نشرت صحيفة The Guardian البريطانية، الثلاثاء 10 يناير/كانون الثاني 2023، تقريراً، رصدت فيه الأضرار التي لحقت بالقصر الرئاسي في البرازيل، إضافة إلى مبنى الكونغرس والمحكمة العليا، بعدما اجتاح آلاف الانقلابيين اليمينيين المتطرفين المناصرين للرئيس اليميني السابق جايير بولسونارو، تلك المباني، الأحد 8 يناير/كانون الثاني، اعتراضاً على فوز اليساري لولا دا سيلفا بالرئاسة.
الصحيفة تجولت في بنايتين من البنايات الثلاث المنهوبة في العاصمة البرازيلية برازيليا، الإثنين 9 يناير/كانون الثاني، بعد الظهيرة، أي بعد 24 ساعة من الهجوم الذي شنه الأنصار المتطرفون للرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو.
ويعد كل من قصر بلاناوتو ومبنى الكونغرس تحفةً معماريةً في قلب الرؤية الجريئة للمعماري نيماير والمخطط العمراني لوسيو كوستا، التي استهدفت أن تكون هيئة البرازيل جديدةً وتطلعيةً، وفق الصحيفة.
كلتا البنايتين تظهر الآن كأنها تعرضت لكارثة طبيعية، إذ إن نوافذها الخارجية محطمة إلى قطع صغيرة، عن طريق أنصار بولسونارو الهائجين الذين كانوا يتوقون لقلب نتيجة انتخابات أكتوبر/تشرين الأول، التي شهدت خسارة زعيمهم المتطرف أمام خصمه اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
مجلس الشيوخ
كانت هناك لوحة في متحف مجلس الشيوخ البرازيلي تقول: "رجاء لا تلمسوا الأعمال الفنية". لكن مثيري الشغب تجاهلوا هذه التعليمات أثناء اجتياح غرفة العرض وبدء تدمير السنوات من الأعمال الفنية البرازيلية والتاريخ السياسي.
تظهر آثار سكين في لوحتي رئيسي مجلس الشيوخ السابقين رينان كاليروس وجوسيه سارني. وقُذفت نسخة من الدستور البرازيلي نحو قمة أحد صناديق العرض واخترقته، ليتشكل حوله إطارٌ من شظايا الزجاج المحطم.
وفي الخارج، كان للمتمردين اليمينيين المتطرفين أعمالهم الفنية أيضاً: فقد رسموا بوقاحة غرافيتي يطالب بانقلاب عسكري مؤيد لبولسونارو، وإنهاء التهديد الشيوعي الذي اقتنعوا بأنه سيطر على البرازيل بفوز لولا دا سيلفا في الانتخابات.
عملية سطو
من جهتها، أعربت عاملة تنظيف عن غضبها قائلة: "حثالة"، بينما كانت تنظف هي وعشرات العمال والعاملات سجاد مبنى الكونغرس ذا اللونين الأزرق والأخضر الليموني، الذي كان مغطى بالزجاج المحطم، وبينما كان المهندسون يفتشون عن أي أضرار في هيكل المبنى، وبالقرب من هذا المكان، بدا مدخل مكاتب رئيس مجلس الشيوخ الحالي، رودريغو باتشيكو، كما لو أنها تعرضت لعملية سطو بالسيارات.
كانت هناك آلة أشعة سينية ملقاة على جانبها، وغطت قطع الزجاج أرضية المكان، وتدلت كابلات الإنترنت من السقف مثل العناقيد.
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك أيضاً حاسوبان مكتبيان ملقيان على منضدة، بينما أُخرجت منهما اللوحات الرئيسية.
اقتحام القصر الرئاسي
وفي القصر الرئاسي، انتشرت مشاهد مماثلة لعمليات التدمير الطفولية غير المبررة.
وفقاً للتقرير، فقد انتُزعت الحصى الزخرفية من المدخل، الذي شهد قبل أسبوع فقط قدوم مئات الضيوف للاحتفال بتنصيب لولا دا سيلفا، وللاحتفال بما تمنوا أن يصير عهداً جديداً من التصالح والحماية البيئية بعد 4 سنوات من الانقسامات والكراهية.
من جانبهم، عبر عمال التنظيف فوق مياه الزينة الموجودة أسفل المنحدر الرخامي للقصر الرئاسي، واستخدموا شباك الصيد لإخراج مخلفات الفوضى المشهودة في اليوم السابق.
إذ قال أحد العمال: "زجاجات، وزجاج، ورصاص [مطاطي]"، وذلك في وصفه للأشياء المستخرجة من المرآة المائية مع استمرار عمليات التنظيف.
كما وصل مثيرو الشغب إلى الحرم الداخلي لما يفترض أنه أحد العناوين الأشد تأميناً في البرازيل، وتركوا وراءهم آثاراً غريبة للدمار والغضب، بجانب العديد من التساؤلات حول ترك بناية بهذه الحساسية السياسية عرضة للاقتحام.
نهب وتدمير
ورغم فشل حشود الانقلابيين في الوصول إلى مكاتب الرئيس لولا دا سيلفا، لكن الغرف الأخرى تعرضت للنهب والتدمير.
إذ استُخدم قلم لبدي (فلوماستر) لرسم خطوط متعرجة بطول الرواق الذي يشغله أعضاء من مكتب الأمن الرئاسي (GSI)، المسؤولين عن تأمين الرئيس البرازيلي. وقُذفت الكراسي عبر النوافذ المحطمة، وحاول مثيرو الشغب إشعال النار في إحدى الأرائك.
من جهته، قال سيلسو أموريم، أحد مساعدي لولا دا سيلفا المقربين، إن مكتبه ومكتب السيدة الأولى، روزانجيلا لولا دا سيلفا (جانجا)، تعرضا للنهب، وبدا أن الانقلابيين كانوا يحاولون تدمير مقر عملها بنمط معين.
أوضح أموريم، وزير الدفاع البرازيلي السابق، أنه وجد صعوبة في استيعاب كيف فشلت قوات الأمن والهيئات الاستخباراتية في اكتشاف التهديد أو إيقافه. وقال: "المقاومة جاءت فقط بعد وقوع الأمر. يبدو كما لو أنه سُمح بوقوعه".
المحكمة العليا
لم يُسمح للصحفيين بالدخول إلى البناية الثالثة، المحكمة العليا، أمس الإثنين 9 يناير/كانون الثاني، بينما كان ضباط الطب الشرعي الفيدراليون يسلكون طريقهم عبر الدمار؛ بحثاً عن البصمات والأدلة، وأيضاً بحثاً عن الأفخاخ المتفجرة التي ربما تركها أنصار بولسونارو.
لكن الغرافيتي الأبيض المرسوم على واجهة مبنى المحكمة العليا يتحدث عن الفوضى التي تَكشّفت في الداخل. أحد الشعارات المكتوبة يقول: "لقد جئت، لقد فزت". بينما يقول آخر: "لقد خسرت أيها الحقير".
حاول مراسلو صحيفة The Guardian الاقتراب من البناية، لكن عضواً من وحدة تفكيك القنابل كان يرتدي ملابس سوداء طلب منهم الابتعاد؛ لأن التفجير المحكوم لما وصفه بـ"القنبلة" كان يُنفذ على بعد أمتار من المدخل.
وبعد دقائق، سُمع دوي انفجار يخرق الأذن على الجانب الآخر من ميدان ثري باورز بلازا (ترجمته: ميدان السلطات الثلاثة)، الذي استهدف له نيماير وكوستا أن يرمز إلى الانسجام السياسي بين الأذرع التنفيذية، والقضائية، والتشريعية في البرازيل.
قال ضابط شرطة عسكرية كان يحرس المحكمة: "إنه أمر مفجع"، وأوضح أن العديد من زملائه أصيبوا خلال حالة الفوضى والهياج التي أحدثها أنصار بولسونارو. وأضاف: "لنأمل أن أمامنا أياماً أفضل".