قالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية، في تقرير نشرته الأحد 25 ديسمبر/كانون الأول 2022، إن تل أبيب تكثف مساعيها لإجبار فلسطينيي الضفة الغربية الذين انتقلوا إلى قطاع غزة، على التنازل عن حقهم في العودة، وهي ممارسة اكتسبت قوة فقط في السنوات العشر الماضية.
عندما وقّعت علا باكا على وثيقة تسمى "إعلان الاستقرار في غزة"، لم تكن تعلم أنَّ ذلك سيغير حياتها. تزوجت علا، الفلسطينية من مدينة نابلس بالضفة الغربية، رجلاً من قطاع غزة قبل 20 عاماً. ولأنَّ إسرائيل لا تسمح لسكان غزة بالانتقال إلى الضفة الغربية، فقد اضطرت إلى الانتقال إلى غزة للعيش مع زوجها وتكوين أسرة.
طلب رسمي للانتقال إلى الضفة
في أغسطس/آب من عام 2022، قرر الزوجان أن تذهب علا وأطفالهما للعيش مع أسرتها بالضفة الغربية، فيما سيبقى زوجها في غزة. ولذلك قدمت طلباً رسمياً للانتقال إلى الضفة الغربية.
لم يكن التوقيت مصادفة. إذ لا تسمح إسرائيل للفلسطينيين بالتنقل بين غزة والضفة الغربية إلا في ظروف محدودة للغاية؛ وهي تشمل وفاة أو مرضاً أو زواج قريب من الدرجة الأولى. ولم يُقابَل طلبها بالموافقة إلا بعد وفاة شقيقها؛ ولذلك استخدمت الموافقة لزيارة تعزية مع العائلة.
بعد انتهاء الزيارة، وفي طريق عودتها إلى منزلها في غزة، كان بانتظار علا مفاجأة عند معبر إيريز من إسرائيل إلى شمال قطاع غزة. قالت إنَّ الجندي عند المعبر أعطاها إنذاراً بالتوقيع على إعلان الاستقرار في غزة أو العودة إلى نابلس. وتتذكر قائلة: "كان الضغط عليّ لا يُصدق. قالوا لي إنَّ لدي خيارين فقط؛ إما هذا وإما ذاك. ماذا كان يُفترَض بي أن أفعل؟ لديّ طفل مريض في غزة ويحتاجني".
قضايا انتهاكات إسرائيلية
قضية علا ليست غريبة. تقول منظمة حقوق الإنسان "مسلك"- المركز القانوني لحرية الحركة- إنها تعاملت مع ما لا يقل عن 80 قضية مماثلة منذ عام 2010. ويعني توقيع الوثيقة التنازل عن حقهم في العودة إلى الضفة الغربية للعيش في المستقبل، وكثير من الناس لا يعرفون ذلك عندما يوقعون. وبحسب علا باكا، لم يشرح لها أحد ذلك عندما وقّعت على الإقرار عند المعبر.
النساء هن الضحية الرئيسية لهذه السياسة الإسرائيلية؛ لأنَّ النساء في المجتمع الفلسطيني هن اللائي ينتقلن عادةً بعد الزواج.
أوضحت رئيسة القسم القانوني في منظمة "مسلك"، أوسنات كوهين-ليفشيتس، من تجربتها، أنه "في الحالات التي يُجبَر فيها الرجال والنساء الفلسطينيون المقيمون بالضفة الغربية والذين يعيشون في قطاع غزة على توقيع إعلان الاستقرار في غزة، تستخدمه إسرائيل لتبرير منعهم من العودة للعيش في الضفة الغربية. وفي حالات أخرى، لم يُجبَروا فيها بعد على التوقيع على الإعلان، تسيء إسرائيل استغلال محنتهم واحتياجاتهم الأساسية لزيارة الضفة الغربية؛ لإجبارهم على التوقيع عليه، وحدث هذا أكثر من مرَّة تحت التهديد والترهيب؛ ومن ثم التنازل عن حقهم الأساسي… في العودة إلى هناك للعيش في المستقبل".
كذلك تقول أوسنات إنَّ هذا الإجراء يتعارض مع القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على التزام دولة الاحتلال تجاه السكان المحتلين. ينص القانون الدولي على أن "الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية يتمتعون بحق مصون في العودة إلى ديارهم، ويحظر على وجه التحديد إجبارهم على التخلي عن هذا الحق، سواء عن طريق الضغط المباشر أو غير المباشر، أو الضغط الصريح أو الضمني، أو عن طريق استغلال الحكومة". وأضافت أنَّ منع عودة الفلسطينيين، من رجال ونساء، إلى الضفة الغربية يشكل "تهجيراً قسرياً"؛ وهو انتهاك خطير يرقى إلى مستوى جرائم الحرب.
ضحايا آخرون من النساء
جاء في تقرير بعنوان "تذكرة في اتجاهٍ واحد"، صدر عن منظمة "مسلك" في 13 ديسمبر/كانون الأول 2022، أنَّ البروتوكول طُرِح منذ أكثر من عقد من الزمان، وتطبّقه إسرائيل بوتيرة أكثر منهجية منذ عام 2019.
يروي تقرير "مسلك" قصة نساء أخريات أُجبرن على التوقيع على الوثيقة. وإحدى هؤلاء هي سهير الوحيدي، التي وُلِدَت في الضفة الغربية وانتقلت إلى غزة، وأُجبِرَت على التوقيع على الوثيقة عندما وصلت إلى معبر إيريز في طريقها لزيارة شقيقها المريض بالضفة الغربية. وقالت إنها لو كانت تدرك أنها ستتخلى عن حقها في العيش بالضفة الغربية في المستقبل، لَما وقعت الإعلان.