قالت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، الثلاثاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إن كبار قادة إيران بدأوا بإجراء "محادثات سرية" مع عائلتين من العائلات المؤسسة للجمهورية الإسلامية، هما عائلتا رفسنجاني والخميني، وذلك بعد أن اجتاحت التظاهرات المناهضة للحكومة إيران بأكملها.
الصحيفة نقلت عن "أشخاص مطلعين" قولهم إن رئيس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، طلب من ممثلي العائلتين اللتين أطيح بهما من السلطة من قبل متشدديين؛ إلقاء خطابات علنية لتهدئة الاضطرابات.
المصادر ذاتها قالت إن المسؤول الإيراني ربط تنفيذ مطالبه بإمكانية تطبيق الإجراءات الديمقراطية التي يطالب بها المتظاهرون، لكن العائلتين رفضتا هذا العرض.
غياب الإصلاحيين عن السلطة
يُشار إلى أن مشاركة المعتدلين والإصلاحيين في الحكومة كانت متنفساً للضغط السياسي في الماضي، لكن دور كلا الفصيلين في السياسة الخارجية تقلص بدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة.
ويسعى الساسة الإصلاحيون منذ عقود إلى تخفيف قبضة خامنئي المتشددة على المجتمع الإيراني، ورغم قبول المعتدلين لدوره، فهم يفضلون مزيداً من الحريات الاجتماعية والسياسية. وأصواتهم المعارضة قد تساعد في امتصاص السخط دون أن تشكل تهديداً للنظام.
وتشير محاولات الحكومة للتحاور مع عائلتي الخميني ورفسنجاني إلى أنها تبحث عن إجراءات أخرى لقمع المظاهرات، وتدرس تقديم تنازلات كانت تُعتبر غير واردة من بضعة أشهر فقط.
كان آية الله روح الله الخميني، رجل الدين الشيعي الذي ساعدت عودته من المنفى في إسقاط النظام الملكي عام 1979، والد الثورة الإيرانية وأول مرشد أعلى لها حتى وفاته بعد عقد من الزمن. أما أكبر هاشمي رفسنجاني فهو الذي هندس صعود خامنئي إلى منصب المرشد الأعلى. وكان رئيساً للبلاد من عام 1989 إلى عام 1997، وظل أحد المطلعين البراغماتيين داخل النظام حتى وفاته عام 2017.
الخلافات مع خامنئي
وتمكن الأعضاء الأصغر سناً في عائلتي الخميني ورفسنجاني من بناء مسيرات مهنية بمجال الأعمال والسياسة، وكانوا إصلاحيين أو معتدلين على الأغلب خلافاً لخامنئي. وقد اعتُقلت ابنة رفسنجاني الصغرى، فايزة هاشمي، وأفراد آخرون من العائلتين خلال الاحتجاجات الأخيرة.
وأواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دعا شمخاني مجيد أنصاري، نائب الرئيس السابق في عهد الرئيس الوسطي السابق حسن روحاني، المقرب من عائلة الخميني، وحسين مرعشي، أحد أقارب زوجة رفسنجاني، إلى اجتماع بمكتبه في طهران، وفقاً لما قالته مصادر مطلعة.
المصادر أضافت أن من ضمن الحضور أيضاً كان بهزاد نبوي، الذي أسس جهاز استخبارات الجمهورية الإسلامية وهو الآن مقرب من الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي.
وقد أعرب شمخاني عن ثقته بصمود الجمهورية الإسلامية، قائلاً إنه تلقى معلومات تفيد بأن الولايات المتحدة لا تسعى لتغيير النظام، حسبما قال أشخاص مطلعون على الاجتماع. وقال لهم إنهم إذا طلبوا من المتظاهرين التوقف، فقد يتبع ذلك العمل بالإجراءات الديمقراطية التي يحبذونها، وفقاً للأشخاص المطلعين.
رئيسي يطلب دعم المعتدلين
وقال المطلعون إن شمخاني رتب لهم لقاء بعد أسبوع مع الرئيس رئيسي الذي كرر طلب دعم العائلتين. بينما اقترح مرعشي على القادة الإيرانيين أن يتوصلوا إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لإحياء اتفاقية عام 2015 التي تقيد البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الدولية.
وقال إن إحياء الاتفاق- وهو هدف للعديد من المعتدلين والإصلاحيين الذين يفضلون التعامل مع الغرب- سيخفف عزلة إيران الاقتصادية ويساعد في نزع فتيل الاحتجاجات.
كما أشار مرعشي إلى أنه لم يتمكن من التعليق على الفور عند الاتصال به عبر الهاتف ولم يرد على الطلبات التي أعقبته. ولم يرد شمخاني وأنصاري ورئيسي- عبر موقع حكومته الإلكتروني- على طلبات التعليق.
ومنذ هذه الاجتماعات، دعم بعض أفراد العائلتين المتظاهرين علناً. إذ أصدر حسن الخميني، وهو رجل دين إصلاحي بارز وحفيد مؤسس الجمهورية، دعوة عامة لتغيير سياسي شامل.
وقال لموقع "بيان فردا" الإصلاحي، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي: "الطريقة الأكثر عقلانية لإدارة البلاد هي الديمقراطية الموجهة من الأغلبية. علينا أن نضع أملنا في الله"، وأضاف أنه بهذه الأفكار مخلص لمبادئ جده. ويطالب فصيل إصلاحي ينتمي إليه مرعشي الآن بإجراء استفتاء لتقرير مستقبل النظام.
دعم الاحتجاجات
ويقترب المسؤولون الإصلاحيون المهمشون الآخرون من المحتجين بخطى ثابتة. إذ أصبحت بروانه سلحشوری، النائبة الإيرانية السابقة التي طالبت بإلغاء الحجاب الإلزامي وزعيمة مجموعة صغيرة من المشرعات الإصلاحيات، أكثر انتقاداً للحكومة منذ أن قررت عدم الترشح للانتخابات من جديد عام 2021.
وقالت محذرةً الحكومة في تغريدةٍ هذا الشهر: "تأكدوا أن صبر الله نفد من قسوتكم". وانتقدت أيضاً الإصلاحيين، مثل خاتمي، قائلة إن جهودهم للعمل داخل الحكومة الإيرانية قد باءت بالفشل.
أحد المخاطر التي يواجهها النظام هو أن الجماعات التي تدعم الحكومة- مثل رجال الدين الشيعة الأقوياء المتمركزين في مدينة قم- قد تعيد النظر في موقفها إذا بدأت تشك في قدرتها على احتواء الاضطرابات.
والأخطر من ذلك أن الحرس الثوري الإسلامي، وهو فرع قوي من الجيش الإيراني تطور على مدى عقود إلى مؤسسة شبه مستقلة لها مصالح تجارية واسعة النطاق، قد يستولي رسمياً على السلطة ويحل محل الحكم الديني الإيراني.
وتظهر استطلاعات الرأي أن معظم الإيرانيين يعارضون الشكل الديني للحكومة في الجمهورية الإسلامية. إذ قال حوالي 68% من المشاركين في استطلاع عام 2020 للإيرانيين إنهم يرون أنه من الضروري فصل الأحكام الدينية عن تشريعات الدولة، وفقاً لمجموعة تحليل وقياس المواقف في إيران، وهي مؤسسة بحثية غير ربحية في هولندا. وقال 14% فقط إنهم يؤيدون تطابق القوانين مع التعاليم الدينية.
وحتى المؤيدون يقرون بأن ضغط خامنئي لاستبعاد الأصوات الإصلاحية والمعتدلة من الحكومة قد أشعر العديد من الإيرانيين بالعزلة، وغياب أي منفذ للتعبير عن إحباطهم بخلاف الاحتجاجات.
إذ قال محمد رضا ضياء، القيادي الطلابي في ميليشيا الباسيج، التي يتمثل دورها في حماية نظام الجمهورية الإسلامية، في خطاب عام في يناير/كانون الثاني، موجه لرئيسي: "في الأيام التي لا يكون فيها للناس مشاركة كبيرة في الحد الأدنى من المنصات المخصصة للمشاركة السياسية، مثل الانتخابات، يصبح ضرورياً اتخاذ خطوات في اتجاه تصميم آليات وإجراءات تدعم إرادة الناس في المؤسسات".