900 هزة أرضية في عام واحد! خرسانة مغشوشة ومبانٍ آيلة للسقوط.. فهل مصر جاهزة للزلازل؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/03 الساعة 14:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/03 الساعة 14:18 بتوقيت غرينتش
هل مصر جاهزة للزلازل؟

في الزلزال الأخير، الذي شعر به سكان العاصمة المصرية، القاهرة، وضواحيها تبين أن القلق لا يسيطر على المواطنين وحدهم، ليسوا وحدهم من يتخوفون من تكرار سيناريو زلزال 1992، إذ طرح المعهد القومي للبحوث الفلكية استبياناً عن مدى شعور المواطنين به، وتطرق إلى صلب المشكلة التي تتعلق بأنواع المواد المستخدَمة في المباني التي يقطنون بها، فهل مصر جاهزة للزلازل؟

ضرب زلزال مدينة هيراكليون في جزيرة كريت اليونانية، وكان متوسط الشدة بقوة 5.5 ريختر، وذلك وفقاً للمرصد الوطني لأثينا، وشعر به سكان عدد من الدول القريبة من مركز الزلازل بينها مصر. 

وسبق ذلك تأثر عدد من المحافظات الساحلية بأكثر من 5 هزات أرضية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وأغلبها وقع بالقرب من جزيرة كريت اليونانية، ووصلت تأثيراته إلى محافظات مصرية قريبة من ساحل البحر المتوسط، ما أثار مخاوف حول إمكانية دخول مصر في حزام الزلازل، وتعرضها لخسائر مادية جراء توالي الهزات.

900 هزة أرضية في عام واحد!

يشير تقرير إحصائي صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر إلى أن العام 2020 كان شاهداً على 879 هزة أرضية داخل مصر، بينما بلغ عددها 399 في محيطها الإقليمي.

يقول مصدر مطلع بالمعهد القومي للبحوث الفلكية لـ"عربي بوست"، إن القاهرة والمحافظات الساحلية تتعرض لهزات أرضية متأثرة بقوس منطقة الزلازل الذي يبعد عن مصر بمسافة تصل تقريباً إلى 400 كيلو متر في منطقة شرق المتوسط، وأن هذه المنطقة تشهد منذ آلاف السنين زلازل مستمرة لاندثار حافة القارة الإفريقية تحت القارة الأوروبية، وتنتج من احتكاك طبقات الأرض، وهي هزات عميقة، ما يجعل أثرها يصل إلى دول عربية وإفريقية عديدة قريبة من القارة الأوروبية.

مواد البناء المغشوشة ومخالفات المباني تضع مصر أمام كوارث محققة

يقول خبير تخطيط عمراني بجامعة القاهرة لـ"عربي بوست"، إن انتشار مواد البناء المغشوشة، والتي تترتب عليها زيادة وتيرة شكاوى المواطنين من وجود شروخ في أسقف منازلهم وحوائطها، يضاعف من الكوارث المادية والبشرية حال تعرضت مصر لزلزال قوي، تحديداً في ظل اعتماد المحافظات الساحلية على أنواع مغشوشة من الأسمنت تأتي إلى الموانئ مهرّبة من الخارج وبأسعار زهيدة، في حين أنها الأكثر تعرضاً للضرر في حال وقوع الزلزال.

ويضيف أن مئات الآلاف من البنايات المخالفة لم تراعَ فيها اشتراطات استخدامات الخرسانة وفي كثير من الأحيان جرى الاعتماد على أنواع رديئة من "الزلط" للتوفير في أسعار، وهو ما يؤدي لزيادة نسبة الملوحة في الخرسانة، ما يتسبب في تآكل الحديد، وبالتالي تتزايد الشكاوى من وجود تشققات وانهيارات في بعض الأسقف.

لا يتوقف الأمر على ذلك، ووفقاً للمصدر ذاته، فإن استخدام خرسانة منتهية الصلاحية، أو خلط أسمنت المحارة مع أسمنت الخرسانة دون التفريق بينهم، مع إضافة بعض مواد البناء التي تزيد من حجمه من أجل إسراع عملية البناء، سيقود إلى كارثة في حال تعرض البلاد لزلازل قوية تحديداً، وأن عمليات الغش تضاعفت مع الارتفاعات المتتالية في أسعار مواد البناء.

كما أن استخدام أنواع من الحديد مستوردة من الخارج غير مطابقة للمواصفات كانت قد انتشرت بكثافة منذ بداية الألفية الجديدة وحتى سنوات قليلة ماضية، قبل الاعتماد على المصانع المحلية قد يؤدي لخسائر فادحة، مع انتشار البناء العشوائي، وعدم الالتزام بالمواصفات الهندسية وغياب إشراف المهندسين المتخصصين في أعمال التنفيذ، وانعدام الصيانة الدورية للمباني.

وتعاني كثير من المدن المصرية من مشكلات تدهور حالة المرافق لديها، وبخاصة ما يرتبط بالمياه والصرف الصحي، وهناك آلاف البنايات في المناطق الشعبية والعشوائية مبنية على بحار من مياه الصرف الصحي، ما يجعلها آيلة للسقوط، مع تأثر صحة المباني، إلى جانب الأزمة الأكبر التي تتمثل في تكدس السكان داخل عمارات لم تخضع لاشتراطات البناء.

نصف المباني المصرية عشوائية باعتراف الرئيس

وتكشف إحصاءات أجهزة حكومية مصرية لوجود 150 ألف عقار مخالف خلال العقد الأخير فقط، على مستوى كل المحافظات، بينها 3700 عقار يمثّل خطورة داهمة، أغلبها في القاهرة الكبرى والإسكندرية.

واعترف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال إحدى مداخلاته الهاتفية قبل عام تقريباً، بأن نصف المباني السكنية في مصر عشوائية، وأنها تحتاج إلى 4 تريليونات جنيه لهدمها، وأكّد السيسي أنه لا يستطيع هدم المباني المخالفة؛ لأن توفير البديل يحتاج في مدينة مثل الإسكندرية فقط، إلى مليون وحدة سكنية تصل تكلفتها إلى 400 مليار جنيه.

ويرى خبير بكلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة، أن العمر الافتراضي للخرسانة المستخدمة في البنايات المصرية لا يتجاوز 70 سنة، في حين أن هناك بنايات تجاوز عمرها الـ100 عام دون أن تخضع لإعادة ترميم، وأن عمارات وسط القاهرة وغيرها من المباني الخاضعة لقوانين الإيجار القديم والتي أصبح المستأجرون متحكمين فيها وفقاً للقانون لا تخضع للمراجعة الإنشائية، مع عدم قدرة الملاك على إخلاء العقارات لإعادة ترميمها أو بنائها إلا بأحكام قضائية تثبت أنها آيلة للسقوط.

يشير المصدر إلى أنه يصعب القول إن هناك بنايات أكثر قدرة على تحمل الزلازل من غيرها في مصر؛ لأن المباني التي جرى فيها استخدام مواد بناء أصلية وخضعت للاشتراطات في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي أضحت عرضة للانهيار في الوقت الحالي، مع انتهاء عمرها الافتراضي وعدم قيام الأجهزة المحلية أو مالكيها بعمليات ترميم لها.

وكذلك، فإن المباني التي جرى تشييدها في الفترة التي أعقبت انتهاء حرب أكتوبر والتوقيع على اتفاق السلام مع إسرائيل، وصولاً إلى البنايات المشيدة بنهاية التسعينيات، عانت بشكل كبير من استخدام الخرسانة المغشوشة وغياب العمال الماهرين الذين هاجروا إلى بلدان الخليج في تلك الفترة، أما البنايات التي جرى بناؤها خلال العقدين الأخيرين فإن السمة السائدة لها أنها مبانٍ جاءت خارج الإطار الرقابي وفي غياب تام لسلامة الإنشاءات، وتم بناء أغلبها بالمخالفة لقوانين البناء المعيبة بالأساس.

تصميم البنايات عامل إضافي في قوة الهزات الأرضية

يقسم المصدر الزلازل إلى 3 مقاييس، أولها، والأكثر انتشاراً الزلازل البسيطة التي لا تتجاوز قوتها 3 درجات ريختر، والثاني متوسط وهو الذي يشيع في مناطق لديها امتدادات أرضية تجعل المواطنين يشعرون بها، وهي ما بين 3 إلى 5.5 درجات ريختر، وثالثة قليلاً ما يصل تأثيرها إلى الأراضي المصرية وتتجاوز 6 درجات ريختر فما أعلى، والتي يُطلق عليها مناطق الزلازل الكبيرة.

لا تتوقف قوة الهزات الأرضية فقط على درجة الزلازل، ووفقاً لأستاذ الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية، فإن هناك عوامل أخرى تتحكم في قوة شعور المواطنين بالهزة بينها تصميم البنايات السكنية والبنية التحتية للمدن ذاتها والظروف الجيولوجية بالمنطقة، لافتاً إلى أن البنايات المصرية يصعب أن تتحمل الزلازل الكبرى التي تتجاوز 6 درجات ريختر، في حين أن دولة مثل اليابان تصل معدلات تحملها للزلازل إلى 9 درجات ريختر.

وتشير إحصاءات وزارة الإسكان المصرية إلى وجود 3 ملايين و233 ألف مسكن بحاجة إلى ترميم بين قليل ومتوسط وكبير، وأن أغلب هذه المباني في الريف، الذي يستحوذ على 69.4% من عدد المباني على مستوى الجمهورية.

ولا يمر شهر دون أن تشهد أي من المحافظات المصرية حوادث انهيارات لبنايات قديمة ويترتب عليها خسائر في الأرواح وأخرى مادية نتيجة لاستمرار سكن المواطنين فيها دون أن تخضع لرقابة الأجهزة المحلية التي يكون عليها التأكد من سلامة المباني السكنية، والبعض الآخر صدر بحقها قرارات إزالة لكنها لم تنفذ أيضاً بسبب الفساد المتفشي في المحليات.

%90 من العقارات المصرية مخالفة

وتشير دراسة قامت جامعة القاهرة بإعدادها إلى أن 90% من عقارات مصر مخالفة، وأن 50% من تلك العقارات تحتاج للصيانة؛ إلى مليوني عقار آيل للسقوط و132 ألف قرار إزالة مجمَّد، وتنتشر المباني داهمة الخطورة على نطاق أكبر في حي وسط القاهرة، تضم مناطق الحسين والجمالية والدرب الأحمر والحمزاوي والأزهر والباطنية وباب الخلق.

هذه المناطق تشكل مصر الفاطمية، وتضم 38 ألف عقار، منها عقارات أثرية يقع أسفلها 55 ألف محل تمثل ثروة لسكانه وشاغليه، وهي أقدم عقارات أحياء القاهرة؛ حيث مرَّ على معظمها أكثر من 150 عاماً، وصنف منها 433 عقاراً تحت بند الخطورة الشديدة؟

وحدد تقرير صندوق تطوير العشوائيات 189 مدينة بها عشوائيات، تم حصر 304 مناطق غير آمنة، منها 31 منطقة خطيرة يجب هدمها، و186 منطقة خطيرة بدرجة أقل، وهي عشش متهدمة، و54 منطقة خطيرة بدرجة ثالثة.

التوسعات العمرانية تجعل مواطنين بالقرب من مناطق الزلازل

تتسبب التوسعات العمرانية التي تقوم بها الحكومة المصرية في الحالي في زيادة معدلات شعور المواطنين بالزلازل، ووفقاً للمصدر، فإن التوسع العمراني في شرق القاهرة جعل هناك سكان جدد قريبين من مناطق الزلازل، وبالتالي فإن هؤلاء يكونون أكثر إحساساً بالهزات المتتالية، حتى وإن كانت ضعيفة.

ليس لدى مصدر يعمل بهيئة رصد الزلازل في مصر مخاوف من دخول مصر حزام الزلازل، ويعتبر أن ذلك أمر مستبعَد لآلاف السنين لكن تظل مخاوفه الرئيسة تتعلق بعدم الالتزام بالكود الزلزالي في البنايات المصرية، والقلق يتزايد بالنسبة للمباني الموجودة في المحافظات الساحلية القريبة من البحرين الأحمر والمتوسط.

مشيراً إلى مشروعات البناء التي تقوم بها الحكومة، قد تكون أكثر التزاماً بتلك الأكواد وإن كانت وضيعتها ليست مثالية أيضاً.

وتعود فداحة الأضرار التي نتجت عن الهزة الأرضية التي تعرضت لها مصر عام 1992، بقوة 5.8 ريختر وكان مركزها السطحي بالقرب من مدينة دهشور جنوب العاصمة القاهرة، وتبعد عنها بمسافة 35 كيلو متراً، إلى ضعف البنية التحتية، ما أدى لسقوط عشرات القتلى وانهيار 627 مبنى.

مخلفات زلزال 1992

المحافظات الشاطئية الأكثر عُرضة للزلازل

يشير أستاذ زلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية، إلى أن عدة مناطق ستكون أكثر عرضة للتعرض إلى هزات أرضية في مصر، على رأسها مناطق جنوب غرب القاهرة، التي تبدأ من منطقة دهشور التي شهدت زلزال عام 1992 وحتى الجبال الواقعة في محافظة الفيوم (جنوب غرب).

 إلى جانب المحافظات الواقعة شمال البحر الأحمر، وضمنها مدينة شرم الشيخ، إلى جانب مناطق غرب السويس القريبة أيضاً من البحر الأحمر ومناطق شرق القاهرة التي تشهد توسعات عديدة حالية، والمحافظات المتشاطئة على البحر المتوسط والقريبة من مناطق حدوث الزلازل في جنوب اليونان وغرب تركيا وتبقى محافظتا الإسكندرية ومرسى مطروح الأكثر تأثراً، ونهاية بجنوب أسوان بالقرب من السد العالي.

وهناك مصادر داخلية وخارجية للزلازل، وفقاً للمتحدث، إذ إن الأولى تتمثل في خليج السويس وخليج العقبة ومنطقة الفيوم، كونها منطقة فوالق، بمعنى أنها أكثر عرضة من غيرها للاهتزازات الأرضية، في حين أن مناطق والبحر المتوسط خاصة منطقة الجرف القاري بالقرب من اليونان وقبرص وتركيا، وهي مصادر خارجية.

يشير المصدر ذاته إلى أن الخطورة تكمن على نحو أكبر في المحافظات الساحلية، التي يقطنها عدد كبير من المواطنين، ولا تخضع لاشتراطات البنايات الموجودة بالقرب من مناطق حزام الزلازل، وتكون أكثر عرضة لحدوث تشققات ومشكلات في بنايتها الداخلية، وبالتالي تكون أكثر تأثراً في حال حدوث أي زلزال.

ويصعُب الحكم على جودة البنايات الجديدة في التي تشيدها الحكومة بالوقت الحالي، لأنها ما زالت حديثة ولا تشهد إقبالاً كبيراً من المواطنين، وتحافظ على ارتفاعات منخفضة، لكن في حال تمددت فيها العشوائيات كما الحال للمدن القديمة، فإنها قد تكون أكثر عرضة للتضرر من الزلازل مستقبلاً كونها تقبع في مناطق تشهد بالأساس هزات أرضية متكررة، بحسب ما يؤكد المتحدث.

علامات:
تحميل المزيد