لأول مرة في خطاب رسمي، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تحدث الملك محمد السادس عن مشروع أنبوب غاز المغرب – نيجيريا، والذي سينقل غاز إفريقيا إلى أوروبا، وسيمر على 13 دولة غرب القارة بطول 5660 كيلومتراً.
وصباح اليوم نفسه، استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، جيوفري أونيما، وزير الشؤون الخارجية النيجيري، بمطار الهواري بومدين وهو يهُم بمغادرة البلاد للمشاركة في قمة المناخ الـ27 المنعقدة في مصر.
وبين البلدين، اللذين يعيشان أزمة سياسية ودبلوماسية حادة، تقف نيجيريا بمشروع أنبوب الغاز الرابط بينها وبين القارة الأوروبية، دون أن تحسم على أي أنبوب ستعتمد، أو أي مشروع ستُفعل في الأخير.
وقبل سنوات كانت الدول الكبرى في العالم تتهرب من تمويل أنابيب الغاز القادمة من نيجيريا نظراً لكثرة العرض حينها، فالغاز الروسي كان محتكراً للأسواق وملبياً احتياجات الغرب، لكن اليوم أوروبا تريد أن تقلل تبعيتها لموسكو وتبحث عن بديل لغازها.
أنبوب الجزائر.. الأقرب للتنفيذ
قبل لقاء وزير الخارجية النيجيري مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، كان لجيوفري أونيما لقاء مع وزير الخارجية رمطان لعمامرة حول مجموعة من المشاريع الاقتصادية بين البلدين، من بينها خط أنابيب الغاز الجزائر – لاغوس.
وفي حالة تشييده، من المتوقع أن ينقل هذا الأنبوب 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من نيجيريا باتجاه القارة الأوروبية، هذه الأخيرة التي تُعاني من أزمة طاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
وتسعى الجزائر لجذب مستثمرين، للاستثمار في مشروع الأنبوب العابر للصحراء للمساعدة في تحمل التكلفة، التي تتراوح بين 10 و15 مليار دولار ستقسم بين شركة سوناطراك الجزائرية ووزارة النفط النيجيرية.
وأمام تفاؤلها الكبير، إلا أن الجزائر متخوفة من المخاطر البيئية والأمنية التي يُمكن أن تؤثر على المشروع؛ منها التسريبات والسرقات التي تتعرض لها الأنابيب النفطية والغازية في نيجيريا منذ سنوات طويلة وفشلت نيجيريا في التغلب عليها.
أما الخطر الثاني فيرتبط بعدم استقرار منطقة الساحل التي سيمر عبرها الأنبوب لمئات الكيلومترات، ومن بين نقاط اهتمام الجزائر بالمنطقة ومحاولتها لعب دور مهم هناك: ضمان مرور الأنبوب العابر للصحراء دون تعرضه للتدمير من طرف الجماعات المتطرفة.
غاز عابر للمغرب
أما بخصوص الأنبوب الذي سيمُر عبر المملكة المغربية، فيُعتبر مشروع غاز نيجيريا – المغرب توسيعاً لمنشأة كانت تضخّ الغاز من جنوب نيجيريا إلى كل من بنين وتوغو وغانا منذ 2010.
وسيحتاج مشروع الغاز نيجيريا – المغرب إلى قيمة استثمارية حددت بـ25 مليار دولار، مولت منها الأوبك 14.3 مليون دولار بالمرحلة الثانية من دراسة المشروع، والتي تعتبر بالنسبة للمغرب قطعة من الذهب.
وسيكون خط الأنابيب الذي يسعى المغرب ونيجيريا إلى تشييده، توسيعاً لمنشأة تضخّ الغاز من جنوب نيجيريا إلى كل من بنين وتوغو وغانا منذ عام 2010، على أن تتوسع إلى سيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال ثم موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي.
مسؤول في "المكتب الوطني للهيدروكربورات" (حكومي)، سبق أن صرح لـ"عربي بوست"، بأن "دراسة جدوى مشروع الغاز نيجيريا – المغرب اختتمت بالقرار المشترك بين البلدين، للانطلاق إلى مراحل الدراسات الهندسية التفصيلية".
وأضاف المتحدث أنه "إلى حدود الآن قُيِّمت 10 مسارات تمرّ عبر دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا غير الساحلية التي يُمكن أن يمر منها مشروع غاز نيجيريا المغرب".
وكشف المتحدث في تصريح سابق لـ"عربي بوست" أنه "تم اعتماد 4 معايير لاختيار هذه المسارات، وهي: العامل الأمني، ومناطق أخذ الغاز والإمداد، والتكاليف، بالإضافة إلى التأثيرات المجتمعية والبيئية، الشيء الذي مكّن من تجميد المسار البحري كطريق أمثل".
هل تلعب نيجيريا على الحبلين؟
لحدود الساعة ما زالت نيجيريا مستمرة في محاولتها لنقل الغاز من بلدها إلى القارة الأوروبية، ولحدود الساعة ما زالت تنُاقش المشروعين مع المغرب والجزائر معاً دون أن تحسم على أي أنبوب غاز ستعتمد، هل واحد منها أم الاثنان معاً.
وكشف وزير النفط النيجيري تيمبري سيلفا أن بلاده تتوفر على أكثر من 206 تريليونات قدم مكعبة من احتياطي الغاز الطبيعي، واحتياطي غير مؤكّد يبلغ 600 تريليون قدم مكعبة تريد نقله إلى أوروبا عبر شمال إفريقيا.
وقال المتحدث إن بلاده والمغرب ما زالا يسعيان للحصول على أموال لتمويل مشروع خط أنابيب ضخم لنقل الغاز النيجيري إلى شمال إفريقيا ثم إلى أوروبا، بما أن نيجيريا هي الأولى في إفريقيا في هذا المجال والسابعة في العالم.
وبينما يُتوقع أن يدخل خط أنبوب الغاز العابر للصحراء حيز التنفيذ في عام 2027، فإنه من المأمول أن يبدأ تشغيل خط أنبوب الغاز المغربي في عام 2046، لهذا تسعى نيجيريا إلى ضمان إنجاز المشروعين معاً.
وترى نيجيريا أن البعد الزمني حول التنفيذ، بالإضافة إلى تجنب المخاطر التي يُمكن أن تهدد أنبوب غاز الصحراء العابر للجزائر عن طريق النيجر بسبب عدم الاستقرار السياسي في المنطقة.