على هامش ما يعيشه لبنان من أزمات سياسية متنقلة وعلى رأسها مسألة الفراغ الرئاسي، جاءت دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لجلسة طارئة للحكومة تحت عنوان: "جلسة الضرورة" لتمرير قرارات تهم قطاعات الصحة والتعليم والبيئة، لتشعل فتيل الصراع السياسي بينه وبين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، إذ اعتبر الأخير أن الجلسة غير دستورية بكون الحكومة حكومة تصريف أعمال.
موقف حزب الله من جلسة الضرورة
يقف حزب الله مجدداً في النقطة الأكثر حساسية، فموقفه من المشاركة أو عدمها سيرتّب عليه تداعيات سياسية ذات صلة بعلاقاته مع الأطراف المتصارعة الأخرى، ويشير مصدر مقرب من حزب الله لـ"عربي بوست" إلى أن الحزب يتفهّم من جهة ضرورة اتخاذ قرارات لمواجهة الأزمات القائمة، لكنه يتفهم أيضاً موقف الوزير جبران باسيل والتيار الوطني الحر.
ويشير المصدر إلى أن الحزب وعقب الإعلان عن تحديد الجلسة يوم الإثنين، وتوزيع الأمانة العامة لمجلس الوزراء جدول الأعمال المطروح بـ65 بنداً، باشر الحزب اتصالاته مع كل حلفائه وتحديداً حركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المردة وباقي مكونات قوى 8 آذار، مع التأكيد أن موقفه حتى اللحظة يقتضي الموافقة، بعدها طلب من وزير العمل مصطفى بيرم والمتواجد خارج البلاد، قطع زيارته والعودة لبيروت للمشاركة في الجلسة.
ويؤكد المصدر أن دائرة العمل الحكومي في حزب الله اجتمعت لدراسة جدول الأعمال الذي عرضته الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ما كان يدعو لجلسة لولا موافقة الأطراف السياسية على رأسها حزب الله.
ويشير إلى أن ميقاتي يشعر بالراحة لمشاركة حزب الله، لكن الحزب المحرج أيضاً مع حليفه باسيل الذي يحتاج لإيجاد مبررات لتلك المشاركة، وعليه يعتقد المصدر أن حزب الله قد يدخل إلى الجلسة لمناقشة بند وحيد يتعلق بتأمين تمويل وزارة الصحة للمستشفيات والأدوية المستعصية، ثم يغادر الجلسة، لكن الجلسة يبدو أنها لن تمر دون أن تترك تداعياتها السلبية على علاقة الحزب بجبران مع باسيل.
الحزب يتعامل مع احتمالات لأزمة مرتقبة..
وحول موقف الحزب، يعتبر المحلل السياسي ربيع دندشلي أن حزب الله يعمل على محاصرة احتمالية لوقوع أزمة جديدة بين حلفائه قد تؤدي إلى توتر الأجواء، وهو يحاول إيجاد صيغ مناسبة ترضي جميع الأطراف، وهذا يعني إيجاد مساحة مشتركة بين باسيل وبري وميقاتي للاتفاق مستقبلاً على آلية عقد جلسات حكومية لا تثير ملفات صراعية وتحديداً تعيينات إدارية في الدولة، والاستعاضة عنها بإقرار مراسيم الضرورة، ما يتيح مشاركة وزراء باسيل مستقبلاً.
التيار يواجه.. وبري وجنبلاط خلف ميقاتي
في إطار متصل، يشير مصدر حكومي لبناني لـ"عربي بوست" إلى أن حماسة ميقاتي لعقد جلسة حكومية نابعة من الدعم الذي لاقاه من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وأنه اجتماع ضروري لحل قضايا ملحّة لا تقتصر على مشكلة أو ملف واحد، بل فاتحة اجتماعات تالية طالما أن الفراغ الرئاسي مستمر والأزمات قابلة للتمدد.
بالتوازي يعتبر بري أن تحريك الوضع الحكومي ضرورة قصوى لمواجهة الجمود السياسي المسيطر على انتخاب رئيس الجمهورية ومحاولة تحريك الأداء الحكومي وعدم ربطه بأي حسابات طائفية.
يقول الكاتب السياسي نقولا ناصيف إن موقف رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل من الجلسة المفترض انعقادها، الإثنين 5 ديسمبر/كانون الأول معلن مسبقاً، وهو رفضه اجتماع حكومة تصريف الأعمال وتلويحه بعدم مشاركة وزراء التيار وحلفائه في أي جلسة، انطلاقاً من طعنه المسبق بأهليّة اجتماعها ودستورية قراراتها.
وبحسب ناصيف، فإن النصاب لن يكتمل إلا في حضور ثلثَي الوزراء، أي أن الاجتماع الذي تعقده الحكومة سيحضره 16 وزيراً على الأقل، وهم ثلثا مجلس الوزراء المنصوص على نصابهم في المادة 65 من الدستور، ما يفضي بقانونية الاجتماع.
يعتبر ناصيف أن النزاعات والانقسامات الداخلية باتت تدور من حول جبران باسيل الذي رفع منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون ثلاثة لاءات دفعة واحدة، كانت كافية لجعل السلطات الدستورية الثلاث في حكم المعطّلة وهي: لا لترشيح سليمان فرنجية، ولا لاجتماع حكومة تصريف الأعمال، ولا لانعقاد مجلس النواب للتشريع.
بالمقابل يرى ناصيف أنه وعلى أبواب جلسة الإثنين، أصبح حزب الله أمام استحقاق غير مؤجل، ومشاركة وزيرَيه في حكومة تصريف الأعمال بالجلسة لا توفر نصاب ثلثَيها فحسب، بل توجّه رسالة سلبية إلى باسيل بعدم مجاراته تعطيل الجلسات.
خطوات عونية ومواقف مسيحية
وبعد حسم التيار الوطني الحر عدم مشاركته، تقول مصادره القيادية لـ"عربي بوست" إنه بصدد دراسة الخطوات المقبلة للرد على هذا التصعيد من قبل الثلاثي (ميقاتي وبري وجنبلاط)، وتشير مصادر التيار العوني إلى أن التيار يدرس خطوات تصعيدية مهمة، من بينها الدعوة لتحركات في الشارع، احتجاجاً على تولّي حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية.
فيما يؤكد المصدر الحكومي أن اختلاق أزمة جديدة من قبل باسيل وتياره على شرعية انعقاد جلسة حكومة تصريف الأعمال في ظل الفراغ لا يبدو أنه سيكون سهلاً، لا بل إن المعطيات تُنذِر بأن الاشتباك على الصلاحيات سيأخذ البلاد إلى صراع سياسي ومذهبي حاد، مع إمكانية أن يخلق التيار الوطني الحر جوّاً مسيحياً عاماً وإحراج القوى المسيحية الأخرى كالقوات والكتائب للنزول إلى الشارع.