انهارت مفاوضات تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، في ظل إصرار زعيم حزب الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، على تولي حقيبة وزارة الدفاع الإسرائيلية في حكومة بنيامين نتنياهو القادمة.
وأفادت صحيفة يديعوت أحرونوت أن نتنياهو التقى بسموتريتش على هامش جلسة أداء اليمين في الكنيست، أمس الثلاثاء، 15 من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، لأول مرة بعد أسبوع كامل من انقطاع الاتصال بين الرجلين، وتوقف المفاوضات بين القادة.
نتنياهو مُتمسك بوزارة الدفاع
وقال نتنياهو خلال اللقاء داخل الكنيست لسموتريتش إن "وزارة الدفاع لن تُمنح لك، وستبقى بيد الليكود"، وفي وقت سابق قالت أوساط في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو أنها ترفض التنازل عن حقيبة الدفاع.
ويدعم حزب الليكود 3 مرشحين من أعضائها لشغل هذه الحقيبة، وهم: اللواء يواف غالانت، القائد السابق للمنطقة الجنوبية، وآفي ديختر، الرئيس الأسبق لجهاز الشاباك، ويوسي كوهين، الرئيس الأسبق لجهاز الموساد.
أما الإدارة الأمريكية، وفقاً لما أورده موقع Axios، فاستبقت خطاب التكليف الذي منحه الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، لبنيامين نتنياهو، بإرسال تحذير عبر وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
وأبلغت واشنطن الرئيس الإسرائيلي أنها قلقة من الخطاب العنصري الذي يتبناه كل من بن غفير وسموتريتش، ومن غير المرجح أن تبقى قنوات الاتصال مفتوحة بين واشنطن وتل أبيب حال شغِلا موقعاً في الحكومة القادمة.
من هو سموتريتش؟
يُعد بتسلئيل سموتريتش أحد أكثر السياسيين الإسرائيليين تطرفاً، وهو من مواليد 1980، والده الحاخام السابق لمدرسة كُريات أربع الدينية، أحد أكبر معاقل حركة كاخ الإرهابية.
يتزعم سموتريتش قائمة الصهيونية الدينية المتطرفة، وهي امتداد لأفكار الحاخام مائير كاهانا، الذي تخرّج على يديه المتطرف باروخ جولدشتاين، مُنفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994، التي ارتقى فيها 29 مصلياً خلال صلاة الفجر.
وتُعتبر تجربة سموتريتش في عالم السياسة في تل أبيب حديثة العهد، إذ دخل الكنيست لأول مرة عام 2015، ولم يتقلد أي منصب سياسي في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ 7 سنوات.
ورغم هذه التجربة القصيرة في العمل السياسي، فإن حزب سموتريتش استطاع أن يحظى في الانتخابات الأخيرة بثالث أكبر كتلة برلمانية في الكنيست بـ14 مقعداً، إذ صوّت له ما يزيد على نصف مليون ناخب، الجزء الأكبر منهم كان من جمهور المستوطنين.
من بين المواقف التي يُروّج لها سموتريتش وبن غفير، حديثه الدائم عن الهيكل المزعوم، حيث قال في إحدى مهرجانات الدعاية الانتخابية أمام أنصاره "ليس ثمة شيء اسمه شعب فلسطيني".
ويعتبر سموتريتش أن الهيكل الثالث (على أنقاض المسجد الأقصى المبارك بعد هدمه) سيتم بناؤه خلال سنوات"، كما أن مستقبل القدس (دولة إسرائيل الكبرى باعتباره) هي التوسع نحو الأردن حتى دمشق.
الصراع على وزارة الدفاع
يحظى منصب وزير الدفاع في إسرائيل بأهمية استراتيجية، فهو الموقع الثاني في الدولة من ناحية الوزن السياسي بعد منصب رئيس الوزراء، وبالتالي يعتبر شكل هذا المنصب تاريخياً محل أطماع تسعى الكتل السياسية للظفر به.
ويُعتبر وزير الدفاع في إسرائيل هو المسؤول الأول والمباشر عن إعداد وصياغة السياسات العامة للدولة داخلياً وخارجياً.
كما أنه، ومن ناحية أخرى، فمنصب وزير الدفاع يتفوق على منصب رئيس الحكومة، كونه يتعامل إجرائياً وبشكل مباشر مع مؤسسة الجيش التي تتعامل مع التهديدات الداخلية والخارجية في المناطق الخمسة، وهي الضفة الغربية، وقطاع غزة، وسوريا، ولبنان، وإيران.
ويعني ذلك أن وزير الدفاع هو من يضع ويحدد خطوط السياسات العامة للجيش، كقواعد إطلاق النار، والمصادقة على توجيه الضربات العسكرية وتنفيذ العمليات في الميدان، والإيعاز لقادة الجيش بوضع السيناريوهات المحتملة للقضاء على مصادر التهديدات داخل الحدود وخارجها، بما فيها إمكانية توجيه ضربة عسكرية لتدمير البرنامج النووي الإيراني، وهو ما تخشاه الإدارة الأمريكية.
لماذا القلق من سموتريتش؟
قال تقرير للقناة 12 العبرية إن كبار ضباط الجيش أعربوا عن شعورهم بالقلق من احتمال تعيين سموتريتش في منصب وزارة الدفاع؛ لأنه لا يمتلك الخبرة والمعرفة، ولا السلطة في التعامل مع وزارة الحرب.
ينقل التقرير عن الجنرال تال روسو، قائد القيادة الجنوبية ورئيس شعبة العمليات في الجيش، الذي أكد أنه من السيئ أن سموتريتش سيعيَّن وزيراً للحرب، لأنه لم يفعل شيئاً في حياته في هذا المجال، وهو غير معروف.
وأضاف المتحدث في التقرير أن سموتريتش تهرّب من الجيش، متسائلاً ما المثال الذي سيضربه أمام الإسرائيليين من يهودي لم يخدم في الجيش، وبطريقة ما قدم تنازلات، وتهرّب من الخدمة، بالنسبة لي يبدو الأمر مقلقاً جداً.
أما الجنرال ماتان فيلنائي، نائب رئيس الأركان الأسبق، فعارض إمكانية تعيين سموتريتش؛ لأن أمن الدولة يتطلب المسؤولية والجدية واتخاذ القرارات المهنية بشكل يومي، ويجب تسليم الملف الأمني إلى جهة مسؤولة وذات خبرة في التعامل مع القضايا الأمنية.
أما الجنرال عاموس غلعاد، الرئيس السابق للدائرة السياسية والأمنية في وزارة الأمن، فقال إن وصول سموتريتش يعني وقوع كارثة خطيرة، فالتعاون مع السلطة الفلسطينية ضروري للأمن، وإلا فإننا سنواجه جمهوراً فلسطينياً كاملاً، وإذا جاء سموتريتش، وحرّض على السلطة الفلسطينية، فإن المستوطنين سيقومون بأعمال شغب.
ماذا يعني تعيينه للفلسطينيين؟
بالنسبة للفلسطينيين، فإن وصول سموتريتش لوزارة الحرب يعني عودة الحديث من جديد عن صفقة القرن ومشاريع الوطن البديل، وبالتالي مزيداً من مشاريع الاستيطان وعمليات التهجير القسري، وتقسيم الجغرافية الفلسطينية في الضفة الغربية، لقطع أي حلم لبناء دولة للفلسطينيين.
ويطالب سموتريتش بالانقلاب على اتفاق أوسلو، وتفكيك السلطة الفلسطينية، وتوسيع صلاحيات الإدارة المدنية الإسرائيلية، والعودة للوضع الذي كان عليه في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بتطبيق القانون العسكري، أو ما يُعرف بقانون الطوارئ في الضفة الغربية.
ليس ذلك فحسب، يشترط سموتريتش للقبول بدخول حزبه الائتلاف الحكومي، شرعنة البؤر الاستيطانية في جبل صبيح المعروف بمستوطنة " إفياتار" التي تقع وسط مدينة مدينة نابلس وتقسمها لنصفين، كما يطالب بوجود دائم للجيش الإسرائيلي في قبر النبي يوسف، وإنهاء الوجود الفلسطيني هناك.
الحلول أمام نتنياهو
مؤمن مقداد، محرر الشؤون الإسرائيلية في شبكة الهدهد الإخبارية، قال لـ"عربي بوست" إن "نتنياهو قد يجد صعوبة في تشكيل الحكومة الإسرائيلية خلال المدة التي حددها القانون، وهي 28 يوماً، فهو يتعرّض لضغط من قادة الليكود، ومن شركائه في الائتلاف الحكومي ومن قادة العالم، وأهمها الإدارة الأمريكية، حول منصب وزارة الدفاع".
وبالتالي "المتوقع وفقاً للعديد من المؤشرات أن نتنياهو سينتظر وقتاً أطول في محاولة لإقناع أحزاب من اليسار واليمين التقليدي مثل بيني غانتس أو يائير لابيد لتشكيل حكومة موسعة، تفادياً لأي مفاجآت أو سيناريوهات غير متوقعة، من بينها إمكانية انسحاب سموتريتش من الكنيست، وبالتالي سقوط نتنياهو وحكومته، والدخول في دوامة جديدة من الفراغ الحكومي والذهاب لانتخابات سادسة".