في قضية جنائية، قد تكون هي الأخيرة من نوعها، أُدينت سكرتيرة سابقة لقائد قوات الأمن الخاصة في معسكر اعتقال شتوتهوف الألماني النازي، البالغة من العمر 97 عاماً بتهمة ارتكاب جرائم قتل.
وفي آخر محاكمة نازية على جرائم الحرب العالمية الثانية، حضرت إيرمجارد فورشنر المحكمة في ألمانيا على مدى أكثر من عام، في ملف تناوله المدعون الألمان ضدها.
وأخيراً بحلول 20 من ديسمبر/كانون الأول، أصدر القاضي دومينيك جروس الحكم صباح الثلاثاء، وقضت محكمة ولاية إيتزيهوي على فورشنر حكماً بالسجن لمدة عامين، ولكن نظراً لسنها المتقدمة تم السماح بأن يكون القرار مع وقف التنفيذ.
حيث أُدينت السيدة الألمانية بالتواطؤ في جرائم قتل أكثر من 10 آلاف معتقل وأسير حرب في معتقل شتوتهوف النازي، الواقع حالياً في دولة بولندا.
سكرتيرة الشر ومقتل الآلاف خلال فترة عملها
وبحسب ملف الادعاء في القضية، فقد ساعدت فورشنر وحرّضت المسؤولين في المعسكر على القتل الممنهج للمعتقلين هناك بين يونيو/حزيران من العام 1943، وأبريل/نيسان من العام 1945، وذلك أثناء عملها هناك ككاتبة وسكرتيرة في مكتب قائد المعسكر.
كانت "سكرتيرة الشر"، وفقاً للتوصيف الذي أطلقته عليها وسائل الإعلام الأوروبية، في الثامنة عشرة فقط من عمرها عندما ذهبت للعمل لدى قائد معسكر شتوتهوف، هذا المكان وحده يُعتقد أنه مات فيه نحو 60 ألف شخص.
ويأتي الحُكم المخفف نظراً لتطبيق قانون الأحداث عليها، بسبب سنها وقت ارتكاب الجرائم.
العمل في معسكرات الاعتقال يقتضي معرفة الحقيقة!
يقول مانفريد جولدبيرج، أحد الناجين من معسكر اعتقال شتوتهوف، لشبكة سكاي نيوز: "من المستحيل لشخص يعمل في المعسكر أن يدعي عدم معرفة ما كان يحدث"، رافضاً ادعاء فورشنر أنها لم تكن على علم بالفظائع التي تحدث هناك.
مشيراً إلى أن عمليات نقل الجثث مثلاً، كانت تتم بشكل علني ومكشوف.
بدوره يقول سيوبهان روبينز، مراسل سكاي نيوز في أوروبا، الذي زار المعسكر النازي السابق، ووقف في مكتب السكرتيرة الذي عملت منه آنذاك، وقال إن فيه نافذة مطلة على المخيم، وبالتالي ادعاء عدم المعرفة لم يكن منطقياً.
وبحسب موقع Aljazeera، خلص القضاة إلى أن الإطلالة التي حصلت عليها من نافذتها، ومشيها من المكتب وإليه عند الدخول والانصراف من العمل، بالإضافة إلى الأوامر التي تم توجيهها لها، ومحتوى الملفات التي كتبتها أو عدلتها على الآلة الكاتبة الخاصة بها وعبر الهاتف، كانت كافية بالنسبة لها للحصول على نظرة كافية لما يحدث، وبالتالي شاركت فيما كان يجري في المخيم.
وبالرغم من اعتذارها العلني بعد إصدار الحكم بحقها، وأنها آسفة أنها عملت في مجال بهذه السُمعة في العالم، لكنها قالت إنها لم تكن على دراية بوقوع أي جرائم في معسكرات الاعتقال. وهو ما ينكره محامو الادعاء، مستنكرين كيف لها ألا تسمع الصراخ من غرف الغاز، أو ترى قرارات بإحصاءات الجثث أثناء عملها المكتبي لقائد المعسكر.
معسكر شتوتهوف سيئ السمعة
وبحسب بعض المؤرخين في ألمانيا، يُعتقد أنه قد تم ترحيل ما يصل إلى 100.000 شخص إلى معسكر شتوتهوف أثناء الحرب العالمية الثانية. وخلف أسوار الأسلاك الشائكة المحيطة بها، كانت الظروف قاسية.
حيث توفي العديد من السجناء في أوبئة التيفوس التي اجتاحت السكان، بينما قُتل أولئك الذين اعتبرهم الحراس ضعفاء أو مرضى، نظراً لأنهم لم يكونوا قادرين على العمل، وفقاً للبروفيسور راينر شولز، المؤرخ الألماني والأستاذ بجامعة إسيكس البريطانية.
لكن في ظل الفوضى التي اندلعت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، فر العديد من النازيين رفيعي المستوى إلى الخارج هرباً من المحكمة، بينما عاد آخرون إلى حياتهم الطبيعية، وكانت فورشنر من بين هؤلاء.
إلا أنه في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد تغيير القانون الألماني، بدأت مساعٍ لمحاكمة عدد من حراس معسكرات الاعتقال السابقة وموظفيها، الذين عادة ما يكونون الآن في الثمانينيات والتسعينيات من عمرهم، بتهمة ارتكاب جرائم حرب بموجب قانون العقوبات الألماني الجديد.
المحاكمة الأخيرة من نوعها تقريباً
وبحسب موقع BBC، قد تكون محاكمة فورشنر هي الأخيرة التي تجري في ألمانيا فيما يتعلق بجرائم الحقبة النازية خلال الحرب العالمية الثانية، على الرغم من أن بعض القضايا لا تزال قيد التحقيق.
وقد تم رفع قضيتين أخريين إلى المحكمة في السنوات الأخيرة، بتهمة ارتكاب جرائم نازية في مؤسسة شتوتهوف أيضاً.
وفي عام 2020، حُكم على حارس معسكر آخر من قوات الأمن الخاصة، وهو برونو داي، بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ بتهمة التواطؤ في قتل أكثر من 5000 سجين.