في حوار خاص وحصري مع "عربي بوست"، تحدث عضو مجلس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري "الهايكا" في تونس، هشام السنوسي، عن تدخل هيئة الانتخابات في عمل الصحفيين.
كما اعتبر عضو مجلس "الهايكا"، في حديثه مع "عربي بوست"، أن حرية الإعلام والتعبير في خطر كبير، خاصة بعد إصدار المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.
واعتبر السنوسي، في حواره، أن هيئة الانتخابات خالفت القانون، وتحاول خلق مُناخ من الرعب في صفوف الصحفيين والمؤسسات الإعلامية قبل فترة قليلة من التشريعات؛ اعتقاداً منها أن قربها من السلطة والقصر يتيح لها التعسّف على صلاحيّات هيئة أخرى، وهي "الهايكا".
السلطة الحالية تُقيّم الإعلام على قاعدة الولاء لها أو معارضتها، ولا تقيمه كجزء من نظام الحكم في دولة ديمقراطية، خاصة في ظل العديد من المعطيات والمؤشرات التي تثير الخشية حول مستقبل حرية التعبير وحرية الصحافة.
لو توضح لنا خلفيات الخلاف أو لنقُل الصدام بين الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري وهيئة الانتخابات؟
القانون الانتخابي ينصّ على أن يقع إصدار قرار مشترك بين الهيئتين، وقد تم إصدار القرار المشترك مع هيئة الانتخابات الحالية خلال الاستفتاء على مشروع الدستور في 25 يوليو/تموز 2022، وحدثت إشكاليات وخلافات خلال نقاشات إصدار القرار المشترك؛ إذ أصرّت "الهايكا" على أن يكون الحضور الإعلامي خلال الحملة الانتخابية شاملاً للمشاركين في الاستفتاء من داعمين لمشروع الدستور والرافضين له وحتى المقاطعين للاستفتاء الذي كانت ترفضه هيئة الانتخابات.
ولكن في النهاية نجحنا في الإقناع بموقفنا وفرضنا إتاحة الحضور الإعلامي للمقاطعين للاستفتاء على مشروع الدستور، خاصة الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري أصرت على أنه في حال إقصاء المقاطعين للاستفتاء لن تُمضي على القرار المشترك مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
ويبدو أن طبيعة تلك النقاشات وخلفياتها وموقف "الهايكا" على هذا القرار المشترك المتعلق بالانتخابات التشريعية، والتي تم الإبقاء على البنود المتعلقة بالتغطية الإعلامية وضوابطها بينما تغيّر النظام من الاقتراع على القائمات إلى اقتراع على الأفراد في دوائر انتخابية أضيق بكثير، وبالتالي كان يُفترض تغيير البنود المتعلقة بالتغطية الإعلامية وضوابطها لتتماشى مع نظام الاقتراع الجديد، ولكن للأسف لم يحصل ذلك.
نحن انتبهنا إلى هذه المسألة وطالبنا الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالتفاعل والتشاور في وقت يسمح بالخروج بأفكار جديدة ووضع قواعد جديدة مشتركة في مسألة التغطية الإعلامية للانتخابات التشريعية، ولكن للأسف كان هناك تجاهل لطلباتنا لدرجة خروج رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر في إحدى وسائل الإعلام ليقول نحن في العادة نقوم بإمضاء القرار المشترك قبل أيام من تاريخ الانتخابات، ويتساءل عن أسباب مطالبنا بالتسريع في فتح نقاشات بالخصوص.
وعلى إثر ذلك انطلقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتصوير حصص التعبير المباشر للمترشحين للانتخابات التشريعية دون استشارتنا كما ينص القانون، في محاولة لوضعنا أمام الأمر الواقع رغم أن حصص التعبير المباشر هي جزء مهم من القرار المشترك دون حتى إعلامنا.
أصدرت الهايكا بعدها قرارها التوجيهي للتعاطي الإعلامي مع الانتخابات التشريعية، لتُراسلنا هيئة الانتخابات إثر ذلك لطلب نسخة من قرارنا، علماً أنه لا يوجد في القانون ما يُجبر "الهايكا" على تقدمها بمشروع القرار لهيئة الانتخابات، بل فقط القانون ينص على التشاور للخروج بالقرار المشترك للتغطية الإعلامية للانتخابات التشريعية.
هيئة الانتخابات أصدرت قراراً يجعلها في مرتبة المسؤولية الكاملة عن الإعلام خلال الانتخابات التشريعية، ما رأيكم؟
بالضبط، بعدها أصدرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قراراً يتحدث عنها كهيئة لها الولاية الكاملة والحصرية للانتخابات التشريعية وليس ولاية عامة للانتخابات، ومن لا يلتزم بقراراتها ستتم إحالته إلى النيابة العامة والقضاء، فهذا تعسف وتجاوز للقانون، ومن هنا نحن أمام هيئة انتخابات في وضع تُمارس فيها صلاحيّات تتجاوزها ستمسّ من خلالها حرية التعبير وستمسّ من نزاهة الحملة الانتخابية.
فـ"الهايكا" كانت تنص في قراراتها على عقوبات إدارية يُمكن الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية لمن يُخالف ضوابط التغطية الإعلامية المتوازنة أو يقوم بخروقات، ولكن ما تضمنه قرار هيئة الانتخابات من عقوبات ذات طابع جزائي يجعلنا نرى بوضوح نوعاً من التخويف لوسائل الإعلام وإجبارها على الالتزام بقرار هيئة الانتخابات رغم أنه ليس من صلاحياتها مراقبة ورصد الخروقات وليس لها الإمكانيات للقيام بذلك الدور الذي تختصّ به "الهايكا"، وليس لها هذا التوسّع في التأويل وإحالة الصحفيين الذي يقومون بخروقات إلى القضاء.
تبعاً لتوضيحاتكم، هل يُمكن القول إن هيئة الانتخابات قامت بتجريد الـ"هايكا" من صلاحياتها ودورها الذي تقوم به منذ سنوات؟
ذلك ما يتهيّأ لها، فأولاً لا يُمكن لهيئة أن تُجرد أخرى من صلاحيّاتها، والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري موجودة بمرسوم، وبالتالي ما يجرد الهيئة من صلاحيّاتها هو صدور مرسوم من رئاسة الجمهورية أو استبدالها بهيئة أخرى، وفي تلك الحالة يُمكن أن نتحدث عن استبدال هيئتنا.
وفي الخلاصة نحن نرى بوضوح اليوم ارتباك هيئة الانتخابات، خاصة بهذا التوتر في التعامل، علماً بأن "الهايكا" أكدت خلال إصدار قرارها التوجيهي أنها ستمُد هيئة الانتخابات بالوثائق والتقارير والخروقات وكل الوثائق التي ينصّ عليها القانون.
ولكن مع الأسف هيئة الانتخابات هربت إلى الأمام وأصدرت قراراً فيه مس من نزاهة الانتخابات التشريعية المقبلة وفيه مسّ من حرية الإعلام والصحافة.
كيف تفسرون إعلان هيئة الانتخابات المفاجئ عن ولايتها الكاملة والحصرية على المسار الانتخابي والانتخابات خاصة أنكم تعاملتم طيلة السنوات الماضية دون صدام كما الحال؟
مع مجالس هيئات الانتخابات السابقة كانت هناك خلافات كبيرة بيننا، ولكن كنا نجد أصواتاً تُوفق بين تلك الخلافات للتنوع الذي كان يتسم بها مجالس تلك الهيئات من انتماء لمؤسسات محددة وبشروط محددة وطريقة انتخابها وتركيبتها التي تضم صحفيين ومُختصين في الإعلام، خلافاً لهيئة الانتخابات الحالية التي بُنيت تركيبتها على التعيين الكامل لكل أعضائها، وبالتالي رُبما هذا ساهم في إبراز الاختلافات والخلافات وتعمقها أكثر إلى الحدّ الذي نراه اليوم بعد قرار هيئة الانتخابات بجعل ولايتها الكاملة والحصرية على الانتخابات التشريعية.
هل تعتقدون أن وراء قرار هيئة الانتخابات سنداً سياسياً من السلطة أو قصر قرطاج أو لديكم معلومات بذلك؟
في اعتقادي أن قرب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من السلطة السياسية إلى درجة التماهي أثَّر في بعض القرارات، ومن هنا جاء هذا التعنت والتعدي فيما يتعلّق بمخالفة مبدأ التشاور بين هيئتنا وهيئة الانتخابات، ومن ثم إصدارها قراراً ينصّ على حصريّة إشرافها على الانتخابات التشريعية.
كما أن هيئة الانتخابات تريد تصوير "الهايكا" على أنها تريد إرباك المسار الانتخابي وإفشاله، ولها مشاكل مع رئيس الجمهورية والحكومة، وهذا ينطبق فعلاً على الحكومة باعتبار أنها حافظت على تعيين الرئيسة المديرة العامة للتلفزيون الرسمي، وقد طالبناها بأن يكون التعيين وفق الرأي المطابق، بمعنى ترشيح الحكومة لعدد من المرشّحين لذلك المنصب وتختار "الهايكا" أحدهم، وقد وعدتنا رئيسة الحكومة بالالتزام بذلك المبدأ، ولكنها أخلت بوعدها، وبالتالي نرى أن الحكومة جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحلّ.
وبالنسبة لرئيس الجمهورية ليس لنا أي إشكال فيما يتعلق بمؤسسة رئاسة الجمهورية، وسنراسلها لتوضيح الإشكال وتبيان الوضعية وبصفة الضمان لاستمرارية مؤسسات الدولة.
لكن هناك جلسة خلال الأيام الماضية جمعت بين رئيسة الحكومة ووفد عن "الهايكا"، وقد أعلنوا عن التوصل إلى اتفاقات تُنهي كل الخلافات.
خلال تلك الجلسة، وعدت رئيسة الحكومة نجلاء بودن بالعودة للقانون وتطبيقه واحترام ما ينصّ عليه في علاقة بالتعيينات على رأس مؤسسات الإعلام الرسمية أو المملوكة للدولة، وخاصة التلفزيون والإذاعة، ولكن اليوم مع الأسف لم تفِ رئيسة الحكومة بذلك الوعد، وأصبحوا يطالبون بانتخابات وحملة انتخابية تحت إشراف تلفزيون وإذاعة مملوكة للدولة، ومن يشرف عليهما معينان بشكل فوقي من طرف السلطة التنفيذية، وهذا يمسّ نزاهة تغطية العملية الانتخابية.
بصفة عامة، وبعد 25 تموز/يوليو 2021 هل هناك أرضية ملائمة لقيام "الهايكا" بدورها الرقابي والتعديلي المناط لها بالقانون وبشرعية مستمدة من أهل المهنة؟
بالتأكيد الهيئة دافعت عن صلاحيّاتها خلال العشر سنوات السابقة، وكان العمل صعباً جداً، وستُواصل الدفاع عن صلاحيّاتها وسوف تدعو وسائل الإعلام إلى الالتزام بتوجيهاتها باعتبارهم من منظوريها وممثلين فيها، وستواصل احترام المؤسسات والتعامل مع هيئة الانتخابات وفق ما يضبطه القانون، ومدها بجميع الوثائق، ولكن الأكيد أن هيئة الاتصال السمعي البصري "الهايكا" لن تتخلى عن صلاحيّاتها.
ترى الأغلبية في المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال طابعاً زجرياً يهدد مكسب حرية التعبير وسيؤدي ضرورة إلى ضربها، ما رأيكم؟
المرسوم 54، الذي صدر خلال الفترة الأخيرة، يثير الخشية ويُرعب الصحفيين، ومن المفترض أن هناك المرسوم 115 الذي ينظم العمل الصحفي، وهو الذي ينظم عملية محاسبة الأخطاء المهنية التي يقوم بها الصحفي، ولكن وفق القواعد والمعايير المعمول بها في الدول الديمقراطية.
ولكن المرسوم 54 أصبح عصا غليظة مسلطة على الصحفيين، وقد رأينا خلال اليومين الماضيين إحالة أحد الصحفيين إلى القضاء، وفق ذلك المرسوم على خلفية مقال صحفي عادي لم يتضمن سوى نقد في حدود أخلاقيات وضوابط المهنة.
ونحن قد نبهنا من خطورة المرسوم 54، والهيئة أصدرت موقفاً رافضاً بصفة قطعية لهذا المرسوم باعتباره يحدّ من حرية التعبير.
بصفة عامة، كيف تقيّمون وضع الإعلام ومنسوب حرية التعبير منذ تاريخ 25 يوليو/تموز 2021 إلى اليوم ؟
حرية التعبير يُمكن القول إنها جاءت مع ثورة 2011، وفي حال وجود أخطاء في الصحافة فهي تتأتى من غياب تجربة في حرية التعبير خلال الأنظمة السابقة، وفي حال وجود إشكاليات تتعلق اليوم بحرية التعبير فسببها أن الأحزاب المهيمنة من قبل لا تتبنى قيم ومبادئ حرية التعبير؛ بل كانت تعمل على توظيف وسائل الإعلام لصالحها واستعمالها كبوق دعاية.
وكنا نتمنى أن يُشكل 25 يوليو/تموز محطة جديدة في اتجاه مأسسة حرية التعبير، وأن يتم إصدار قانون لتركيز الهيئة التعديلية للإعلام، ولكن مع الأسف لم يحدث ذلك، وليس هذا فقط بل صدر المرسوم 54، اليوم هناك تفكير في إصدار قانون يتعلق بهيئة الاتصال السمعي البصري الذي يجب أن يُطرح للنقاش أمام الهياكل المهنية والصحفيين والنقاش المجتمعي.
وبالتالي نحن لا نعتبر أننا دخلنا في مرحلة جديدة فيما يتعلّق بحرية التعبير والصحافة، بل نرى أن هناك استمرارية من نوع ثانٍ، وفق العديد من المعطيات والمؤشرات التي تثير الخشية حول مستقبل حرية التعبير وحرية الصحافة.
هل يندرج العمل خلال هذه الفترة على تصفية أكثر ما يُمكن من وسائل الإعلام، في السياق الذي ذكرته؟
بالتأكيد يندرج في هذا السياق؛ لأنه حين لا تعي سلطة ما أن شرعيّتها ومشروعية وجودها يتأتى من المعارضة ومن الإعلام الحرّ، فإن ذلك يُصبح عائقاً للتقدّم في المسار الديمقراطي، حيث كان من المفترض أن تدعم الحكومة مشاريع "الهايكا" ومقترحاتها فيما يتعلق بإنشاء صندوق دعم استقلالية وسائل الإعلام وإحداث هيكل خاص لقياس نسبة المشاهدة والاستماع وتنظيم الإشهار بشكل يُساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية لوسائل الإعلام.
ولكن كل تلك المشاريع والمقترحات لم تنتبه لها الدولة ولم تُعرِها أي اهتمام، ناهيك عن التحدي الأكبر المتمثل في رقمنة وسائل الإعلام في المستقبل، والذي سوف نكون مضطرين لمواجهته دون تحضير مشاريع أو رؤية لذلك التحوّل، وكل ذلك يؤشرّ ويدفع إلى قناعة بأن السلطة تُقيّم الإعلام على قاعدة الولاء لها أو معارضتها، ولا تقيمه كجزء من نظام الحكم في دولة ديمقراطية.