كشفت مصادر مقربة من رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن هذا الأخير يسعى لكسب ثقة قوى إقليمية على رأسها إيران والسعودية، وذلك لدعم حكومته بعد أسابيع فقط من تشكيلها.
اختار رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد شياع السوداني، بعد 6 أشهر من تنصيبه أن يقوم بزيارته الأولى كرئيس وزراء للعراق إلى إيران بشكل يتنافى مع المتعارف عليه، وهو أن يقضي رئيس الوزراء في منصبه الجديد 100 يوم قبل القيام بأول زيارة خارجية.
وحسب مصادر "عربي بوست" فإن السوداني سعى من خلال هذه الزيارة أن يكيل الكيل بمكيالين ويُوثق علاقته بطهران ونيل دعمها لحكومته، وفي نفس الوقت سعى لتطبيع علاقته مع الرياض، رغم مرجعيته الشيعية المدعومة من إيران.
تفاصيل زيارة السوداني لإيران
كشف مصدر كان ضمن الوفد المرافق للسوداني خلال زيارته لإيران لـ"عربي بوست" أن التهديد الإيراني باجتياح بري للأراضي الكردية العراقية، كان على رأس أولويات الاجتماع بين رئيس الوزراء العراقي والمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي.
وأضاف المصدر نفسه، الذي فضل عدم ذكر اسمه أن "الزيارة كانت إيجابية فيما يخص مسألة الاجتياح البري الإيراني، والمرشد الأعلى استمع بحرصٍ واهتمامٍ لمطالب السوداني بوقف هذا التهديد".
على الجانب الآخر، يقول مسؤول إيراني رفيع المستوى، وعلى دارية بلقاء خامنئي بالسوداني، لـ"عربي بوست": "لقد تفهم خامنئي موقف السوداني، ووافق على وقف الاجتياح البري، مقابل الحصول على ضمانات من حكومتي بغداد وأربيل بشدة تأمين الحدود العراقية مع إيران".
وبحسب المصادر العراقية، فإن السوداني، وعد المرشد الأعلى الإيراني بزيادة حضور القوات العراقية الحكومية على الحدود الإيرانية، وبعد زيارة السوداني لإيران، اجتمع مع مسؤولين أمنيين وعسكريين، لوضع خطة لتأمين الحدود بشكل يرضي الإيرانيين ويوقف تهديدهم.
وجاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي، محمد السوداني إلى إيران، بعد أسبوعٍ واحدٍ من زيارة الجنرال إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لبغداد، وإنذار المسؤولين العراقيين لتأمين الحدود العراقية مع إيران.
وهدد المسؤول العسكري في الحرس الثوري الإيراني باجتياح بري لإقليم كردستان العراق، بزعم أن الجماعات الكردية المعارضة الايرانية، المتواجدة في إقليم كردستان العراق، تهدد الأمن القومي الإيراني، بعد مشاركتهم في الاحتجاجات.
مصدر مسؤول حكومي عراقي، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، قال لـ"عربي بوست" "اختار السوداني التعجيل بزيارته إلى إيران، بسبب المأزق الذي وضعنا فيه الإيرانيون بعد تهديدهم باجتياح بري لكردستان العراق، واختراق سيادة الأراضي العراقية".
من جهته، يقول سياسي عراقي شيعي مقرب من السوداني إن "التهديد الإيراني باجتياح بري لكردستان العراق، خطير ويُهدد ثقة العراقيين في السوداني بالمقام الأول، الرجل بالكاد تسلم منصبه، والإيرانيون سوف يحرجونه من خلال اختراق سيادة الأراضي الإيرانية".
وأضاف المصدر نفسه في حديثه مع "عربي بوست" أن "زيارة السوداني لطهران تُعتبر خطوة سياسية كبيرة، لحماية سمعته، وحكومته من الانهيار في أعين العراقيين، والتي شُكلت قبل أسابيع فقط".
السوداني يكسب دعم إيران
بعد أن نجح رئيس الوزراء العراقي، محمد السوداني، في الحصول على ضمان من المرشد الأعلى الإيراني، بوقف التهديد الإيراني باجتياح بري للأراضي الكردية العراقية لحماية موقف حكومته، جاء الحديث عن دعم حكومته ودعمه هو شخصياً في نفس الزيارة.
يقول الدبلوماسي العراقي الذي كان ضمن الفريق المرافق للسوداني في زيارته لطهران، لـ"عربي بوست": "لقد حصل السوداني على دعم إيراني كبير جاء من المرشد نفسه، ذهب السوداني إلى إيران للحصول على هذا الدعم في مواجهة ضغط الإطار التنسيقي الشيعي".
ويقول مصدر مقرب من السوداني لـ"عربي بوست" أن "الإطار التنسيقي الشيعي، الذي جاء بالسوداني لرئاسة الحكومة، وعلى رأسهم نوري المالكي، منذ اليوم الأول للسوداني في منصبه، وهم يضغطون عليه للسيطرة على حكومته".
وبحسب المصدر ذاته، فإن عدداً من القادة الشيعة في الإطار التنسيقي، دخلوا في خلافات كبيرة مع السوداني في الفترة الأخيرة، لرغبتهم في السيطرة على المناصب المهمة في الدولة، دون رغبة السوداني.
يقول المصدر المقرب من السوداني لـ"عربي بوست": "طلب السوداني من على خامنئي، أن يقوم المسؤولون الإيرانيون بالتفاوض مع القادة الشيعة العراقيين، لمنحه المزيد من الحرية في إدارة حكومته، ووافق خامنئي على ذلك، دون شروط مسبقة".
وكانت زيارة السوداني إلى إيران، خطوة سياسية كبيرة، من أجل تعزيز دور حكومته في الداخل والخارج، وعلى ما يبدو وبحسب المسؤولين العراقيين الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإن السوداني سعيد بهذه الزيارة، بعد تحقيق معظم أهدافها وحصوله على دعم إيراني.
توثيق العلاقات الإيرانية-العراقية
هناك جانب آخر لزيارة رئيس الوزراء العراقي، محمد السوداني إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي توثيق العلاقات الإيرانية-العراقية، والتي من المهم الحفاظ على قوتها لضمان استقرار العراق.
المحلل السياسي العراقي، أحمد الهاشمي قال إنه "لا يمكن لأحد إنكار الدور الإيراني الكبير في السياسة العراقية الداخلية والخارجية، وأي خلاف إيراني مع القوى الإقليمية أو الولايات المتحدة، يؤثر بشكل مباشر على العراق، الذي يتحول في لحظة إلى ساحة حرب بين إيران وخصومها".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "محمد السوداني أراد التأكيد على عمق العلاقات العراقية مع إيران، خاصة بعد تأثر هذه العلاقات إلى حد في الفترة الأخيرة لأسباب مختلفة".
في نفس السياق، يقول سياسي عراقي شيعي مقرب من إيران لـ"عربي بوست" إن "السوداني رجل ذكي، ويعلم أهمية تأثير إيران في استقرار العراق، بشكل كبير، كما أنه على دراية بالمزاج الإيراني".
مقابل ذلك، يقول المصدر نفسه إن "الايرانيين يريدون إظهار استمرار تأثيرهم القوي في العراق للجميع، وزيارة السوداني أرضت غروره، وذهابه إلى إيران يظهر لخصوم طهران أنها استطاعت تشكيل حكومة عراقية متحالفة معها كما جرت العادة".
من جهته، يقول سياسي شيعي عراقي المقرب من إيران إن "زيارة السوداني إلى إيران نجحت في إظهار أن الإيرانيين حافظوا ولو بعد وقت طويل على رئيس وزراء عراقي حليف لهم، حتى بعد الصراع السياسي الأخير".
التقرب من السعودية
كان رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، يتمتع بعلاقات قوية مع المملكة العربية السعودية، ونجح في وقت قصير في الحصول على ثقة الرياض، بالإضافة إلى نجاحه في إجراء خمس جولات من الحوار بين الخصمين الإقليمين: إيران والسعودية.
ودائماً ما تنظر الرياض بعين الريبة للمسؤولين العراقيين المقربين من طهران، ومن أسباب توقف الحوار الإيراني-السعودي، الذي كانت تستضيفه العراق، هو ترك مصطفى الكاظمي لمنصبه، الذي كان يتمتع بثقة الطرفين، لكن السوداني الذي حل محله، محسوب على إيران وحلفائها في العراق.
مسؤول عراقي مقرب من السوداني قال لـ"عربي بوست" إن "رئيس الوزراء العراقي يعمل على تعزيز ثقة السعوديين بحكومته، وأنه قادر على استكمال الحوار السعودي الإيراني، وبالفعل أرسل رسالة عبر دبلوماسي عربي للرياض، بأنه مستعد لتعزيز العلاقات السعودية العراقية".
في نفس السياق، يقول مسؤول عراقي ثانٍ لـ"عربي بوست" إن "السوداني لديه رغبة في تعزيز دور العراق الإقليمي، وعندما يتحدث عن هذه المسألة ألمس الصدق في حديثه، كما أنه يريد سحب العراق من السيطرة الإيرانية بشكل لا يؤذي العلاقات بين البلدين ولكن بهدف كسب ثقة الدول العربية".
وأشار المصدر ذاته إلى أن السوداني يرغب في زيادة الاستثمار السعودي في العراق، لأن الحكومة بحاجة لأموال الاستثمار السعودي، لأن البلد يعاني من البطالة وتدهور الخدمات العامة، والاستثمار السعودي من شأنه توفير فرص عمل لآلاف الشباب، وكسب ثقة العراقيين".
تحريك حوار إيران والسعودية
غير البحث عن مصلحة حكومته، حاول رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني خلال زيارته إلى إيران، تحريك الحوار المتوقف بين طهران والرياض منذ مغادرة مصطفى الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء العراقي.
وكشف مسؤول إيراني لـ"عربي بوست" أن "السوداني حاول اختبار الوضع في إيران، فيما يخص استئناف الحوار مع السعودية، وبالفعل طرح هذا الأمر على خامنئي، هذا الأخير الذي أعطى إشارات إيجابية لاستئناف الحوار بين الرياض وطهران".
في نفس السياق، يقول مصدر مقرب من السوداني، لـ"عربي بوست": "السوداني يريد أن يكسب ثقة السعوديين والإيرانيين لاستكمال حوارهما، كما أن الإطار التنسيقي أبلغه بأنه يُبارك جهوده في هذا الملف".
أما فيما يخص علاقة العراق والولايات المتحدة، يقول المصدر المقرب من السوداني: "واشنطن ليس لديها مشكلة في التعامل مع حكومة محسوبة على الإطار التنسيقي المقرب من إيران، وقد أبلغت السوداني بذلك، بهدف الحفاظ على استقرار العراق".