بعد خبر مقتل المواطن الأمريكي "ستيفن ترول"، المقيم بالعاصمة العراقية بغداد في الأيام القليلة الماضية، وانتشار بعض التقارير التي تفيد بأن الجهة المنفذة للاغتيال هي فصيل مسلح شيعي عراقي، يحمل اسم "سرايا أهل الكهف"، لكن هناك شكوك حول قيامها بالعملية فما حقيقة الأمر؟
كثير من الروايات التي أعقبت مقتل المواطن الأمريكي "ستيفن ترول"، لكن مصادر أمنية صرحت لفريق "عربي بوست" بتفاصيل هامة تتعلق بحادث الاغتيال.
ما هي الجماعة التي اغتالت المواطن الأمريكي بالعراق؟
مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى قال في حديثه لـ"عربي بوست": "هناك شكوك كبيرة حول حقيقة قيام أهل الكهف بهذه العملية، كما أن الجماعة لم تصدر بياناً مباشراً تعلن فيه مسؤوليتها عن اغتيال المواطن الأمريكي، أعتقد أن أغلب الأخبار التي تفيد بذلك غير دقيقة".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "رصدنا عدداً من المسلحين بأسلحة متوسطة، في سيارات بدون أرقام، يحاولون في البداية خطف المواطن الأمريكي، لكن في النهاية قرروا قتله والهرب بسرعة".
قُتل المواطن الأمريكي المقيم ببغداد، "ستيفن ترول"، في حي الكرادة، وهو معقل الجماعات المسلحة الشيعية في العراق.
ويقول المسؤول الأمني العراقي لـ"عربي بوست": "في اللقطات التي أظهرتها كاميرات المراقبة في محيط الحادثة، وجدنا أن سيارات المسلحين استطاعت عبور حوالي ثلاث نقاط تفتيش، دون أن يقوم أحد بإيقافها، هذا دليل على أنهم تابعين لإحدى الجماعات المسلحة القوية".
وبحسب المسؤول الأمني العراقي، فإنه إلى الآن لم تحدد الجهات الأمنية الحكومية في العراق، هوية المسلحين الذين قاموا باغتيال المواطن الأمريكي، "ما زال الأمر قيد التحقيق".
أشارت بعض المصادر الأمنية في العراق في حديثها لـ"عربي بوست"، إلى أن "عصائب أهل الحق"، قد أسست فصائل صغيرة مثل "أهل الكهف"، للقيام بعمليات ضد الأهداف الأمريكية في العراق، دون أن توضع هي في موضع الاتهام بشكل متكرر.
الرواية الأولى: إحراج عصائب أهل الحق
قال قيادي في فصيل عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست": "من نفذ عملية اغتيال المواطن الأمريكي، ولصقها بأهل الكهف، وتوريط عصائب أهل الحق في القصة بأكملها، كان يريد إحراج العصائب".
لكن من يريد إحراج عصائب أهل الحق، ولماذا؟
يجيب عن هذه الأسئلة المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "هناك من يريدون توريط عصائب أهل الحق في مشكلات أمنية وصراعات، بعد أن أشيع رغبة الفصيل في تولي جهاز المخابرات".
كنا قد ذكرنا في تقرير سابق، في فترة تشكيل الحكومة العراقية في الشهر الماضي، أن بعض المسؤولين والقادة السياسيين في العراقيين، أخبروا فريق "عربي بوست" بأن فصيل عصائب أهل الحق يرغب في تولى الاجهزة الامنية الحساسة في البلاد، لذلك ترك المنافسة على الحقائب الوزارية لباقي حلفاءه من الإطار التنسيقي الشيعي، واكتفي فقط بالحصول على وزارة التعليم العالي.
بالعودة الى مسألة قتل المواطن الأمريكي ببغداد، يقول قيادي آخر في "كتائب حزب الله"، وهو فصيل مسلح قوي ومقرب ايضا من الجمهورية الاسلامية الايرانية، لـ"عربي بوست"، "انتشرت بعض الأحاديث داخل فصائل المقاومة، بان مقتدى الصدر هو الذي يقف وراء عملية اغتيال المواطن الأمريكي، لإحباط محاولة عصائب اهل الحق في تولي جهاز المخابرات".
جهاز المخابرات الوطنية العراقية، جهاز أمني على مستوى عالي، أسسته الولايات المتحدة بعد الغزو الذي قادته في العراق عام 2003، وكان آخر من تولى هذا الجهاز، هو مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته (2020:2022).
يقول سياسي شيعي بارز في الإطار التنسيقي الشيعي (المظلة التى تجمع خصوم مقتدى الصدر، من النخب السياسية الشيعية)، لـ"عربي بوست"، "في الأيام القليلة الماضية، قام السوداني، بإقالة جميع المسئولين من الفريق الذي عينه الكاظمي في وقت سابق في جهاز المخابرات، في محاولة منه لتطهير الجهاز من أنصار الكاظمي الذين ينظر اليهم على انهم موالين للولايات المتحدة".
جهاز المخابرات الوطنية العراقية، لظل لسنوات طويلة بعيدا عن سيطرة الجماعات السياسية و المسلحة الموالية لإيران، الذين اكتفوا فقط بالسيطرة على وزارة الداخلية، وبحسب مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى، فإن لجهاز المخابرات أهمية كبرى، تجعله مطمعا للجماعات السياسية والمسلحة المتنافسة في العراق.
يقول المسؤول الأمني العراقي لـ"عربي بوست"، "السيطرة على جهاز المخابرات، تعني قوة هائلة، الجهاز هو من يتفاوض ويتعامل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة والدول الإقليمية، لطالما كانت أعين إيران على هذه المؤسسة الامنية الحساسة".
الفصائل تتهم الكاظمي..
في السابق، عندما كان مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، يتولى جهاز المخابرات الوطنية العراقية (2016:2020)، اتهمت الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران، في العراق، وبالتحديد فصيل عصائب أهل الحق، الذي لديه عداوة كبيرة مع الكاظمي، الاخير بانه متورط فى اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني و مهدي المهندس.
بالعودة الى مسالة ربط اغتيال المواطن الأمريكي ورغبة عصائب اهل الحق فى تولى جهاز المخابرات الوطنية العراقية، يقول سياسي شيعي بارز في الإطار التنسيقي، ومقرب من الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لايران، في العراق، لـ"عربي بوست"، "اعتقد ان الحادث مدبر بالفعل من قبل مقتدى الصدر، او حلفاء الامريكين في العراق، من اجل عرقلة عصائب اهل الحق للسيطرة على جهاز المخابرات".
لكن المصدر ذاته، أشار إلى نقطة هامة اخرى قائلا لـ"عربي بوست"، "وايضا هناك احتمال ان يكون احدا من داخل الإطار التنسيقي متورط في هذه الحادثة، لعدم رغبته فى تولى عصائب اهل الحق لجهاز المخابرات"، رفض القيادي في الإطار التنسيقي، الإفصاح عن هوية الرافضين داخل الإطار لتولى عصائب اهل الحق لجهاز المخابرات الوطنية العراقية.
لكن قيادي ثان داخل الإطار التنسيقي الشيعي أخبر فريق "عربي بوست"، قائلا "نوري المالكي وهادي العامري يرفضان بشدة تولى عصائب اهل الحق لجهاز المخابرات، هناك معارضة شديدة من المالكي بالتحديد لهذه المسألة".
ويضيف المصدر ذاته قائلا لـ"عربي بوست"، "إذا حدث وتولت عصائب اهل الحق جهاز المخابرات، سيكون ذلك بداية انشقاق كبير داخل الإطار التنسيقي".
الرواية الثانية: تورط عصائب اهل الحق بالفعل
أما بالنسبة إلى الرواية الثانية التي أخبرتنا بها المصادر العراقية، فيما يتعلق بعلاقة عصائب أهل الحق، بقتل المواطن الأمريكي المقيم بالعاصمة العراقية بغداد، "ستيفن ترول".
يقول مسؤول أمني عراقي بارز، ومقرب من الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لايران، في العراق، لـ"عربي بوست"، "هناك احتمال أن تكون عصائب اهل الحق متورطة بالفعل في مقتل الأمريكي، وهناك ايضا سبب وجيه لتصديق هذا الاحتمال".
يكمل المصدر ذاته حديثه لـ"عربي بوست"، قائلا "ذكر اسم "أهل الكهف"، والجميع يعرف أنها مرتبطة بعصائب أهل الحق، من الممكن أن يكون لعبة من العصائب لإظهار قوتها لجميع الاطراف داخل وخارج العراق، وإظهار أنها الوحيدة القادرة على السيطرة على على الجماعات المسلحة الصغيرة التي تريد الانتقام لمقتل سليماني والمهندس".
ويقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، "الخزعلي (قائد عصائب اهل الحق)، لديها تطلعات كبيرة للعب دور أكثر اهمية ومحورية، وظهرت هذه التطلعات في الكثير من المناسبات، يريد ان يسيطر على كافة الاجهزة الامنية الحساسة في البلاد، مستغلا تواجد السوداني في الحكومة، كما انه يرى ان الفرصة قد هيأت له، بعد الازاحة المؤقتة لمقتدى الصدر من المشهد السياسي".
كان مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي والسياسي المثير للجدل في العراق، قد أعلن تقاعده عن الحياة السياسية في مطلع شهر أغسطس المنصرم، بعد الأحداث الدامية التى وقعت بين أنصاره المعتصمين فى المنطقة الخضراء، والقوات الامنية الحكومية بجانب خصومه من الفصائل المسلحة الشيعية.
جدير بالذكر هنا، أن قيس الخزعلي قائد عصائب اهل الحق، كان من ضمن قادة "جيش المهدي"، التابع لمقتدى الصدر، الذي تأسس بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وتم تفكيكه من قبل مقتدى الصدر بعد الصراع الطائفي الذي مر به العراق في السنوات اللاحقة للغزو (2006:2008)، لكن انشق قيس الخزعلي عن "جيش المهدي"، ليؤسس بعد ذلك فصيل عصائب اهل الحق بدعم مالي وعسكري كبير من ايران، وبالتحديد من الحرس الثوري الإيراني، ليصبح فيما بعد أحد أبرز خصوم مقتدى الصدر، في العراق.
وفيما يخص مسالة رغبة عصائب اهل الحق لتولي جهاز المخابرات، يقول قيادي في الفصيل ذاته لـ"عربي بوست"، "المسالة ليست مجرد رغبة، لكن الوقت الحالي الذي يمر به العراق حساس، ونعلم ان مقتدى الصدر لن يصمت طويلا، وسيحاول تكرار ما حدث في المظاهرات الدامية السابقة، فما المانع من تولى العصائب لجهاز المخابرات، لتجنيب البلاد الصراع المستقبلي المحتمل".
سرايا أهل الكهف
بالنسبة الى فصيل "سرايا أهل الكهف"، الذين نسبت اليه حادثة اغتيال "ترول"، فهي جماعة تأسست في عام 2019، لكن نشاطها كان محدودا للغاية، لكن بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني، وابو مهدي المهندس، زاد نشاطها بشكل ملحوظ، وشنت العديد من الهجمات على المصالح الامريكية ببغداد، بدافع الانتقام لسليماني والمهندس.
في تقارير سابقة، قالت مصادر عراقية، أن جماعة "اهل الكهف"، هي فصيل صغير منبثق من فصيل "عصائب اهل الحق"، بزعامة قيس الخزعلي، وهو من أكبر الفصائل المسلحة الموجودة في العراق، والمقربة من إيران، ومن ضمن الفصائل المنضوية تحت مظلة هيئة الحشد الشعبي العراقي.
فور انتشار خبر تعرض المواطن الأمريكي "ستيفن ترول"، في حي الكرادة بالعاصمة بغداد، ويعمل معلم لغة انجليزية ضمن احد البعثات الاممية بالعراق، قالت بعض وسائل الاعلام العربية، خارج العراق، ان الجماعة التى اغتالت "ترول"، هي "سرايا اهل الكهف".
انتقاماً لمقتل سليماني؟
وكانت أفادت قناة "العربية" الاخبارية، الممولة من المملكة العربية السعودية، أن "سرايا أهل الكهف" اصدروا بيان تعلن فيه مسئوليتها عن اغتيال المواطن الأمريكي، "ستيفن ترول". انتقاما لمقتل قاسم سليماني ومهدي المهندس
في 4 يناير 2020 اغتالت الولايات المتحدة، بطائرة بدون طيار، الجنرال الايراني قاسم سليماني، والذى كان عائدا من سوريا، وكان يرافقه فى سيارته نائب رئيس وحدات الحشد الشعبي، ابو مهدي المهندس، الأب الروحي لاغلب الفصائل الشيعية المسلحة في العراق، والمقربة من إيران، بالقرب من مطار بغداد الدولي.
يقول قيادي بارز فى الحشد الشعبي العراقي لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، نظرا لحساسية الموضوع، "هناك صلات قوية تجمع قادة أهل الكهف بالخزعلي، وفي أكثر من مرة كان قادة أهل الكهف يلتزمون بأوامر الخزعلي".
هل سيقبل اللاعبين الإقليميين تولى عصائب اهل الحق لجهاز المخابرات؟
بافتراض، أن فصيل عصائب اهل الحق نجح في مساعه، وتولى بالفعل جهاز المخابرات الوطنية العراقية، فما هي ردود فعل اللاعبين الإقليميين والولايات المتحدة تجاه هذا الأمر؟
يقول سياسي شيعي عراقي، مقرب من الجمهورية الاسلامية الايرانية لـ"عربي بوست"، "بالطبع سيكون الإيرانيين أول السعداء بهذا الخبر، صحيح أن العلاقة مؤخرا متوترة بين العصائب وإيران، لكن فى النهاية هم حلفاء، وتولى حليف لإيران لمثل هذا الجهاز المهم والخطير، أمر سعيد".
ويضيف المصدر ذاته قائلا لـ"عربي بوست"، "إذا حدث وتولت العصائب جهاز المخابرات، فهذا يعني استعادة قوة ايران في العراق، التي تأثرت قليلا بعد وفاة سليماني فى السنوات القليلة الماضية".
لكن، ماذا عن الولايات المتحدة؟.. يقول مسئول عراقي سابق في حكومة مصطفى الكاظمي، المنتهية ولايته، لـ"عربي بوست"، "هذا الأمر سيغضب الأمريكيين للغاية، صحيح أن نفوذهم في العراق لا يمكن مقارنته بنفوذ إيران، لكن اعتقد ان واشنطن ستضغط بكافة الطرق على حكومة السوداني، لعدم حدوث هذا الأمر".
سبق وقد ذكرنا فى تقرير سابق، عن تواصل بين وفد استخباراتي اماراتي، مع عصائب اهل الحق في الأسابيع القليلة الماضية، للتحدث حول استهداف الفصائل العراقية لدولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن دعم من الفصائل للحوثيين في اليمن، كما تم ذكره بعض الهجمات في يناير 2022، على إمارة أبوظبي من داخل الأراضي العراقية.
يعد هذا التواصل النادر وغير المسبوق بين المسؤولين الأمنيين الاماراتيين وعصائب اهل الحق، حيث لم يسبق لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تواصلت مع أى فصيل شيعي مسلح في العراق من قبل، من ضمن رغبة عصائب اهل الحق في لعب دور إقليمي في العراق، بعد النجاح فى إزاحة المنافسين سواء المسؤولين من عهد الكاظمي، او ازاحة مقتدى الصدر من المشهد السياسي.