمازيغية)، أيضاً سيصب لا محالة في تثمين وترصيد هذه المكتسبات بما يخدم هوية الأمة المغربية بتاريخها الأمازيغي الطويل"، يستدرك المتحدث نفسه.
احتفال مدني واعتزاز شعبي
لا يمنع هذا الوضع المغاربة من الاحتفال بشكل جماعي وشعبي بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة، وإحياء رأس السنة بطقوس وعادات توارثتها الأسر المغربية أمازيغية كانت أو غيرها، وتكون مرتبطة أساساً بكل ما يتعلق بالأرض والفلاحة.
وتحرص العائلات على تحضير أطباق عشاء خاصة تختلف حسب المناطق، مثل طبق عصيدة "تكلا"، أو "الكسكس بسبع خضار"، أو طبق "أوركمين"، إذ جرت العادة بأن تُدس نواة تمر في الطعام المقدم بهذه المناسبة، وسيكون من يعثر عليها محظوظاً طيلة السنة الزراعية المقبلة.
سجَّل أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة ابن زهر في أكادير، الحسين بويعقوبي، أن "رمزية الحدث تحيل أساساً إلى الارتباط بالأرض، والاحتفاء بخيراتها، وترتبط به العديد من الأساطير والطقوس والأقوال التي تعزز العلاقة بالأرض، وتتمنى دخول سنة جديدة مزدهرة فلاحياً".
وأفاد بويعقوبي، في اتصال بـ"عربي بوست"، بأن "الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أصبح مؤخراً يحيل أكثر إلى الاعتزاز بالهوية الأمازيغية، ويفرض نفسه لحظة تقييم ما تحقق وما يجب أن يتحقق على مستوى المطالب المتعلقة باللغة والثقافة الأمازيغيتين، كما تتم المطالبة بالاعتراف به عيداً وطنياً".
من جانبه، أبرز الباحث في الثقافة الأمازيغية، الحسين آيت باحسين، أن من دلالات الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، "التعود على تدبير الندرة أو القلة، والوعي بضرورة خلق الانسجام مع البيئة، والاعتزاز بالخصوصيات الثقافية والهوياتية، وتمرير الذاكرة التاريخية للأجيال المستقبلية".
وتابع آيت باحسين، في حديثه لـ"عربي بوست"، أنه "إذا ما تجاوزنا مشكلة الجذور التأريخية للتقويم الأمازيغي، باختيار فترة ساهم فيها الأمازيغ في الحضارة المصرية الفرعونية بوصول شيشانق الأول إلى السلطة السياسية سنة 950 قبل الميلاد، فسنلاحظ أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية مدني بامتياز؛ لأنه يكاد يكون الاحتفال الوحيد الذي يقام خارج فضاءات ذات وظيفة تعبدية".