علم "عربي بوست" من مسؤولين إيرانيين أن هناك نية كبيرة لدى بعض المسؤولين في المؤسسة الحاكمة بإيران، لفتح باب الحوار بين الأطياف السياسية، بهدف إقناع القيادة الإيرانية العليا، بالاستماع لمطالب المحتجين في الشوارع.
وتتكون أبرز الأطياف السياسية في إيران من الأصوليين، وهم المحافظون، أنصار المرشد الأعلى آية الله خامنئي، والإصلاحيون، وهم الذين يدعون لمزيد من الحرية والديمقراطية في إيران.
وتُواجه الحكومة الإيرانية مظاهرات مستمرة، بدأت في منتصف شهر سبتمبر/أيلول 2022، بعد إعلان وفاة الشابة مهسا أميني، بعد وقت وجيز من احتجازها من قِبل شرطة الأخلاق، بسبب عدم ارتدائها للحجاب بطريقة صحيحة.
بداية الحوار مع الإصلاحيين
كشف مصدر مقرب من الجنرال علي شمخاني، سكرتير مجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني، أن "الجنرال يسعى لتنسيق حوار سياسي مشترك بين الإصلاحيين والأصوليين، بعدما التقى عدداً من قادة التيار الإصلاحي".
وحسب المصدر نفسه الذي تحدث لـ"عربي بوست"، فإن "شمخاني التقى الرئيس الإيراني السابق المحسوب على التيار الإصلاحي محمد خاتمي، وسعى لإقناعه بالتوسط بين الحكومة والمحتجين في الشوارع، للأسبوع 11 على التوالي".
وأضاف المصدر نفسه، أن "الجنرال علي شمخاني لديه خطة جادة لإيجاد حل للأزمة الحالية في إيران، وقد بدأ التحرك الجاد من أجل ذلك منذ أيام، منطلقاً من فتح باب الحوار مع الإصلاحي خاتمي".
وأشار المصدر نفسه إلى أن "خاتمي شخصية جديرة بالاحترام لدى الإيرانيين، وسيكون قادراً على حل الأزمة الحالية، وتهدئة الشارع المضطرب، خاصةً أن هناك مسؤولين عسكريين كباراً مرحبين بخطوات الجنرال شمخاني الأخيرة".
مقابل ذلك، قال سياسي إصلاحي بارز ومقيم في العاصمة طهران، لـ"عربي بوست": "علمت بأمر لقاء شمخاني بخاتمي، وهذه خطوة كبيرة وغير مسبوقة ونادرة أيضاً، لم يكن أحد يتوقعها لا حالياً ولا في أي وقت سبق".
دعم مفاجئ لخاتمي
يحظى الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي باحترام داخل المجتمع الإيراني، ورغم أنه ينتمي للتيار الإصلاحي الذي يرفضه المرشد الأعلى آية الله خامنئي، فإنه كان أول الأبواب التي استُعين بها لحل الأزمة الاجتماعية في إيران.
جريدة "الصباح الصادق" الأسبوعية، التابعة للحرس الثوري، بدورها تبنّت لهجةً هادئة تجاه خاتمي، الذي يُعتبر الأب الروحيّ للمعسكر الإصلاحي، ووصفته بـ"رجل السياسة القدير".
هذا التغيير المفاجئ تجاه الرجل جاء بعدما منعت إيران نشر أخبار خاتمي، أو حتى تداول اسمه وصوره في وسائل الإعلام المقربة من الحكومة والتيارات الأصولية، بعد أن أعلن دعمه لاحتجاجات 2009، الرافضة لـ"تزوير الانتخابات الرئاسية".
حينَها كان الحرس الثوري من ضمن المعارضين لهذه الاحتجاجات، وضدَّ كل من دعمها، لذلك فإن نشر خبر إيجابي عن خاتمي في جريدة تابعة للحرس يشير إلى تطور مهم في السياسة الداخلية لإيران، في فترة الاحتجاجات الحالية.
الأصوليون والإصلاحيون.. حوار لم يُفتح
في تاريخ الأزمات التي مرَّت بها إيران فشلت كل مساعي الحوار بين الأصوليين والإصلاحيين، والسبب الرئيسي كان تشبث المرشد الأعلى آية الله خامنئي برأيه.
فبعد سنوات من احتجاجات 2009، كتب الرئيس الإيراني الإصلاحي الأسبق، محمد خاتمي، رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، يطلب منه فتح حوار ومصالحة سياسية بين الإصلاحيين والأصوليين، لكن كانت الإجابة هي الرفض.
بل تطوَّر الأمر إلى أكثر من ذلك، وأُزيح الإصلاحيون من المشهد السياسي الإيراني بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2021، حيث استَبعد مجلس صيانة الدستور جميعَ المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين، واكتفى بمرشح إصلاحي لا يعرفه أحد.
ويُسيطر على مجلس صيانة الدستور الأصوليون، بقيادة رجل الدين أحمد جنتي، وهو هيئة مؤلفة من 12 عضواً، 6 منهم من رجال الدين، يختارهم المرشد الأعلى، والـ6 الآخرون من القضاة يتم اختيارهم من قِبل السلطة القضائية، ويُعيّن رئيسها المرشد الأعلى أيضاً.
ويحق لمجلس صيانة الدستور منع أي مترشح من التقدم للانتخابات إذا لم تتوفر فيه المواصفات التي حدَّدها الدستور الإيراني؛ لذلك كان من السهل على هذه المؤسسة استبعاد المرشحين الإصلاحيين.
انقسام الحرس الثوري
مصدر مقرب من الحرس الثوري قال لـ"عربي بوست" إن خطوات الجنرال شمخاني، تجاه خاتمي وغيره من الشخصيات الإصلاحية، لم تكن وليدة اللحظة أو فكرته الخاصة، لكنها جاءت بعد مشاورات مع عدد من كبار قادة الحرس.
وأضاف المصدر نفسه: "في الأيام الماضية، ومع استمرار المظاهرات، خاصةً بعد شنِّ الحركات الانفصالية الكردية هجوماً على الأمن، ظهر انقسامٌ بين قادة الحرس حول طُرق التعامل مع أعمال الشغب المصاحِبة للاحتجاجات، ومحاولة تهدئتها".
وبحسب المصدر ذاته، فإن هناك عدداً من كبار قادة الحرس الثوري رفضوا فكرة الحوار مع التيارات الإصلاحية، التي تتمتع بشعبية إلى حد ما لدى الشعب الإيراني، بالإضافة إلى الاستماع إلى مطالب المتظاهرين.
مقابل ذلك، يقول مصدر "عربي بوست"، كان هناك عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، رحّبوا بفكرة الحوار بين الإصلاحيين والوصوليين، وحثوا الجنرال علي شمخاني على التحرك من أجل تنفيذها.
وكشف المصدر نفسه أنّ "قادة الحرس الثوري المؤيدين لفكرة الحوار والاستماع لمطالب المتظاهرين اجتمعوا مع مسؤولين كبار في مكتب المرشد الأعلى، لكن على ما يبدو أنه إلى الآن لم يصلهم رد كامل وواضح".
وأشار المتحدث إلى أن "أغلب قادة الحرس حتى غير المرحِّبين بالحوار، كانوا ضد فكرة استخدام القوة ضد المتظاهرين، لكن استخدامها كان واجباً في بعض المواقف، التي أثار فيها مثيرو الشغب الكثير من المشاكل".
وفي الأيام الماضية، كانت الاحتجاجات مكثفة في المحافظات الكردية في إيران، ما أثار مخاوف لدى طهران من محاولات بعض الأحزاب الكردية المعارضة المسلحة، بين إيران وكردستان العراق، اختراق الاحتجاجات، واستهداف عناصر الأمن.
الاستعانة بأكبر عائلات إيران
كشفت تقارير إعلامية أمريكية، أنَّ هناك تواصلاً بين مسؤولين أمنيين إيرانيين، وبعض أفراد من العائلات الكبيرة والمؤثرة، في أمثال عائلة الخميني، مؤسس الجمهورية، وعائلة هاشمي رفسنجاني، أحد أهم رجالات الثورة الإيرانية.
مصدر مقرب من عائلة علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الأسبق، أكد لـ"عربي بوست" تواصُل الجنرال شمخاني مع محسن، النجل الأكبر لعائلة رفسنجاني، لكنه لم يردّ إلى الآن على المبادرة.
أما بالنسبة لعائلة آية الله روح الله الخميني، فيقول مسؤول إيراني بارز، على علم بهذه الاتصالات، لـ"عربي بوست"، إن "الجنرال شمخاني التقى بحسن الخميني، لكن على ما يبدو كان لحسن مطالب لن يستطيع شمخاني إقناع القيادة الإيرانية بها".
وبحسب المصدر، فإن مطالب حسن الخميني كانت ضرورة لإعادة نظر القيادة الإيرانية العليا في مسألة الحجاب الإلزامي، وتركه اختيارياً كشرط للمشاركة في الحوار بين المتظاهرين والحكومة الإيرانية.
وحسن الخميني، أهم أحفاد آية الله الخميني، كان قد أعلن نية الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2017، لكن لم يتخذ خطوة الترشح بعد نصيحة مستترة من المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي.
كما يُعرف عن حسن الخميني الكثير من المواقف المعارضة لمسار الجمهورية الإسلامية حالياً، تحت قيادة خامنئي، بالإضافة إلى قربه من الشخصيات السياسية الإصلاحية.
وعن هذا التواصل بين الجنرال شمخاني مع كلٍّ من عائلة الخميني ورفسنجاني، يقول مصدر لـ"عربي بوست"، إن "الأمور لم تسِر على ما يرام، لأن العائلتين لهما شروط للمشاركة في الحوار لن توافق عليها القيادة الإيرانية".
تحركات نجل خامنئي
علِم فريق "عربي بوست" من مصادره داخل العاصمة الإيرانية طهران، بالدور الذي يلعبه مجتبى خامنئي، الابن الأوسط لعلي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها إيران، منذ وفاة الشابة مهسا أميني.
يقول مصدر مقرب من المرشد الأعلى: "قدم مجتبي مقترحات تتشابه مع الطريقة التي تم التعامل بها مع احتجاجات 2009، لكن بعد مرور أكثر من شهرين على الاحتجاجات، ووصول أعمال الشغب إلى منعطف خطر، كانت له نظرة أخرى".
وأضاف المصدر نفسه في حديثه مع "عربي بوست"، أنه "في البداية كان مجتبى خامنئي يعتقد أنه بمجرد مواجهة قوات الأمن للمظاهرات سوف تنتهي، كما انتهت الاحتجاجات السابقة عامي 2018 و2019، لكن بعد ذلك اختلفت الأمور".
يقول المصدر نفسه: "صحيح أن مجتبى لا يتدخل كثيراً في سير العملية السياسية، وعمل الحكومة الإيرانية، لكن من وقت لآخر يستمع والده إلى آرائه، وبالطبع هي غير ملزِمة".
وأشار المصدر نفسه إلى أن "مجتبى اجتمع مع عددٍ من قادة الحرس الثوري، للوقوف على آخر تطورات الوضع، خاصةً في المحافظات الكردية الإيرانية، التي بدأت فيها الاحتجاجات".
ويضيف المصدر ذاته: "كانت هناك نية من مجتبى خامنئي في الاجتماع بعدد من الشخصيات الإصلاحية، وكان هناك موعد للقائه مع فائزة رفسنجاني، لكن إلى الآن لم يتم اللقاء، وأعتقد أنه لن يتم بسبب ظروف خاصة".
ولم يتطرّق المصدر إلى الظروف الخاصة التي منعت لقاء مجتبى خامنئي بفائزة رفسنجاني، واكتفى بالقول: "كانت فكرة خاطئة اقترحها أحد المسؤولين، لكن على ما يبدو أن مجتبى رفضها في النهاية".
وفائزة رفسنجاني هي ابنة علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ومعروفة بمواقفها المعارضة للحكومة الإيرانية في كثير من الأحيان، وقد تم اعتقالها وسجنها أيضاً في مواقف سابقة، كان آخرها الاحتجاجات الحالية التي أعلنت دعمها لها.
هل سيوافق خامنئي على دعوات الحوار؟
طوال 30 سنة، وهي فترة حكم آية الله علي خامنئي لإيران، لم يتنازل مرة واحدة لمطالب المحتجين، بل كان يتبع سياسة عدم الضعف، ويطلب من الحكومات المتتالية عدم الاستماع لمطالب المحتجين وتحقيقها، لإظهار القوة وعدم الضعف.
يقول سياسي إصلاحي لـ"عربي بوست"، إن "خامنئي ومسؤولين كباراً في إيران يرون الاستماع لمطالب المحتجين وتنفيذها بداية انهيار للجمهورية الإسلامية، لكن المحتجين لن يكتفوا، وفي كل مرة يحدث شيء يُثير غضبهم سينزلون إلى الشارع".
وحسب المصادر التي تحدّثت لـ"عربي بوست"، فإن هناك مخاوف في إيران بشأن زعزعة الأمن، خاصةً بعد وقوع حادثتين إرهابيتين، يقال إن تنظيم الدولة الإسلامية قد أعلن مسؤوليته عنهما.
لذلك لجأ بعض كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين إلى فكرة إجراء حوار مع الإصلاحيين، معتمدين على شعبيتهم (حتى وإن كانت قد قلّت في السنوات الماضية)، في محاولة لتنفيذ بعض الإصلاحات، خاصةً تلك التي تخص قانون الحجاب الإلزامي.
"لكن إلى الآن، على ما يبدو، لم يقتنع المرشد الأعلى في الجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي، بهذه الخطوات"، يقول مصدر مقرب من مكتب المرشد لـ"عربي بوست".
وأضاف المصدر في تصريحه لـ"عربي بوست": "لا أعتقد أن مساعي الحوار والوساطة، وحتى وإن كان يقف وراءها مسؤولون كبار، ولديهم مصداقية لدى خامنئي، سيكون لها مردود إيجابي".
وخرج اليوم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، بالتزامن مع الأسبوع الـ11 من الاحتجاجات في إيران، في خطاب ألقاه أمام حشد من قوات الباسيج، التي تتعامل مع الاحتجاجات، مطالباً أفرادها بالحفاظ على معنوياتهم ومستوى استعدادهم وحذرهم.
وقال خامنئي في خطابه: "يقولون استمع إلى صوت الأمة، هذا الصوت رُفع في تشييع جنازة شهيد الأمة الإيرانية (في إشارة إلى مقتل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس)، هذا هو صوت الأمة، لماذا لا تستمع أنت إلى صوت هذه الأزمة؟".
يقول السياسي الإصلاحي المقيم بالعاصمة الإيرانية طهران، لـ"عربي بوست": "اعتدنا في إيران أن نحصل على تعليقات وإجابات المرشد الأعلى على بعض الأمور، من خلال رسائل خفية في خطاباته".
ورجّح المتحدث أن تكون رسائل الخطاب الأخير مُجرد تأكيد على نهج معين للمؤيدين، وفي الكواليس الأمور تختلف، وفي الوقت نفسه من الممكن أن يكون الخطاب هو إجابة واضحة لدعوات الحوار، وسوف يغلق هذا الباب قريباً.
تهديد شمخاني بالاستقالة
انتشرت في الأيام الأخيرة شائعات تقول إن سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الجنرال علي شمخاني، قد قدم استقالته من المجلس، لكن مصادر إيرانية نفت لـ فريق "عربي بوست" هذه الشائعات.
وقال مصدر صحفي مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لـ"عربي بوست": "علي شمخاني لم يقدم استقالته بشكل رسمي، لكنه مقابل ذلك هدّد بالاستقالة".
"لم يتلقَّ شمخاني إلى الآن رداً على مساعيه للحوار مع الإصلاحيين، قصد التوسط بين الحكومة والمحتجين، على ما يبدو أنه شعر بالإحباط من عدم وجود ردّ واضح وصريح من المؤسسة السياسية"، يُضيف المصدر نفسه.
مقابل ذلك، يقول مصدر مقرّب من مكتب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لـ"عربي بوست": "تواصل شمخاني مع مسؤولين كبار في مكتب المرشد الأعلى، وأوصلوا رسالة وخطوات شمخاني، لكن مسألة الحوار مع الإصلاحيين غير واردة الآن في ذهن خامنئي".
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”