لم يكن لبنان غائباً عن قمة "بغداد الثانية" الإقليمية، التي عقدت يوم الثلاثاء 20 ديسمبر/كانون الأول في الأردن، حيث جرى بحثها بشكل مكثف بين الدول المشاركة خلال الاجتماعات الجانبية.
فقد ذكر مصدر دبلوماسي عربي لـ"عربي بوست" أن لبنان كان حاضراً بوضوح في المناقشات، خصوصاً عندما حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن يكون حل الأزمة السياسية اللبنانية موضوع المشاورات خلال جلسات جانبية مع الدول المعنية بالملف، خصوصاً إيران ودول الخليج.
محادثات إيرانية سعودية
بالمقابل كان لافتاً موقف وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا التي دعت القادة السياسيين اللبنانيين لتحمل مسؤولياتهم لتسهيل إجراء انتخابات رئيس الجمهورية.
كذلك تشديد الرئيس ماكرون في كلمته أمام المؤتمر على ضرورة معالجة الأزمات في المنطقة، بما في ذلك العراق ولبنان وسوريا، حيث تتمتع إيران بنفوذ مهيمن هناك.
وأشار المصدر الدبلوماسي العربي إلى أن لبنان كان على قائمة المحادثات الثنائية التي عقدها الرئيس الفرنسي في إطار جهوده لتسهيل حل سياسي سريع.
باريس نشطة في هذا الملف، وهي أكثر الدول انخراطًا في الملف اللبناني، خاصة أن الأمريكيين -وفقاً للمصدر- عهدوا بهذه المهمة إلى الجانب الفرنسي لإيجاد حلول سريعة وإنقاذية بالتعاون مع قطر ومصر.
وأوضح المصدر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني استطاعا ترتيب اللقاء بين وزيري الخارجية السعودي والإيراني.
ووفقاً لمعلومات المصدر المطلع على كواليس القمة، فإن المحادثات التي رعتها الدوحة وباريس تركزت في المناقشات بشكل أساسي على اليمن ولبنان، بالإضافة الى الاتفاق على تطوير الحوار ليشمل جميع القضايا في المنطقة.
وبحسب المعلومات فإن قطر وسلطنة عمان اقترحتا على المسؤولين السعوديين والإيرانيين استضافة الحوار المتوقف بين الطرفين منذ مدة بالدوحة أو مسقط للنقاش في الملفين الشائكين وهو اليمن ولبنان.
ويرجح المصدر أن تستضيف قطر خلال المرحلة القادمة حواراً بين الجانبين والوصول إلى نتائج مرضية.
إيران وحزب الله.. جهوزية للحوار
من هذا المنطلق يشير مصدر حكومي لبناني رفيع لـ"عربي بوست" إلى أن المسؤولين الإيرانيين حرصوا بالمرحلة الماضية على بث الإيحاء الإيجابي في الملف اللبناني، وهو ما ترجم بالإعلان عن اللقاء بين وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان.
يعد هذا بمثابة مسعى جديد تقدمه إيران حول جهوزيتها للبحث في كل الملفات، خصوصاً من خلال كلامها لإعادة جولات الحوار حول ملفها النووي، وكذلك لإيجاد مخارج للأزمة الرئاسية اللبنانية.
ويعتقد المصدر الحكومي أن هذا المسار الإيراني عبر عنه منذ أيام السفير الإيراني عبر حديثه عن إمكانية تجديد الحوار الإيراني – السعودي برعاية دول صديقة.
كذلك ما جرى مؤخراً في زيارة الملحق الثقافي الإيراني إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بعد التوتر في علاقة حزب الله والكنيسة المارونية.
ويشير المصدر الحكومي إلى أن ما أشار إليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يوم الإثنين المنصرم حول الجهود الدولية الجارية للسماح بظهور تسوية سياسية في لبنان ليست من فراغ، بل مرتبطة بمعلومات حصل عليها الأخير وتنطوي على سياق تفاوضي جارٍ حول إتمام تسوية سياسية لانتخاب رئيس جديد للبلاد.
ومن هذا المنطلق يؤكد المصدر الحكومي أنه يجري حالياً نقاشات داخلية وخارجية مع حزب الله حيال الملف الرئاسي، وأن الحزب يبدي انفتاحاً على أي خيار للتسوية ولو كان على حساب مرشحه سليمان فرنجية، خصوصاً أنه أبلغ الفرنسيين وجهات إقليمية أخرى ميله لانتخاب رئيس للجمهورية لباقي الأطراف حصة فيه وذلك لعدم الانجرار نحو انتخاب رئيس يكرر تجربة الرئيس عون والتي جرى من خلالها تحميل الحزب مسؤولية الانهيار المالي وحصاره خارجياً.
وذكر المصدر أن الحزب أكد لأطراف داخلية وخارجية استعداده للقبول بتسوية شاملة مع خطة إصلاحية، ومن هذا المنطلق ابلغ الحزب الجانب الفرنسي أنه لا يضع "فيتو" على أي مرشح للرئاسة، شريطة الذهاب إلى الحوار الداخلي برعاية رئيس مجلس النواب والذي يهدف إلى تهيئة ظروف الحل، إلى أن تتوفر الظروف التي يمكن من خلالها إنتاج تسوية سياسية شاملة.
رئيس قبل نهاية الربيع.. اجتماع باريس الرباعي
في هذا الإطار يكشف مصدر دبلوماسي أوروبي أنه يجري التحضير لاجتماع رباعي يضم مسؤولين من الولايات المتحدة وفرنسا وقطر والسعودية وذلك في العاصمة الفرنسية باريس.
ويشير المصدر أن الاجتماع سيكون مطلع العام وذلك للبحث في جملة الاتصالات واللقاءات التي تقودها كل من الدوحة وباريس لإنتاج حل سياسي لبناني واختيار رئيس لبناني قبل نهاية الربيع القادم.
ويشير المصدر إلى أن النقاش سيتمحور حول أسماء مرشحين مقترحين لرئاسة الجمهورية وذلك بعد لقاءات جرت مع أطراف لبنانية على رأسها حزب الله والتيار الوطني الحر وقوى سياسية لبنانية أخرى.
كذلك يؤكد المصدر أن جامعة الدول العربية تعمل على تشكيل لجنة عربية لزيارة لبنان واللقاء بالأطراف اللبنانية للبحث في صيغ مقترحة ومن ضمنها الإتيان بقائد الجيش رئيساً للجمهورية بضمانات ترضي كل الأطراف الداخلية على رأسها حزب الله.
من هذا المنطلق يعتقد المحلل السياسي ربيع دندشلي أن هذا الاجتماع هو ترجمة فعلية للمشاورات التي قادها الرئيس ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيسين الأميركي جو بايدن والإيراني إبراهيم رئيسي.
وبحسب دندشلي فالاجتماع سيعرض النتائج التي تمخضت عن مباحثات ماكرون المكوكية ومحاولة ترجمتها لتحقيق اختراق في جدار الأزمة اللبنانية العالقة، من خلال وضع خارطة طريق مشتركة بين الدول الأربعة.
وفي هذا السياق يعتقد دندشلي أن مصير الأزمة اللبنانية ليس مفصولاً عن باقي أزمات المنطقة والإقليم، ومن السابِق لأوانه توقع أي تطور حول الأزمة، خصوصاً أن جهات إقليمية ودولية غير مهتمة بالملف اللبناني قبيل إيجاد حلول مرتبطة بأمن الطاقة والملف النووي الإيراني.
ويعتقد دندشلي أن باريس لا تزال مصرة وحريصة على اجتذاب الدول الخليجية والعربية ودفعها أكثر للانخراط في التفاصيل اللبنانية وتحويل المسار إلى مسار مساعدات مالية للبلاد.