أعلنت الحكومة العراقية، الأحد 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، استرداد جزء من الأموال المسروقة من القطاع العام، والمتعلق بجزئية الضرائب والأمانات الضريبية، والتي أطلق عليها العراقيون اسم "سرقة القرن"، مؤكدة أن هناك جهات داخل هيئة الضرائب وأخرى رقابية سهلت عملية سرقة الأمانات الضريبية.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قوله إن البلاد نجحت في استرداد جزء من الأموال المسروقة من الأمانات الضريبية.
إذ قال السوداني: "الجهات المختصة تمكنت من استرداد الجزء الأول من المبالغ المسروقة في هذا القطاع، بقيمة تتجاوز 182 مليار دينار (124.6 مليون دولار)".
نُهِبَ 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب من قِبَل شركات وهمية بدون أي أثر ورقي تقريباً بمساعدة مسؤولين فاسدين، وفقاً لتقرير تحقيق داخلي من 41 صفحة اطلعت عليه صحيفة الغارديان البريطانية، وغُسِلَت تلك الأموال من خلال شراء العقارات في أكثر الأحياء ثراءً في بغداد.
السوداني أضاف أن "لجاناً تحقيقية شُكلت لتدقيق الصكوك المصروفة من الأمانات الضريبية أظهرت وجود مخالفات بتسهيل الاستيلاء على أموال الأمانات".
والأمانات الضريبية، هي أموال وضرائب مستحقة على جهات لصالح الدولة، يكون المكلفون بسدادها قد تهربوا عن الدفع لفترات متباينة.
وزاد رئيس الوزراء: "هناك جهات داخل هيئة الضرائب وأخرى رقابية ومسؤولة، سهلت عملية سرقة الأمانات.. سنعلن عن الجهات التي سهلت سرقة الأمانات بعد إكمال التحقيقات".
كما أكد: "لن نستثني أية جهة متورطة بعملية سرقة الأمانات.. اللجان التحقيقية توصلت لنتيجة بصرف 114 صكاً لمتهم يدعى نور زهير بمبلغ إجمالي أكثر من تريليون دينار (685 مليون دولار)".
ودعا السوداني المتهمين الصادرة بحقهم أوامر قبض، إلى "تسليم أنفسهم وتسليم المبالغ المسروقة. وسنعمل مع القضاء لمساعدتهم وفق القانون"، مؤكداً أن "الحكومة ستتابع أي متهم وتسترد المبالغ المسروقة".
كانت وكالة الأنباء العراقية نقلت عن القاضي الأول في محكمة تحقيق النزاهة، ضياء جعفر لفتة، أن القضاء تلقى في نهاية أغسطس/آب الماضي معلومات إلى محكمة التحقيق الكرخ حول محاولات من قبل أشخاص للاستحواذ على مبالغ الأمانات الضريبية والجمركية، وبناء على التحقيق أصدرنا قراراً بإيقاف صرفها، إلا أنه بعد إجراء التحقيقات ظهر أن الأمانات مصروفة بتواريخ سابقة من العام 2021، أي بما يقارب العام من قرار إيقاف الصرف.
وكشف كتاب رسمي صادر عن هيئة الضرائب أن مبلغ 2.5 مليار دولار، جرى سحبه بين سبتمبر/أيلول 2021 وأغسطس/آب 2022 من مصرف الرافدين الحكومي، عبر 247 صكاً مالياً، حرّر إلى خمس شركات، قامت بصرفها نقداً مباشرة، وفقاً لـ"فرانس برس".
مخطط محكم
وكانت صحيفة The Guardian قد توصلت إلى أن المخطط دُبِّرَ من قِبَلِ رجل أعمال ذي صلات جيدة، ونفذه موظفون في لجنة الضرائب تمتعوا بدعم فصيل سياسي متحالف مع إيران يسمى منظمة بدر.
لكن لا يمكن أن تحدث سرقة بمثل هذه الضخامة إلا بمعرفة مجموعة واسعة من المؤسسات، بما في ذلك مكتب رئيس الوزراء، والبنك الذي أجاز عمليات السحب، وهيئة النزاهة والبنك المركزي، وفقاً لوثائق مسربة ومقابلات مع عشرات المسؤولين ورجال الأعمال والمصرفيين بمعرفة مفصلة بالقضية.
من جانبه، قال عضو سابق في اللجنة المالية بالبرلمان، ومثل معظم الأشخاص الذين أُجرِيَت معهم مقابلات لم يرغب في ذكر اسمه خوفاً من الانتقام: "إنها شبكة كبيرة وخلفها سياسيون كبار من كيانات قوية يقودون البلاد. لا يمكن لرؤساء الإدارات سرقة مثل هذه المبالغ بمفردهم". وأضاف: "هناك اتفاق وكل شخص يحصل على حصة".
وقال المدير السابق لمكتب الكاظمي الخاص، أحمد نجاتي: "الادعاء بأن مكتب رئيس الوزراء وافق على إزالة التدقيق وسهل السرقة في نهاية المطاف أمر مضلل". وأضاف: "إزالة التدقيق ليس مبرراً للسطو".
كُشِفَت الفضيحة من قِبَلِ حكومة الكاظمي المنتهية ولايتها الشهر الماضي، في نهاية صراع استمر لمدة عام حول تشكيل الحكومة بين فصيلين شيعيين متنافسين: حزب رجل الدين الشيعي النافذ مقتدى الصدر، الذي دعم الكاظمي، وتحالف فضفاض من الأحزاب الشيعية المعارضة لهم. تولى هذا التحالف السلطة منذ ذلك الحين، حيث حلَّ السياسي المخضرم محمد السوداني محل الكاظمي كرئيس للوزراء في 27 أكتوبر/تشرين الأول.
وطغت الاتهامات المتبادلة من الجانبين على انتقال السلطة في بلد تُستخدَم فيه تحقيقات الفساد في كثير من الأحيان لتشويه سمعة المعارضين بدلاً من غرس الشفافية.