كشف تقرير أجرته منظمة حقوقية سورية، أن مراسيم "العفو" عن المعتقلين السوريين، التي أصدرها رئيس النظام في سوريا، بشار الأسد، خلال الحرب المستعرة بالبلاد منذ 10 سنوات، حررت فقط أقل من 6% من المعتقلين، إذ يُقدر أن 136 ألف شخص لا يزالون قابعين في السجون.
صحيفة The Guardian البريطانية قالت الثلاثاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إن مراسيم "العفو"، التي وصفها بعض المسؤولين في نظام الأسد بأنها تشبه سلوكيات "الأنبياء" من بشار الأسد، لم تكن إلا غيضاً من فيض هائل من المعتقلين، الذين لا يزالون داخل سجون النظام سيئة السمعة، وأضافت أن بعض المعتقلين مسجونون منذ سنوات بعد انتهاء عقوبتهم.
التقرير الذي أعدته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أشار إلى أن العديد من المعتقلين أُلقي القبض عليهم بدون أي مسوغات قانونية، وأوضح أنه في الغالب تم اعتقالهم بسبب مشاركتهم في احتجاجات معارضة للحكومة في الأشهر والسنوات الأولى للثورة ضد نظام الأسد.
يشير التقرير، الذي استغرق إعداده قرابة عام، إلى أن 7531 شخصاً اعتُقلوا تعسفياً في الماضي جرى إطلاق سراحهم، بينما لا يزال 136 ألف شخص محتجزين قسرياً، وكثير منهم لا تستطيع عائلاتهم أو محاموهم الوصول إليهم.
استغرقت عمليات إطلاق السراح أكثر من 21 مرسوم "عفو"، ووُصفت بأنها وسائل للمصالحة بين المعارضة والنظام.
التقرير المعنون بـ"تحليل لكافة مراسيم العفو التي أصدرها النظام السوري"، قال إنه منذ اللحظة الأولى لاعتقال المحتجز (أو المحتجزة)، "فإنه يخضع للتعذيب، ويُحرم من أي فرصة للتواصل مع عائلته أو محاميه".
كما أوضح أن "الغالبية العظمى من حالات الاعتقال تتحول إلى اختفاء قسري"، وأن سلطات نظام الأسد تنكر اعتقال المحتجزين، مضيفاً أن "عمليات الاعتقال طالت مئات آلاف السوريين، دون أيّ تهمٍ أو أدلة واضحة، وإنما كانت على خلفية سياسية للدفاع عن النظام من أي تغيير سياسي، لهذا فهي عمليات اعتقال تعسفي غير مشروعة، وتنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما تنتهك الدستور السوري والقانون المحلي".
فضل عبد الغني، مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قال إن الأعداد القليلة من الأشخاص الذين أٌُطلق سراحهم طغى عليهم 20 ضعفاً من الأشخاص "الذين تُركوا وراءهم".
أضاف عبد الغني أنه "بهذا المعدل، سوف يحتاجون إلى 233 سنة و408 مراسيم عفو لإطلاق سراح البقية، هذا معلمٌ مهمٌّ في استيعاب الحرب السورية وتأثيرها على السكان، لم تكن هذه مكرمة من الرئيس، لقد كانت مراسيم العفو أداة أخرى للقمع".
من جانبه، قال بشير العبد، المحتجز السابق في سجن صيدنايا سيئ السمعة بدمشق، إنه حُكم عليه بالسجن 21 عاماً في جلسة استماع استمرت 30 ثانية، وأضاف أنه أُجبر، مثل محتجزين آخرين، على دفع رشوة كبيرة إلى حراس السجن برغم ورود اسمه في قائمة أحد مراسيم العفو.
أوضح العبد أنه في عام 2019، كان قد قضى 8.5 سنة في السجن، وأضاف: "حينها عُرض عليّ ضمي في مرسوم عفو عن طريق أحد الضباط مقابل دفع مبلغ كبير من المال، وقمنا بتدبيره، دفعت له المال على أقساط لضمان إطلاق سراحي، وضمني ضمن مرسوم العفو الصادر في 2014 (الذي لم يُوفَّ) ثم في مرسوم 2019".
يؤكد أيضاً أنه كان شاهداً على عدد الرجال الذين وُعدوا بالحصول على مراسيم العفو وكانوا مؤهلين للحصول عليها، لكنهم لم يُمنحوا إياها قط، وأكد كذلك أنه شاهد على عدد الأسماء التي أُدرجت، لكن مراسيم العفو وزعت لاحقاً على مساجين آخرين.
أضاف العبد: "نعلم أن النظام كاذب، 90% ممن أُدرجت أسماؤهم في مراسيم العفو كانوا ممن عملوا مع النظام وارتكبوا جرائم حرب مروعة، لكنهم لم يُعاقَبوا بالسجن بطريقة ملائمة، وبمجرد إطلاق سراحهم (بعد أحكام رمزية) سوف يُعادون إلى ميليشياتهم".
كان سوريون قد كشفوا في مناسبات عدة على مدار السنوات الماضية، عن صعوبة إخراج المعتقلين المعارضين من سجون الأسد، وأكدت عائلاتٌ أنها اضطرت إلى دفع أموال باهظة من أجل التأكد من أن أبناءهم على قيد الحياة في المعتقلات.
من بينهم أم سعيد التي باعت كل ما تملك، حتى فرش منزلها، كي تدفع لـ"سماسرة" أوهموها بأنهم قادرون على تحديد مكان ابنيها المفقودين بسجون النظام في سوريا، لكن نحو 10 سنوات مرّت ولا تزال تجهل مصيرهما.
أم سعيد قالت في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية في وقت سابق: "كذبوا علي، والغريق يتعلق بقشّة.. لو طلبوا قلبي لأعطيتهم إياه".
الباحثة في الشأن السوري بمنظمة العفو الدولية، ديانا سمعان، قالت إن "النظام السوري جعل الحصول على معلومات عن معتقلين أمراً مستحيلاً، ما خلق سوقاً سوداء"، وأضافت: "ينتهي الأمر بالعائلات المستميتة للحصول على معلومة، بدفع أموال طائلة، وأحياناً كامل مدخراتهم لوسطاء وسماسرة مقربين من الحكومة".
يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنه مع بدء الاحتجاجات عام 2011، دخل نصف مليون شخص إلى سجون ومراكز اعتقال تابعة للنظام، قضى ما لا يقل عن 60 ألفاً منهم تحت التعذيب أو نتيجة ظروف اعتقال مروعة.