تكافح الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ أشهر، لمواجهة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عقب مقتل الفتاة الكردية الإيرانية "مهسا أميني"، بعد أن اعتقلتها إحدى "دوريات الإرشاد" بسبب حجابها الفضفاض.
ومع استمرار الاحتجاجات على نطاق واسع داخل إيران، كثف الحرس الثوري الإيراني، هجماته ضد إقليم كردستان العراق المجاور، تحت مزاعم أن جماعات المعارضة الكردية الإيرانية المنفية، والتي تتخذ من إقليم كردستان العراق، مقراً لها، هي التي تقف وراء اشتعال الاحتجاجات في المحافظات الكردية بإيران، فهل ستقوم إيران بمهاجمة كردستان العراق برياً؟
في الأيام القليلة الماضية تركزت قوة الاحتجاجات فى المحافظات الكردية الإيرانية والتي اتخذت شكلاً عنيفاً، قابله بالطبع عنف مضاد من قوات الأمن الإيرانية.. لكن ما علاقة هذا بهجمات الحرس الثوري المكثفة على إقليم كردستان العراق؟
قاآني يحمل تهديداً صريحاً خطيراً للعراق
انتشرت تقارير أجنبية، تفيد بأن كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، هددوا حكومة إقليم كردستان العراق، المتمتع بالحكم الذاتي، باجتياح بري للإقليم، إذا لم تتحرك حكومة إقليم كردستان العراق، لوقف الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة مما سموه هجماتهم وتدخلهم في الشؤون الداخلية للجمهورية الإسلامية، وتأجيج الاحتجاجات في المحافظات الكردية الإيرانية.
واكدت مصادر عراقية، وكردية فى إقليم كردستان العراق، في حديثها لـ"عربي بوست"، صحة التهديدات المتكررة.
يقول زعيم سياسي شيعي عراقي، كان حاضراً للقاء إسماعيل قاآني في زيارته للعاصمة العراقية بغداد، لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "زار قاآني العراق بشكل مفاجئ، وغير معلن، وطلب الاجتماع بعدد من المسؤولين الأمنيين العراقيين والأكراد".
وبحسب المصدر ذاته، فإن قاآني جاء حاملاً "تهديداً صريحاً وخطيراً للعراق بأكمله"، فيقول: "أكد قاآني فى زيارته أن إيران ستعطي حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان مهلة 10 أيام إذا لم تتم حماية الحدود العراقية الإيرانية من هجمات الجماعات المعارضة الكردية الإيرانية في إقليم كردستان العراق".
تتضمن المهلة أيضاً طلباً بنزع سلاح هذه الجماعات، لن يكتفي الحرس الثوري بالهجمات بطائرات بدون طيار على الإقليم، ولكنه سيلجأ إلى اجتياح بري واسع النطاق فى اماكن تمركز جماعات المعارضة الكردية في الإقليم.
نشاط للجماعات الانفصالية..
وأضاف المصدر العراقي قائلاً لـ"عربي بوست"، إن قاآني أخبر السوداني، والمسؤولين الأمنيين العراقيين، أنه يجب عليهم اتخاذ إجراءات صارمة لحماية الحدود الإيرانية مع العراق، من الأعمال التخريبية للجماعات الكردية الإيرانية في إقليم كردستان العراق.
جدير بالذكر أن الحرس الثوري الإيراني، عزز وجوده على طول الحدود الغربية والشمالية الغربية بالوحدات المدرعة والقوات الخاصة، لتأمين الحدود الإيرانية مع إقليم كردستان العراق.
في هذا الصدد، يقول مسؤول إيراني رفيع المستوى، لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "لدينا معلومات استخباراتية عن نشاط كبير للجماعات الانفصالية الكردية، المقيمة فى إقليم كردستان العراق، وقدم الجنرال قاآني هذه المعلومات إلى الحكومة العراقية، لاتخاذ الإجراءات اللازمة".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "إذا لم تتحرك حكومة بغداد وحكومة الإقليم لحل هذه الأزمة، سيكون لنا كامل الحق في الدفاع عن سلامة حدودنا وأراضينا".
اجتماع السوداني والحلبوسي مع قاآني
بحسب المسؤولين العراقيين والسياسيين الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإن قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، طلب عقد اجتماع آخر مع كل من رئيس الحكومة العراقية المعين الشهر الماضي، محمد شياع السوداني، ورئيس البرلمان العراقي، السياسي السني البارز، محمد الحلبوسي.
يقول مصدر مقرب من السوداني، ومطلع على سير هذا الاجتماع لـ"عربي بوست"، شريطة عدم ذكر اسمه، نظراً لحساسية الموضوع: "في هذا الاجتماع ضغط قاآني بشدة على كل من السوداني والحلبوسي، لسرعة التصرف في مسألة الجماعات الكردية الإيرانية المنفية في إقليم كردستان العراق، وكرر تهديداته الخطيرة باجتياح بري للإقليم، إذا لم يقُم العراقيون والأكراد بأي تصرف جاد".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "قبل زيارة قاآني، كانت زيارات المسؤولين الأمنيين الإيرانيين وقادة الحرس الثوري لا تتوقف إلى العراق، الإيرانيون قلقون للغاية بخصوص مسألة تواجد الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة في إقليم كردستان العراق، ويعتقدون أنها سبب تأجيج الاحتجاجات في الداخل، ومن ثم يضغطون على الحكومة العراقية وحكومة الإقليم لحل هذه المسألة".
أشار المصدر المقرب من رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني إلى نقطة أخرى، قائلاً لـ"عربي بوست": "هذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها الإيرانيون مثل هذا التهديد، جاءوا إلى العراق في أغسطس/آب الماضي، وقالوا إن لديهم معلومات عن نشاط كبير للجماعات الكردية الإيرانية المعارضة والمقيمة في إقليم كردستان العراق".
أكد هذا الحديث مسؤول أمني إيراني ثان، قائلاً لـ"عربي بوست": "التهديد باجتياح بري للحدود مع إقليم كردستان العراق لم يأت من فراغ، لكنه جاء بعد يأس من تحرك الحكومة في بغداد، وحكومة الإقليم، منذ أشهر ونحن نتواصل مع العراقيين والأكراد، بسبب معلومات استخباراتية عالية الخطورة بشأن تحركات للجماعات الانفصالية الكردية المنفية في إقليم كردستان العراق، لكن لم أتلقّ أي رد أو تحرك إيجابي من العراقيين".
دائماً ما يشير المسؤولون الإيرانيون، ووسائل الإعلام الإيرانية بمختلف توجهاتها إلى جماعات المعارضة الكردية الإيرانية المنفية في إقليم كردستان العراق، باسم "الجماعات الانفصالية"، أو "الجماعات الإرهابية الانفصالية".
ولفهم مدى أهمية الهجمات الإيرانية على إقليم كردستان العراق، والمأزق الذي تضع فيه حكومتي بغداد (الحكومة الفيدرالية)، وحكومة إقليم كردستان العراق، يجب في البداية شرح ما هي الجماعات المعارضة الكردية الإيرانية، ولماذا تتواجد في إقليم كردستان العراق؟ وما قوة التهديد الذي تمثله هذه الجماعات، للحكومة الإيرانية كما تزعم؟
جماعات المعارضة الكردية الإيرانية في إقليم كردستان العراق
عرفت إيران المعارضة الكردية في المحافظات ذات الأغلبية الكردية، منذ ما قبل الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، فكان الأكراد الإيرانيون من أهم الأعراق في إيران الذين عارضوا الملك الإيراني المخلوع "محمد رضا شاه بلهوي"، كما ساعدوا، آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، في معارضة الشاه، على أمل تحقيق الوعود التي قدمها الخميني لهم، وكان من ضمنها إعطاؤهم حكماً شبه مستقل.
لكن بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، لم يجد الأكراد الإيرانيون تحقيق الوعود التي قدمها لهم الخميني، بل تعرضوا للمزيد من الممارسات التمييزية، خاصة عندما أصدر الخميني فتواه الشهيرة في أغسطس/آب 1979 بإعلان الجهاد ضد المتمردين الأكراد، الداعين للانفصال بمحافظاتهم عن الجمهورية الإسلامية.
في هذا الصدد يقول الصحفي الإيراني المقيم بطهران، والمتخصص فى الشؤون الكردية، حسين زماني لـ"عربي بوست": "عندما أدرك الأكراد الإيرانيون أن وعود الخميني ذهبت مع الريح، لجأ بعضهم إلى حمل السلاح والمطالبة بالانفصال، وترتب على هذا التصرف فتوى الخميني الشهيرة التى زادت الأمور تعقيداً".
بعد الثورة الإسلامية كان هناك حزبان كرديان إيرانيان فقط، هما الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وحزب كومله، لكن بعد فتوى الخميني، وزيادة الدعوات لحمل السلاح بين الأكراد الإيرانيين، نشأت أحزاب أخرى وهي كالآتي:
الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني
تأسس هذا الحزب عام 1945، لكن بسبب خلافات داخلية في الحزب، انشق عدد من أعضائه وأسسوا حزباً آخر باسم "الحزب الديمقراطي الكردستاني-إيران"، وفي أغسطس/آب 2022، أعلن قادة الحزبين المصالحة، وأن كليهما سيعملان تحت اسم واحد وهو "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني".
يقول الصحفي الإيراني حسين زماني لـ"عربي بوست": "هذا الإعلان بالتوحد، هو ما زاد من مخاوف المسؤولين الأمنيين الإيرانيين، وهذا الإعلان يرتبط بالطبع بالتحركات الإيرانية لحث حكومتي بغداد وإقليم كردستان العراق لمواجهة الجماعات المعارضة الكردية الإيرانية".
الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، والحزب الذي انشق عنه، يعتبران من الأحزاب الكردية الإيرانية المعروفة عنها الاعتدال والوسطية، لدى الحزب جناح مسلح، ويقيم أعضاؤه في إقليم كردستان العراق وبالتحديد في مدن متفرقة في مدينة أربيل التي تقع بها حكومة إقليم كردستان العراق، ويسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني (العراقي).
حزب كوملة
تأسس الحزب في عام 1967 بقيادة عبد الله مهتدي، وهو حزب ذو ميول يسارية، وكان على صلة وثيقة بالحزب الشيوعي الإيراني "توده".
منظمة كوملة كادحي كردستان
هي حزب منشق عن حزب كوملة الرئيسي، وانشقت في عام 2008، وأيضاً هي حزب بميول يسارية، يتواجد عدد من أعضائها داخل إقليم كردستان العراق، لكنهم بعيدون عن المخيمات الخاصة باللاجئين الأكراد الإيرانيين، كما يوجد لديها عدد من الأعضاء في الدول الأجنبية.
منظمة الكفاح الكردستاني الإيرانية
تأسس هذا الحزب عام 1980، بقيادة بابا شيخ حسني، ويطلق عليها اسم "خبات"، ويتركز أعضاء هذا الحزب في المناطق الجبلية بالقرب من الحدود مع إيران.
حزب الحياة الحرة الكردستاني
هذا هو أحدث الأحزاب الكردية الإيرانية، وأكثرها نشاطاً، تأسس عام 2004، يمتلك جناحاً مسلحاً قوياً وكبيراً، يمتد قوامه إلى 1400 مقاتل، مقارنة بالأحزاب الكردية الإيرانية الأخرى، كما أن أعضاءه ليسوا فقط من إيران، بل من سوريا، وتركيا والعراق.
يتمركز حزب الحياة الحرة الكردستاني، في المناطق الجبلية الوعرة الممتدة بين إقليم كردستان العراق، والحدود الإيرانية، وخاصة تلك التي يتواجد بها أعضاء حزب العمال الكردستاني.
يقول الصحفي الإيراني المتخصص بالشؤون الكردية لـ"عربي بوست": "حزب الحياة الحرة الكردستاني من أهم وأقوى الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، نظراً إلى نشأته الحديثة، لكن صلاته القوية بحزب العمال الكردستاني، عززت موقفه وعمله في المنطقة".
لماذا تتواجد جماعات المعارضة الكردية الإيرانية، في إقليم كردستان العراق؟
منذ الثمانينات، لجأت جماعات المعارضة الكردية الإيرانية، إلى اختيار منفاها في إقليم كردستان العراق، الذي رحب بتواجدهم على مر السنوات الماضية.
في هذا الصدد يقول الباحث السياسي الكردي الإيراني، صابر عبد الله لـ"عربي بوست": "لجأت جماعات المعارضة الكردية الإيرانية إلى إقليم كردستان العراق، نظراً للعلاقة الطيبة القوية بين الشعبين، عندما ثار أكراد العراق على صدام حسين، حاربهم فلجأوا إلى أكراد إيران للاحتماء والعيش، كما أن الأكراد الإيرانيين يتمتعون بسمعة طيبة في إقليم كردستان العراق".
ويضيف السيد عبد الله قائلاً: "نحن أقرب إلى أكراد العراق، من الأكراد السوريين والأتراك، لم نؤذِهم، ولم نعرض بلادهم إلى الخطر كما فعل غيرنا، كما أن قوة المسلحين الأكراد الإيرانيين في إقليم كردستان العراق لا تشكل خطراً على حكومة الإقليم".
أما بالنسبة إلى حكومة إقليم كردستان العراق، واستقبالها لجماعات المعارضة الكردية الإيرانية، يقول الصحفي الكردي محمد كوجري، لـ"عربي بوست": "استقبال إقليم كردستان العراق لأكراد إيران، مسألة مهمة وحساسة، هناك عقيدة بين الأكراد تلزمهم بحماية القومية الكردية، مهما كان الثمن"، ويضيف كوجري قائلاً: "كما أن الأكراد الإيرانيين، مرحب بهم للغاية بين سكان إقليم كردستان العراق، ولم يسببوا الكثير من المتاعب لحكومة إقليم كردستان العراق، عندما كانت تطلب منهم في أي وقت من الأوقات ضبط النفس وعدم استخدام السلاح، كانوا ينتصون بجدية، على عكس حزب العمال الكردستاني، الذي هاجم أكراد العراق في بعض المرات لتحقيق مصالحه".
رفض إيران لاستقبال إقليم كردستان العراق للمعارضين الأكراد الإيرانيين
اندلعت الاحتجاجات الإيرانية الحالية، بعد مقتل "مهسا أميني"، الكردية الأصل، من مدينة سقز الكردية الإيرانية، لتصل إلى أغلب المدن الإيرانية، فيما بعد، لكنها عادت بقوة إلى المحافظات الكردية الإيرانية شمال غرب إيران.
وبدون الخوض في تفاصيل الاشتباكات بين المتظاهرين الإيرانيين في المحافظات الكردية الإيرانية، وقوات الأمن، سارعت الحكومة الإيرانية لاتهام جماعات المعارضة الكردية الإيرانية التي تتمركز بين محافظتي أربيل والسليمانية في إقليم كردستان العراق، بتأجيج الاحتجاجات في شمال غرب البلاد، لم تكن هذه هي المرة الأولى، ولكنها أكثر المرات قلقاً للمؤسسة الإيرانية.
يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست": "رصدت قوات الحرس الثوري في المحافظات الكردية الإيرانية، وجود عناصر من مسلحين الجماعات الانفصالية الكردية، كما رصد الحرس الثوري تحركات كبيرة لهؤلاء الانفصاليين على طول الحدود الإيرانية مع إقليم كردستان العراق".
يصف المصدر ذاته ما أشار إليه بالتحركات الكردية بأنها "خطيرة ومقلقة للغاية"، فيقول: "هناك خوف كبير من قبل المسؤولين الإيرانيين، من استغلال الانفصاليين للاحتجاجات الحالية، لحمل السلاح ومواجهة القوات الأمنية، والمطالبة بالانفصال عن إيران".
مسؤول أمني إيراني، يوافق المصدر السابق نفس المخاوف فيقول لـ"عربي بوست": "لن نقبل بتعريض وحدة وسلامة الأراضي الإيرانية لأي خطر، الانفصاليون الأكراد المتواجدون بترحيب من حكومة إقليم كردستان العراق على طول الحدود الإيرانية، لديهم نوايا خبيثة تجاه الجمهورية الإسلامية، ويستخدمهم أعداء الجمهورية ولن نسمح بحدوث هذه الأمور".
لكن الصحفي الإيراني المتخصص بالشؤون الكردية، حسين زماني، قلل من حجم التهديد الذي تشكله جماعات المعارضة الكردية الإيرانية المنفية في إقليم كردستان العراق، فيقول لـ"عربي بوست": "جماعات المعارضة الكردية الإيرانية المتواجدة في إقليم كردستان العراق، حجم تمويلها قليل وسلاحها أيضاً قليل، مقارنة بحزب العمال الكردستاني على سبيل المثال، كما أننا لم نشهد اشتباكات كبيرة بين هذه الجماعات وقوات الأمن الإيرانية على مر سنوات طويلة، لا يخلو الأمر من بعض المناوشات الخاصة بتهريب البضائع".
لكن لدى المؤسسة الإيرانية وجهة نظر أخرى فيما يخص حجم التهديد المرتبط بجماعات المعارضة الكردية الإيرانية، وتواجدها في إقليم كردستان العراق، يقول مسؤول أمني إيراني ثانٍ لـ"عربي بوست": "الاضطرابات في داخل إيران مرتبطة بتدخل أجنبي، عن طريق الجماعات الانفصالية، وعملاء الغرب داخل إيران، لذلك ليس من الطبيعي أن تستقبل حكومة إقليم كردستان العراق جماعات إرهابية تهدد الأمن القومي الإيراني، مهما حاولت أن تقلل من أهمية هؤلاء الإرهابيين، فتوفير ملاذ آمن لهم، يساعدهم بشكل قوي على اختراق أمننا القومي".
ماذا أمام إيران الآن؟
بالعودة إلى زيارة قائد فيلق القدس، الجنرال إسماعيل قاآني إلى العراق في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022، والتهديد باجتياح بري لإقليم كردستان العراق، الذي يؤوي جماعات المعارضة الكردية الإيرانية.
يقول المسؤول الأمني الإيراني لـ"عربي بوست": "مسألة الاجتياح البري لإقليم كردستان العراق ستكون الخطوة التالية إذا لم تتخذ العراق أي خطوة لتحجيم هؤلاء الإرهابيين (في إشارة إلى جماعات المعارضة الكردية الإيرانية)، وأنا لا أستبعد قيام الحرس الثوري بمثل هذه الخطوة".
في المقابل، يقول مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى، وكان ضمن الوفد الأمني الذي سافر إلى طهران في الأيام القليلة الماضية لبحث مسألة القلق الإيراني من جماعات المعارضة الكردية الإيرانية في اقليم كردستان العراق، لـ"عربي بوست": "بعد محادثات طويلة مع الإيرانيين سواء في طهران أو بغداد، أستطيع القول إن الإيرانيين عازمون على خطوة الاجتياح البري لإقليم كردستان العراق، مع استمرار الهجمات الإيرانية على مواقع جماعات المعارضة الكردية الإيرانية في إقليم كردستان".
لكن المصدر السابق أشار إلى أن هذه العملية البرية الإيرانية المحتملة داخل إقليم كردستان العراق، ستكون "محدودة"، فيقول: "من خلال كلام الإيرانيين، يمكن القول إن نيتهم من العملية البرية أن تكون محدودة، فقط لدفع جماعات المعارضة الكردية الإيرانية بعيداً عن الحدود الإيرانية".
الحديث عن عملية برية عسكرية إيرانية داخل إقليم كردستان العراق، ستكون واردة بشكل كبير، فى حالة إذا عجزت الحكومة المركزية في بغداد، وحكومة إقليم كردستان العراق، عن طمأنة الإيرانيين، والتعامل الجاد مع جماعات المعارضة الكردية الإيرانية المتواجدة في إقليم كردستان العراق، بحسب المصادر العراقية التي تحدثت لـ"عربي بوست".
ماذا تريد طهران من بغداد وأربيل، الآن؟
يقول مسؤول عراقي في الحكومة الحالية، وكان حاضراً لاجتماع إسماعيل قاآني مع المسؤولين العراقيين ورئيس الحكومة العراقية، لـ"عربي بوست": "قدم الإيرانيون للمسؤولين العراقيين خرائط ومعلومات عن أماكن تواجد أعضاء جماعات المعارضة الكردية في إقليم كردستان العراق، وطلبوا من المسؤولين الأكراد، العمل على نزع سلاح هذه الجماعات، وإغلاق مقرات أحزابهم، ونقلهم إلى دول أخرى أو مخيمات اللاجئين في الإقليم".
في هذا الصدد يقول مسؤول كردي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحزب المسيطر على حكومة الإقليم والذي يتخذ من مدينة أربيل مقراً له، لـ"عربي بوست": "ما يطلبه الإيرانيون صعب تحقيقه، لا الآن ولا في المستقبل، إذا كان الإيرانيون يدركون أو لا يدركون مخاطر هذه المطالب على حكومة الإقليم، فهذه مصيبة، الهوية القومية الكردية شيء مقدس وحساس بالنسبة لنا (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، وبالنسبة للاتحاد الوطني الكردستاني (الحزب الكردي الرئيسي الآخر في إقليم كردستان العراق).
أما بالنسبة لحكومة بغداد المركزية، فالأمر أيضاً يبدو أنه صعب"، يقول مصدر مقرب من رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني لـ"عربي بوست": "نحن في مأزق الآن، وهذه ليست مبالغة، الأكراد لا يسمحون للقوات المسلحة العراقية بالتوغل داخل أراضيهم، كما أن إعادة انتشار القوات المسلحة العراقية في هذه المناطق، من الممكن أن يشكل تهديداً للقوات التركية المتمركزة في نفس المناطق، الأمر صعب".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "يزيد الحرس الثوري يومياً من قواته المتواجدة على الحدود مع إقليم كردستان العراق، وهذا من شأنه أن يمثل خطراً لكلا القوات المتمركزة فى هذه المنطقة، كما أن مسألة الاجتياح البري للإيرانيين داخل الأراضي العراقية، ستضعنا في موقف ضعيف وحساس، ولن تفيد عمليات الإدانة الدبلوماسية فقط في هذا الأمر، لكننا لا نعلم ما هو الحل".
يرى المسؤولون الأكراد العراقيون، أن المسؤولين الإيرانيين، يعتقدون خطأ أن سبب الاحتجاجات الداخلية، هو عمل جماعات المعارضة الكردية الإيرانية، يقول مسؤول كردي في الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي لـ"عربي بوست": "لا يريد الإيرانيون الاقتناع بأن سبب مشاكلهم الداخلية هو سياستهم الداخلية وليس نحن أو الأكراد الإيرانيين، يريدون منا أن نتصرف على أساس ما يعتقدونه".
في النهاية، يبدو أنه لا توجد حلول إيجابية تلوح في الأفق حتى الآن، يقول محلل سياسي إيراني، مقرب من دوائر صنع القرار فى العاصمة طهران، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "لا أتوقع أن يتخلى المسؤولون الإيرانيون عن سياستهم السياسية والعسكرية تجاه إقليم كردستان العراق، ومطالبهم بضرورة العراق للتصدي للجماعات الانفصالية، كذلك من الصعب أن يتوقف الحرس الثوري عن هجماته لقصف قواعد الجماعات الانفصالية في إقليم كردستان العراق"، في إشارة إلى جماعات المعارضة الكردية الإيرانية المتواجدة في إقليم كردستان العراق.
كما تشكل المسألة أيضاً أزمة لكل من إقليم كردستان العراق، والحكومة المركزية في بغداد، فالخيارات أمام المسؤولين العراقيين والأكراد محدودة، بحسب المسؤولين والسياسيين العراقيين والأكراد الذين تحدثوا إلينا.