يعيش ملايين السوريين وسط أزمة وقود متجددة، جعلت السكان يبحثون عن وسائل تدفئة بديلة، واضطرت أصحاب محال وأفران إلى إغلاق أبوابهم، كما منعت كثيرين من التنقل، لأن المواصلات، وإن تأمنت، باتت تكلفتها مرتفعة جراء شح المحروقات.
زياد العز، شاب سوري يبلغ من العمر 20 عاماً، توقف قبل أسبوع عن ارتياد جامعته، وقال الطالب في كلية الآداب بجامعة دمشق، في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية: "معاناتنا مع المحروقات تبدأ في المنزل، ولا تنتهي في الجامعة".
أشار زياد إلى أن السكان في المنازل يعانون برداً شديداً من دون وجود مادة المازوت للتدفئة، وكذلك في الشارع لم يعد من السهل العثور على وسيلة للنقل.
الانهيار الاقتصادي في سوريا ونتائج الحرب التي تشهدها البلاد منذ العام 2011، أدت إلى أزمة شح في المحروقات شبه مستدامة، تتفاقم كل حين، وتجعل السوريين عاجزين عن تدفئة منازلهم، وتضع مراكز اتصالات ومؤسسات خارج الخدمة.
بات زياد عاجزاً عن تحمّل كلفة سيارات الأجرة الخاصة التي ترفع كلفتها دورياً، لاعتمادها على محروقات السوق السوداء، أما حافلات النقل العام فباتت قليلة جداً، وغالباً ما تكون كثيرة الازدحام.
يقول زياد: "كل المصروف الذي يمنحني إياه والدي، أنفقه على المواصلات والنقل. لذا توقفت عن ارتياد الجامعة".
يخشى الشاب أن يزداد الوضع سوءاً مع اشتداد برد الشتاء، الذي يدفع السوريين في كل مرة إلى إيجاد حلول بديلة عن المحروقات لتدفئة منازلهم، إذ يستخدمون الحطب حيناً، أو قشور الفستق الحلبي وبقايا الزيتون المعصور حيناً آخر.
جراء عدم توافر المازوت العام الحالي، استغنت عائلة زياد عن وضع المدفأة، وقال الشاب، الذي يعمل في خدمة توصيل الطعام على دراجة هوائية خارج دوام الجامعة: "قالت لنا والدتي إنه علينا أن نكتفي بالأغطية الشتوية خلال أيام البرد القارس".
أضاف زياد أن "الجميع مشغول حالياً في البحث عن وسيلة لتدفئة أبنائه"، وتساءل: "كيف بإمكاني التفكير في الجامعة والدراسة في ظروف صعبة كهذه؟".
خروج من الخدمة
دفعت أزمة المحروقات الأخيرة في سوريا، سلطات نظام بشار الأسد إلى زيادة أسعار المحروقات للمرة الرابعة خلال العام الحالي، واعتماد سياسة تقشف أكثر حدّة في توزيع مادتي المازوت والبنزين على الآليات.
اضطرت أيضاً إلى تعطيل المؤسسات العامة ليوم إضافي في الأسبوع، كما أغلقت جامعات أبوابها يومين إضافيين؛ لعدم توافر المحروقات لوسائل النقل، كما مدّدت عطلة أعياد آخر السنة 5 أيام.
قبل نحو أسبوعين، خرج عدد من مراكز الشركة السورية للاتصالات من الخدمة موقتاً بسبب صعوبة تأمين الوقود.
في العاصمة دمشق، لم يعد هناك من ساعة ذروة في الشوارع، حيث تغيب الزحمة المعتادة، بعد أن قرر كثر ركن سياراتهم وحصر استخدامها في الحالات الطارئة.
فبموجب إجراءات التقشّف الأخيرة، لم يعد بمقدور سيارات الأجرة الحصول على وقود مدعوم من الحكومة سوى لمرة واحدة في الشهر، في مقابل مرة أسبوعياً في السابق.
يقول سائق الأجرة بسام زهراوي (39 عاماً) في تصريح للوكالة الفرنسية: "لا تكفي مخصصات البنزين لأكثر من يومي عمل"، ومع كل تقنين إضافي في توزيع المحروقات، يضطر السائقون للجوء أكثر فأكثر إلى السوق السوداء وإلى رفع ثمن تعرفة النقل.
يوضح بسام قائلاً: "نحن في شجار دائم مع الزبائن، لأنه أياً كان المبلغ الذي نطلبه، يجدونه مكلفاً، ونعتبره نحن غير كافٍ".
عوضاً عن أن يتنقل في شوارع دمشق بحثاً عن زبائن، يوقف بسام سيارته حتى يتلقى طلبات محددة من زبائن يتصلون به، ويقول "كنا في السابق نبحث عن زبائننا، أما اليوم فالزبائن هم من يبحثون عنا".
من جانبه، قال رئيس حكومة نظام الأسد، حسين عرنوس، الخميس، 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، في حديث للصحافيين، إن الحكومة اضطرت لرفع أسعار المحروقات وإلا كانت ستتوقف "جميع الخدمات سواء أكان في الزراعة أو الصناعة أو النقل أو في تأمين خدمات المستشفيات والأفران".
يلقي نظام الأسد باللائمة على العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، والتي تم فرضها بسبب هجمات النظام على معارضيه، ويقول النظام إن العقوبات سبب أساسي للتدهور المستمر في الاقتصاد من جهة، ولعدم قدرته على استيراد حاجة البلاد من المحروقات من جهة ثانية، خصوصاً مع خروج أبرز حقول النفط عن سيطرتها، حتى باتت تعتمد بنسبة 90% على الواردات.
كان قطاع النفط والغاز في سوريا قد مُني منذ العام 2011 بخسائر كبرى تقدّر بنحو 111,9 مليار دولار، وفق احصاءات رسمية، وأعاد عرنوس تفاقم أزمة المحروقات خلال الأسابيع الأخيرة إلى "ارتفاع سعر صرف الدولار الذي يشهده العالم، وتداعيات الحرب" في أوكرانيا.
اللجوء للسوق السوداء
وعلى وقع أزمة المحروقات المتجددة، وجد أبو محمّد (25 عاماً) نفسه مضطراً لاستبدال مادة المازوت بالحطب؛ تفادياً لإغلاق محله المتواضع في وسط دمشق، على غرار أفران أخرى تقطعت بها السبل.
يقول أبو محمد للوكالة الفرنسية: "نعاني منذ أشهر من نقص متزايد في المحروقات، لكن لم أتوقع أن يأتي يوم لا أجد فيه لتر مازوت واحد".
كذلك لجأ أبو محمّد إلى السوق السوداء، لكنه لم يعد يقوى على تحمّل تكلفتها جراء ارتفاع الأسعار الناتج عن استمرار تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار.
يقول الشاب: "بتّ أمام خياري الإغلاق أو البحث عن بديل لئلا نخسر أرزاقنا. لم أجد حلاً سوى الحطب، والذي يحتاج إلى كميات كبيرة منه ليؤمن إنتاجاً كافياً من معجناته المتنوعة التي اضطر كذلك "إلى تقليص حجمها بدلاً من رفع سعرها".
وتوقف نصف الأفران الخاصة في دمشق عن العمل منذ مطلع الشهر الحالي، وفق ما قال رئيس جمعية الحلويات، بسام قلعجي، لإذاعة محلية الأسبوع الماضي، ويقول أبو محمّد "هذه أقسى وأطول أزمة تمرّ علينا"، ويضيف: "اعتدنا الأزمات، ونحاول دائماً الالتفاف عليها، لكن هذا ليس حلاً مستداماً".